| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 30/1/ 2013



افتتاحية المدى

على افتراض تسلّل القاعدة والبعث :هل نجيز إطلاق الرصاص على المتظاهرين..؟

فخري كريم 

من حقّ الناس أن يشعروا بالقلق من تسلّل القاعدة والبعث إلى صفوف المتظاهرين الذين يمارسون حقهم الدستوري في الاحتجاج على مصادرة إرادتهم والتضييق على حرياتهم وتدهور أوضاعهم المعيشية والأمنية وتدني الخدمات الضرورية، واكتظاظ السجون والمعتقلات بالمظلومين، من غير الإرهابيين والقتلة.
ومن حقهم التظاهر لأي سببٍ يرون فيه غمطاً لحق من حقوقهم، أو للمطالبة برفع حيفٍ عنهم. وفي كل الحالات يُحرِّم الدستور تحريماً مطلقاً تقييد هذا الحق أو الالتفاف عليه تحت أي ذريعة أو ادعاء باطل.
من جانب آخر، يحتّم الدستور على الحكومة وأجهزتها المختصة أن تتخذ كل ما من شأنه حماية هذا الحق وكفالته وتيسيره للمواطنين، بغض النظر عن تعارض المظاهرات والمتظاهرين معها، أو ضد أي اجراء أو نهج أو سياسة من سياساتها المعتمدة.

ومن بين أشد اللزوميات التي كفلها الدستور النص على المنع المطلق لاستخدام الحكومة الرصاص الحي ضد المتظاهرين أو المحتجين او أي تجمع أو فعالية سلمية لجماعة من الناس. وحَرَّم الدستور في نصٍ صريح لا يقبل التأويل زجّ الجيش والقوات المسلحة في الصراعات السياسية، وضمنياً جرّدها من حق التعامل بالسلاح في فضّ الحركات الاحتجاجية أو التظاهرات او التجمعات الشعبية او المواجهة معها، لأن الدستور حدد مهام الجيش والقوات المسلحة حصرياً بحماية حدود العراق وصيانة سيادته واستقلاله.
ولتأكيد تحريم ممارسة العنف ضد المواطنين، شدد الدستور على الالتزام بالقانون ومبادئه وآلياته عند الاعتقال، مانعاً منعاً مطلقاً انتزاع الاعتراف من المتهمين تحت الضغط النفسي او المادي أو وضعهم في جوٍ غير إنساني يدخل في باب الضغط. وفي هذا السياق المحدد حَرّمَ أي شكل من اشكال التعذيب والقسر وانتهاك الكرامة.
لكن السيرة الذاتية لسلطتنا التنفيذية وأجهزتها وأدواتها تتناقض كلياً مع هذه اللزوميات الدستورية، ومع حيثيات الكفالة التي حدّدها للحقوق. وشهدت سنوات ولايتي المالكي بالتحديد انتهاكاً صارخاً غير محدود لها، تمثلت في قمع المظاهرات السلمية بالرصاص، وتنفيذ الاعتقالات العشوائية والمنظمة بالآلاف، وخرق الدستور في كل المواضع والمواد التي لا تسمح بالتضييق على الحريات والحقوق المدنية والشخصية. وفي اكثر الحالات المتعارضة مع الدستور أمر المالكي عام ٢٠١١ بإطلاق النار على المتظاهرين في بغداد ومدن أخرى. ولم يكن في الشعارات المرفوعة ما يشي بتسلل البعث أو القاعدة الى صفوف المتظاهرين. وربما كان العكس هو الصحيح، إذا ما استدللنا على اتهامات القائد العام للقوات المسلحة للشيوعيين والديمقراطيين ومنظمات المجتمع المدني وشخصيات عامة، بالتحريض على المظاهرات والمشاركة فيها، وصياغة شعاراتها المطالبة بالإصلاح السياسي وتوفير الخدمات ووضع حدٍ للانفلات الأمني والتعدي على الحريات.
وفي الوقت الذي كانت المظاهرات تواجَه بالقمع والرصاص والشتائم والاعتقالات، كانت بغداد العاصمة ومحافظات عديدة تشهد عمليات إرهابية متزامنة، ويسقط جرّاءها العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى والمعاقين والمشوّهين، ممّا كان مثار سخرية واستهجان شعبنا المبتلى، للصولات التي يبشر بها ضد القاعدة وفلول البعث، أتباعُ دولة القانون والناطقون باسمها وقوات حفظ النظام.
إن تطوراً عكسياً تخلل المشهد بجوانبه المختلفة، خلال الفترة المذكورة، إذ تراجعت الحريات بوتائر متصاعدة، وجرى التضييق بوسائل مستحدثة، مغلفة بلبوس الدين، ضد المواطنة والحقوق المكتسبة، واتسعت دائرة الانتهاكات والفساد والمحسوبية، وتزايدت مظاهر الانفراد والإقصاء والتسلط الفئوي والعائلي، في حين كان التطلع العام ينتظر انفراجاً امنياً وتنمية اقتصادية واجتماعية بمستوى الدخل الوطني والموارد الهائلة، وتكريساً للدولة المدنية على قاعدة مؤسساتية وحقوقية قانونية، وتدرجاً مقبولاً بتجاوز التوافق الطائفي والمحاصصي وتعزيزاً لدور وصلاحيات المحافظات على حساب المركزية وأساليبها القسرية.
وتأكيداً لما تسوقه الأوساط المالكية، أجزم بان دولاً عربية وإقليمية وأوساطاً متنفذة فيها ترصد تطور الأوضاع في العراق والحراك الدائر فيه، وتتحين أي فرصة متاحة لتمرير توجهاتها، وأجندة هذه الدول والحكومات والأوساط تتعدد من حيث الأساليب والأدوات، لكن هدفها دون شك هو استهداف نهج وسياسات دولة القانون ورئيسها. وهي أجنداتٌ تحمل في طياتها روائح طائفية ومذهبية وليس من المستبعد ان تنظر بعيداً في إمكانية الاخلال بالتوازنات السياسية في البلاد وإجراء تغيير جذري في طبيعة الحكم والحكام.
فهل في هذه التوجهات والمطامع، على صعيد الصراع السياسي، ما هو شاذٌ وغريب؟ وهل ينطلق رأس حكومتنا وهو يمدّ يده إلى ساحة الصراع الدموي في سوريا من معادلة مُبرأة من هذا النهج والتوجهات؟
ان التدخل بوسائل غير مرئية او الرقص على حبال الخديعة، قد يثير الغبار في المشهد، لكن من الصعب إضفاء طابع البراءة والنزاهة على المواقف الخبيئة التي مهما بُذلت من مناورات لإخفاء مراميها البعيدة، تكشفت بلا رتوش أمام من يعنيه الأمر.

ان القاعدة تعبث بأمننا وحياة مواطنينا. هذا حقٌ وواقع.
وان فلول البعث الساقط سياسياً وأخلاقياً تبحث لها عن دور وملاذ، كلما تسنى لها ذلك. وهذا حقٌ لا مراء فيه.
وان جيراناً وأشقاءً وأتراباً ملتاعين لهم امتداداتٌ وعيونٌ وعسسٌ، ولهم مصالح ومطامع، يرصدون أوضاعنا ويتحيّنون الفرص الذهبية لتعزيز مواقعهم واتباعهم، ومنهم من يوظف المليارات لتحسين موقع قدمه في هذا الميدان أو ذاك. وهذا لا يأتيه الباطل من خلفٍ او من دون.!
إنهم جميعا يحاولون أن يندس أقوام لهم في مظاهرة في الفرات او الجنوب او بغداد مثلما هو الحال في مدن الغربية، ويمنون النفس في ان يرتفع لهم فيها شعار أو علمٌ او هتاف.
ولكن ما يعقب هذا الإقرار بالواقع المرير الذي تعيش في اتونه تجربتنا "الديمقراطية " تساؤلٌ ممتدٌ حول الأسباب والعوامل والظروف التي تُمكّن من مرور وإمرار هذه المخططات وتسلل أدواتها الى عمق بلادنا وتجربتنا. وأيُ بيئةٍ سانحة هي الأمثل لتحولها مجتمعة إلى خيمة بريئة يجد بعضنا في ظروف ملتبسة فيها ملاذاً له، دون ان يكون هذا البعض متقصدا الاحتماء بها؟
الأمانة الأخلاقية والحيدَة السياسية الموضوعية ستقودان السائل دون انحيازٍ مسبق إلى ان النهج الذي ساد العملية السياسية منذ تقلد المالكي رئاسة الحكومة، هو الذي كان وسيظل وراء كل المخاطر والاستهدافات للعراق الديمقراطي وللتجربة الهشّة فيه.
ولو كانت حكومتنا بمستوى التحديات وما تتطلبها من توطيد للعمل الوطني المشترك، وتطبيقٍ للدستور وتعميقٍ لقيم المواطنة على حساب التشرذم الطائفي، وتكريس للشراكة الوطنية وللمبادئ الديمقراطية وكل ما تقتضيه من سياسات وتدابير ومنظومات عمل وقوانين، لاستحال على جميع دول الإقليم والأنظمة العربية المخالفة، ان تنال من حصانة شعبنا وصلابة موقفه وتمسكه بحياض الوطن، او ان تعبث بأمن العراق وحياة مواطنيه.
ومهما ردد زعيم دولة القانون وبأعلى صوته، ومعه الحواريون المصوتون، خلاف ذلك، فلا أحد من عقلاء شعبنا سيصدقهم ويأبه بكلامهم.
وإذا افترضنا أننا مهددون بالتآمر الخارجي وبتسللٍ غادرٍ لأنصار القاعدة ولاذناب الدوري ولأتباع المتآمرين، فهل هذا كله سبب مقبول لتوجيه الرصاص الى صدور المتظاهرين؟
بقرارٍ ممَّنْ تجرأ القائد العام للقوات المسلحة فأمر بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين؟
وتحت أيّ مادة دستورية قرر المالكي زجّ الجيش في الصراع السياسي وفي مواجهة التظاهرات؟
لقد حان الوقت ليتجرأ البرلمان، فيتخذ قراراً بتجريم من أوعز بإطلاق النار خارقاً بذلك الدستور دون مواربة، وان يجرّم من زجّ الجيش في غير مواقعه وسياقاته..
على البرلمان ان يصدر قراراً تحذيرياً يندّد بالمجرمين من الضباط الذين خرقوا الدستور الذي يمنعهم من الائتمار بأي قرارٍ مخالف للدستور من اي جهة صدرت، والتأكيد على ان مثل هذا الخرق سيكون موضع مساءلة وعقاب ولن يمر أو يُغض الطرف عنه.
لعل في هذا التحذير الاخلاقي من البرلمان قوة ردعٍ يحمي بها التجربة الديمقراطية الهشة، ويعيد الاعتبار للدستور المغمى عليه، لكثرة العبث والتلاعب بقيمه ومبادئه.
على البرلمان الشروع دون تردد في اتخاذ قرارات تطيح بالصلاحيات المغتصبة خلافا للدستور، فيحل التشكيلات العسكرية غير الدستورية ويعيد القطعات إلى مواقعها وحيث ينبغي أن تُرابط.
على البرلمان أن يغلّ رغم النتائج يد رئيس مجلس الوزراء الذي سقطت شرعيته أخلاقيا بما ارتكبه، وبالتصويت على تجريده من الحق في الترشح لدورة ثالثة.


المدى
العدد (2712)  30/1/2013


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات