| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 30/12/ 2012



افتتاحية المدى

من الاحتجاج المحدود إلى امتداداتٍ وطنية: اللافتات والشعارات الطائفية إجهاض للعمل الوطني الممتد

فخري كريم 

تتواصل التظاهرات الاحتجاجية في المناطق الغربية وتتسع دائرة مطالبها ، لكن مظاهر سَوقِها في الاتجاه الخطأ لا يكفلُ لها الاحتضان الشعبي على الصعيد الوطني العراقي ولا يزكيها ويشفع لها. خُطب وتصريحات القادة المتنفذين في الحشود تؤكد على طابعها غير الطائفي ومطالبها الوطنية ،التي هي بحد ذاتها ايجابية، لكن اللافتات والشعارات التي ترتفع فوق رؤوس المتظاهرين، ومنطلقاتها المأخوذة بشُبهة التنازع الطائفي، تثير هواجس العراقيين وقلقهم من اعادة إنتاج مسوغات المواجهات الطائفية، وما ارتبط بها من ممارسات القتل والتصفيات على الهوية، وتنذر بإفراغ الحركة الاحتجاجية من شحنتها السياسية الوطنية، واغتيالها " بكواتم " القوى الخفية التي تريد الإجهاز على التجربة الديمقراطية التي يُراد لها ان "تُجهض" بفعل النهج السياسي السائد المضاد للدستور والاتفاقيات والعهود، والمرفوض من جميع المكونات العراقية،

وهي سياسةٌ ونهجٌ وتدابير لا تستهدف طائفة بعينها دون الطوائف الاخرى، ولا تستثني من توجهاتها سوى من هم في صفها من الفاسدين والممسوسين بإغراءات السلطة وامتيازاتها ومغانمها .

إن تشخيص الأزمة التي صدّرتها اعتقالات طاولت حماية وزير المالية، باعتبارها نتاج سياقات الحكم اللادستوري المهيمن على البلاد ، يتطلب من الاطراف المعنية بالاحتجاج ان تعي خطورة حرفها عن وجهتها السياسية، وضرر افراغها من طابعها الوطني ومطالبها الديمقراطية الكفيلة بتمكينها من ممارسة الضغط والتعبئة وحشد القوى المتضررة مثلها، وخلق قوة دفع وآلية حراكٍ تستقطب جميع المكونات والأوساط الشعبية في جميع انحاء البلاد، للتوحد حول شعارات "لا للانفراد والمغامرة بالوحدة الوطنية"، "لا للتفريط بالعملية السياسية الديمقراطية"، "لا لاغتصاب السلطة والنزوع نحو الاستبداد"، " لا للفساد ونهب المال العام"، " نعم لحكومة شراكة وطنية لا طائفية"، "نعم لتكريس المال العام لتأمين الخدمات والأمن والاستقرار"، "نعم لأوسع الحريات والحقوق"، " لا لهدر الحقوق والحرمات وهتك الأعراض والاعتقالات الكيفية والتعذيب".

وليس مسموحاً، تحت أي باب أو حجة، تبرير رفع علم الطاغية صدام حسين او السماح للمتسللين من فضلات البعث ومن امتدادات القاعدة الى قلب التظاهرات الاحتجاجية وإضفاء طابعها ومطالبها المشبوهة عليها . كما ليس مقبولاً سوق اي ادعاءاتٍ للتملص من مسؤولية ما تندفع اليه الحركة بزعم عدم القدرة على لجم اندفاعات الجموع وتحديدها . وبعض شعارات المتسللين تعزز ما يتم الترويج له من التأثير الخارجي لتطويع الاحتجاج لخدمة اهداف واغراض لا تجسد المطامح الوطنية المشتركة، وليس من شأنها ان تعيد الاعتبار لقيم التوافق الوطني والمشاركة الصحيحة، وانهاء الصيغة المختلة للحكم في البلاد. وتزداد الشكوك والملابسات وتضيق مساحة التلاقي والتعاطف حين تبرز الى الواجهة لافتات " جبهة النصرة " السورية التي تشكل امتداداً للقاعدة، او ما يفضح وجود ومشاركة ما يسمى بـ" الجيش العراقي الحر " .

لقد عبرت مختلف الاطراف السياسية غير المتورطة في ما هو سائد من نهج حكومي، عن تعاطفها مع حركة الاحتجاج التي انطلقت في الفلوجة والانبار وحواضر عراقية اخرى، ارتباطاً بشعاراتها الاولى التي طالبت بالحريات وانهاء تسلط الفرد ووضع حد للتمييز والتجاوز واغتصاب السجينات والاعتقالات الكيفية، والانتهاكات اللاانسانية التي تجري في السجون والمعتقلات وغيرها من التجاوزات والخروقات التي طاولت الدستور ومبادئه.

ويتطلع المتعاطفون مع هذه المطالب الى تعميق الاهداف والشعارات التي ميزت انطلاقتها وتفعيلها "سياسياً"، وتحويل الاحتجاج المحدود الى حركة وطنية عابرة للطوائف والمحافظات، واجبار الكتل والأطراف البرلمانية على الانصياع لزخم هذا الحراك الشعبي الوطني، ووضعها امام مسؤولياتها الوطنية، بما تقتضيه من اجراء سياسي يضع حداً لما يُشبه او يقترب من انهيار العملية السياسية، او وضعها في مواجهة مخاطر وتحديات لا تصب في صالح اي مكون او جهة سياسية معنية بمواصلة وتصحيح مسار العملية الديمقراطية، بل ان التحديات التي باتت بعض ملامحها تتكون وتظهر في الافق السياسي تشكل خطراً مباشراً على المصالح الوطنية العراقية .

ان اول رد فعل ايجابي لحركة الاحتجاج الانبارية تمثل في اعادة احياء نشاط الائتلاف الوطني العراقي، وما صدر عنه من موقف ضد الانتهاكات والفيضان الفاضح للفساد والتفسخ الحكومي، وسيكون مهماً ان تحفز هذه العودة الى مرحلة صحوة ويقظة اخلاقية للذين بات الحل والربط بأيديهم ورهن ارادتهم المغيبة. وعسى ان لا يطول انتظار مثل هذه الصحوة لأن صبر الشعب يكاد أن ينفد .

ولعل في حالة الائتلاف الوطني وعودته الى الفعل الايجابي، ما يدفع المعنيين في ما يجري في المنطقة الغربية الى تصحيح مسارات الحركة الاحتجاجية وتشذيبها من أدران الطائفية والشبهات الأخرى .


المدى
العدد (2690)  30/12/2012


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات