| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 2/7/ 2012

     

آخر خرافات العراقيين!

قاسم حسين صالح

خلاصة الخرافة تقول: ان طفلا نطق ساعة ولادته محذّرا الناس من مرض خطير، الوقاية منه لا تكون بغير الحنّاء، ثم فارق الحياة.
وكي تتحول الخرافة الى شائعة تنتشر بين الناس، يفترض ان تتوافر فيها ثلاثة شروط: استثنائية الحدث، غموض المصدر، وتقبل الجمهور.

‎والحدث هنا كان معجزة، اذ لا نعرف في التاريخ طفلا كلّم الناس في المهد سوى النبي عيسى(ع). والمصدر غامض. فقسم يؤكد ان الطفل ولد في مدينة الصدر ومات بعدما نطق التحذير، وآخر يؤكد انه ولد في كربلاء ومات بعد ساعتين، وثالث يجزم انه ولد في محافظة النجف وعاش يومين... وأن والد الطفل اسرع مرعوبا الى رجل دين له علم بلغات الغيب وفسّر كلام الطفل بأن عاصفة ترابية ستهب على النجف ولن ينجو منها الأطفال الا من يحنّي أهله رأسه بالحنّاء.

‎ولأن العراقيين من اكثر الشعوب ايمانا بالخرافات، فان خرافة الطفل انتشرت في ما بينهم انتشار النار في زرع يابس... ولاحظ ان جمهورها الأول كان شعبيا دينيا (مدن الصدر وكربلاء والنجف) ثم انتقلت الى المحافظات الأخرى. واللافت انها انتشرت في قطاعات اخرى. فبحسب جريدة المدى (العدد 2389 في 21/5/12) «ان الأمر تطور ليصل الى دور العبادة، وعلم الفلك ويأخذ جوانب اقتصادية وثقافية واجتماعية»، وأنها «افرغت العراق من الحنّاء وجعلت ايران تتهيأ لإرسال شاحنات حنّاء الى العراق» بحسب الكاتب أحمد عبد الحسين. وأن سعر الكيس الواحد منه قفز من ألفي دينار الى خمسة آلاف دينار، وان أسواق الحلة نفدت من الحنّاء، وفقا لتقرير صحافي من بابل اعده ساجدة ناهي وحيدر الحيدري.

‎وبحسب تقارير صحافية واعلامية، فان العوائل الشعبية في بغداد وعدد من مدن الوسط والجنوب راحت تتسابق على شراء الحنّاء. بل ان عددا من المدارس استقبلت تلامذتها ورؤوسهم ملطخة بالحناء! والمفارقة ان الآباء الذين كانوا يسخرون من هذه الخرافة رضخوا لطلب زوجاتهم واشتروا لهن الحناء. وبعضهم أحنى رأسه لزوجته لتخضبه بـ«الحنه» رغم استسخافه الموضوع ويقينه بأن لا علاقة للحنّاء بقتل فيروس وباء!

‎ويعزو العراقيون الذين صدقوا هذه الخرافة الى انها علامة من علامات قرب قيام الساعة! آخرون يربطونها بالهزات الأرضية التي ضربت مناطق في محافظتي واسط وميسان، وما شهدته محافظتا بابل والنجف من عواصف ترابية تخضبت فيها السماء بألوان مخيفة في عزّ الظهيرة.

‎غير ان عراقيين آخرين عزوا الأمر الى أسباب اقتصادية، وقيل ان هناك عقلا تجاريا شيطانيا ذكيا «اخترع» هذه الخرافة لتصريف بضاعة كاسدة. ولهذه الحادثة سابقة، فقد شاعت في زمن ظهور انفلونزا الخنازير خرافة تقول ان «الماش» يشفي منها، ونفد الماش في حينه كما نفدت الآن الحنّاء الكاسدة منذ سنوات!

‎ومع ان هذا السبب وارد ويدل على وجود عقلين عراقيين: أحدهما ذكي بارع في الشيطنة، والآخر ساذج ومفرط في الطيبة، فإن أحد أهم اسباب شيوع الخرافة هو أن الناس يعيشون حالة التطير في أوقات الأزمات السياسية. والتطير هو طريقة او اسلوب في التفكير يتعلق بما سيقع للفرد من احداث. ومع ان البعد الزمني للتطير هو المستقبل فان تأثيره في السلوك يظهر في الحاضر. فاذا توقعت ان صديقك الحميم الغائب عنك منذ عشر سنوات سيأتي غدا، فان مزاج الفرح يظهر عليك اليوم. واذا توقعت أن صديقك الراقد في المستشفى سيموت غدا، فإن انفعال الحزن يظهر عليك اليوم. بهذا المعنى فان التطير حالة سيكولوجية خالصة مضمونها الرئيس هو القلق الناجم عن احتمالات متناقضة واحيانا حادة، بين خوف من شرّ مرتقب وبين انفراج آت... لهذا تتحكم بالمتطير سيكولوجيا التناقض الوجداني بين التشاؤم والتفاؤل، وهذه هي الحال التي يعيشها العراقيون منذ تسع سنوات، وسيظلون ينفسّون عن انفسهم بخرافة كلما عصرهم السياسيون بأزمات بعضها ينتجه عقل سياسي شيطاني كعقل تاجر الماش والحنّاء!

 

* (رئيس الجمعية النفسية العراقية)


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات