| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين  2 / 12 / 2013

 

افتتاحية المدى

الفساد السياسي يُطل من بوابة الحملة الانتخابية..
المالكي يوزع أراضي الدولة ويباشر صولة تبديد المال العام.!

فخري كريم 
 

يحاول البعض من "عتاوي" السلطة تكريس مفهومٍ ملتبس وناقصٍ للديمقراطية، وكأن جوهرها يتمثل بـ"صندوق الاقتراع" وما يتمخض عنه من نتائج وأرقام مجردة، وما تؤول اليه من كتل برلمانية تفوز فيها الكتلة البرلمانية الأكثـر عدداً، برئاسة مجلس الوزراء وتشكيل الحكومة. ويستطيب هذا المفهوم المسَطّح لاصحاب السلطة، بعد ان افرغوا العملية السياسية "الديمقراطية" نفسها، من اي تجلياتٍ ديمقراطية خلال السنوات العشر التي اعقبت اسقاط النظام الدكتاتوري، وامتهنوا قيمها لتنتهي الى تدرُّجاتٍ من الاستباحات الطائفية، ومحاصصاتها الذميمة.

وتجربة التشكيلة الوزارية المنقوصة التي أعقبت الانتخابات التشريعية الماضية، وتسلل المالكي الى ولاية ثانية كانت مزحومة بالازمات والمصائب، نموذج يتكلم بلسان فصيح، لمن لا يرى، لتشويه الديمقراطية ومسخها. ويكفيها عيباً يستحق المساءلة والادانة انها ظلت حتى اليوم، ولحين تشكيل الحكومة الجديدة، بعونه، بلا وزارات امنية ولا قيادات منتخبة للاجهزة الاستخبارية، وبرهطٍ من حواريي رئيس مجلس الوزراء يديرون الدولة الفاشلة والجيش وفرقه والهيئات المستقلة بالوكالة، خلافاً للدستور وآلية السياقات البرلمانية التي ينص عليها.

واستطاعت الطغمة المتنفذة في السلطة أن توهم العقل الجمعي المحيط بها والتي تدّعي تمثيله، ومنه تكتسب الشرعية الانتخابية، انها بفعلتها المتناقضة مع مفهوم الديمقراطية وآلياتها، انما تُعبر عن مصالح هذه الفئة وتطلعاتها، وتحمي سلطتها "المذهبية" التي تتعرض للتآمر، و"تتكالب" عليها قوى "مشبوهة" في الداخل، تدعمها دول عربية واقليمية، "طامعة" باعادة عجلة التاريخ وحرمان الاغلبية من انهاء "مظلوميتها" التاريخية.

وتحاول هذه الطغمة ورأسها المهووس بالسلطة وامتيازاتها، اظهار "نعيم" استعادة الحق التاريخي للشيعة، بتوظيف حافلات الدولة وامكانياتها واموالها لتمكينهم من التحشيد الملاييني للزيارات الحسينية في عاشوراء والمناسبات المقدسة الاخرى، والافساح لها، كلما ارتأت، في السير مشياً الى مقاصدها، وزرع الطرق بالطعام وبما يخفف من وعثاء السفر الراجل. وهي اذ تفعل هذا، تتربص للجموع المؤمنة في المواقع الحساسة، لأخذ الصور والافلام التي تظهر ازلامها وكأن الايمان والورع يتقاطر منهم مع العرق المتصبب من الجباه المعفّرة بالذنوب، ودموع الغفران الزائف التي لن تنطلي يوم الحساب على من بيده مفاتيح الجنة والنار!

وليس لهذا الحق التاريخي، كما بينت سنوات القحط والموت المجاني، في الولايتين العبثيتين للمختار وفريقه، انعكاس على اسباب المعاش والحياة الكريمة والخدمات وحفظ الكرامة، فليس لهذا كله مكان في مفهوم السلطة المتعدية ووعودها المتتالية التي لا تجد لها ترجمة الا في المناسبات التي ترى فيها امكانية للاستثمار السياسي، كما هو الحال، قُبيل الانتخابات المحلية، او الانتخابات التشريعية التي بدأت تلوح مقدماتها المبكرة.

وكما اعتاد في السابق، بلا وازع او خشية من مساءلة او احتجاج برلماني، يسعى رأس السلطة منذ الآن لاستخدام كل وسائل وادوات الدولة والحكومة خدمةً لاغراضه الانتخابية. وهي ممارسة لا تتعارض مع الاليات الديمقراطية فحسب، بل تعتبر فساداً سياسياً يستحق الملاحقة القانونية والاطاحة، ان كان ثمة رادع او قضاء عادل مستعد للدفاع عن الدستور والقوانين والتقاليد المتعارف عليها حتى في الديمقراطيات "المنغولية " وليس فقط المتعافية او العريقة!
فالديمقراطية، كمفهوم وآلياتٍ وادواتٍ وممارسة في التطبيق العملي، منظومة متكاملة مترابطة، لا تكتمل دون تنفيذها مجتمعة. والاخلال بسياقاتها، او تجاوز جانب منها، انما هو تجريحٌ بمصداقيتها، وتشكيكٌ بنزاهتها ونتائجها، ومطعنٌ بشرعيتها السياسية والاخلاقية ايضاً، ان لم يكن تجريداً منهما.

واذا تجاوزنا كل ما يحيط بالتجربة الراهنة من شكوك واتهامات، وتعاملنا مع ما تقتضيه "ديمقراطية" صندوق الاقتراع القادم في نيسان ٢٠١٤ من "مشدّات" و"روابط" صحيّة، تجنّبها مخاطر الانزلاق والسقوط في المتاهات التي نتوه في أقبيتها المظلمة حتى الان، فلابد من تدابير احترازية منذ البداية، وقبل ان تسخن الأجواء بالتنابز الانتخابي ويتشابك الخيط البيض بالاسود.

لنترك استباحة اموال الدولة وتوظيفها لشراء الذمم والاصوات، فهذا منالٌ دونه صكوك الغفران، ولنتنادى معاً في تدابير اكثر تواضعاً، ويمكن الاستعانة بالامم المتحدة والخبرات الدولية، لتأكيد مشروعيتها. وفي مقدمة هذه التدابير، منع اي تحرك لرئيس مجلس الوزراء وطاقمه في اطار توظيف وسائل الاعلام التابعة لشبكة الاعلام "المملوكة للدولة" وليس للحكومة، وايقاف بدعة "حديث الاربعاء" المبثوث عبرها، للسيد المالكي، رغم ان اطلالته نافعة لما توفره من مواد تفضح مسارات سياساته وتدابيره ونواياه، لكن استمرارها يدخل في باب استثمار وسائل تابعة للدولة في غير اغراضها.

والاصل في نظام يتشابه مع "خرابتنا"، مع ان هذا افتراضٌ عبثي اذ ليس في الكون نظام شبيه بنظامنا الكلي، ان تتحول الحكومة منذ تحديد موعد الانتخابات الى حكومة تصريف اعمال، وهذا ما يرفضه باصرار السيد المالكي، لان من شأنه منعه من استخدام كل الدولة وليس الحكومة فقط في حملته الانتخابية حتى اللحظة الاخيرة.

ويقتضي الحال كذلك، ان يُحظر عليه اتخاذ اي اجراء او قرار يدخل في باب المزايدات الانتخابية، كتوزيع منح او اموال او زيادات في الاجور او استحداث درجات وظيفية او تنقلات بين المسؤولين الكبار، او تخصيص اموالٍ لجهاتٍ عشائرية او مهنية او نقابية او طلابية او نسائية، تحت اي ذريعة او شعار.

وبطبيعة الحال فان توزيع أراضي الدولة في هذه المرحلة، يدخل دون مواربة في صلب الفساد السياسي والمالي. والغريب ان هذه الممارسة التي كانت هدفاً تبشيعياً لنا جميعاً في المعارضة، إلى جانب ممارسات أخرى ضد الدكتاتور السابق صدام حسين، باتت ممارسة يومية لابي احمد المالكي، بل وحتى لسكرتاريته. ويبدو ان الفريق الحاكم يرى في ممتلكات الدولة "وقفية" له، وتحت تصرفه، أنّى شاء التصرف بها وكيفما اشتهى، ولا احد من القيمين على السلطة يطرح تساؤلاً حول وجوب حماية هذه الممتلكات، والضوابط الرسمية المحددة تلزم من يهبها بالعودة الى مجلس الوزراء، صاحب الصلاحية الحصرية في كل القرارات الحكومية وفقاً للدستور، وليس لرئيس المجلس سوى تنفيذها لا غير..!

يحضرني هذه اللحظة مثلٌ يفترض ان يستفز كل ذي ضمير وحسٍ وطني، يتعلق باستقالة وزير التعاون الدولي الدانماركي "كريستيان فيش باك" من الحزب الراديكالي، لانه قدم معلومة غير دقيقة الى البرلمان!

ليس هذا "مربط الفرس"، فالوزراء والرؤساء في العالم المتحضر يقدمون على مثل هذه الخطوة لاسباب تثير السخرية دون ادنى شك لدى "أهل الماننطيها" دون ان تلفت نظرنا، نحن أسرى السلوك الشائن لحكامنا، بل ان هذا الوزير المحترم قدم استقالته وأصر عليها، رغم اعتراض الحكومة وحتى الأوساط البرلمانية التي حاولت ثنيه عن الاستقالة لان خطأه لا يستحق مثل هذا الخطوة..!

أتدرون السبب الذي حرك ضمير الوزير فاستقال..؟
السبب يعود إلى انه قدم معلومة غير دقيقة حول ضوابط صرف تذكرة طيران درجة أولى، توهم انها ضمن الضوابط!

والمفارقة الاكبر، ان المعلومة قدمها له موظفوه، ولم يكن له ذنب بعرض المعلومة غير الدقيقة، لكنه اعتبر نفسه المسؤول عن الخطأ، وعليه ان يتحمل وزر ذلك..! يا لها من كبيرة كبائر!!

اليس من حق السيد الشهرستاني ان يستفيد من هذه الواقعة، ويطالب ولي نعمته ورئيس كتلته بالاستقالة، لإمراره عقود طاقة ادعى انه جاهل بها، وقال مؤخرا ان الشهرستاني هو الذي ورطه بالتوقيع على عقد التوريد؟

هل يدري احد منكم الفرق بين بطاقة الدرجة الأولى والدرجة الاقتصادية، وقيمة العقد الضائع بين الشهرستاني والمالكي والمستفيد الخفي..!

ومن سيدفع الفرق لخزينة الدولة..؟


المدى
العدد (2951) 2/12/2013

 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات