| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد  29 / 9 / 2013



افتتاحية المدى

الممكن في تحقيق "حلول مؤقتة" لمواجهة الإرهاب والاحتقان الطائفي

فخري كريم  

(1)

يتعمد المستفيدون من نكباتنا ومصائبنا التي لا تنقطع، استغلال "خلط" في المفاهيم يجري خلال التعبير السياسي عن الحدود الفاصلة بين الطوائف، والتعبير عمّن يدعي تمثيلها، ومن بين تلك المفاهيم الملتبسة، المحاصصة التي لم يتحدد المستفيد منها، وما إذا كانت لصالح أبناء الطائفة، ام لصالح الأحزاب المحسوبة عليها. وكذلك الحال بالنسبة لمفهوم "التوافق" فهل يراد منه تحقيق مصالحة وطنية مجتمعية، أم مجرد "توفيق" بين مصالح وتقاطعات القيادات السياسية، بغض النظر عن "التطابق" بين التمثيل وإرادة الناخب وطائفته ومصالحها.

وفي الممارسة العملية للمحاصصة والتوافق منذ سقوط الدكتاتورية السابقة واطلاق العملية السياسية، أخضعت الأحزاب والكتل السياسية والبرلمانية، هذه المفاهيم، لمصالحها الحزبية الضيّقة، وأقصت المكونات التي تمثلها خارج المشهد.

فإذا تجاوزنا حرمان المواطنين من جميع الطوائف المُمَثلة في البرلمان والحكومة، من ابسط الخدمات وخيرات البلاد، فان الوظائف الحكومية، بدءاً من أول سلمها تسند لأعضاء الاحزاب والمريدين والحلقات الضيقة حولها. وكذلك الامر في ما يتعلق بالتوافق الوطني الذي يُفترض انه يرمي الى وضع الأسس المكينة لإزاحة كل ما من شأنه خلق التوترات الاجتماعية والإخلال بالتوازن في إطاره المنهجي.

وتسري هذه الاختلاطات على الدستور وتطبيقاته، والقضاء ومسؤولياته، والحدود الفاصلة بين السلطات الثلاث ومهامها، بعد ان أصبحت "المُمكِنات" في الحياة السياسية، تعبر عن توازن ترجّحه مصالح الطبقة السياسية، وليس مصالح ناخبيها والمكونات التي تحكم باسمها.

ولهذا تنعكس النتائج السلبية "للخلط" في المفاهيم، على مصالح المكونات والطوائف التي تُحرم من المكاسب التي تجود بها العملية السياسية ومحاصصاتها، لتصب في خدمة المصالح الضيقة للطبقة السياسية الحاكمة.

فالشيعي منتمٍ بلا حقوقٍ او دالة على السلطة، الا في الفترة الفاصلة بين بدء الحملات الانتخابية ولحظة الإدلاء بصوته "الذهبي". ولا اعتبار له في تسيير أمور الدولة، إلا في القبول بإنابة القائمين عليها في تمثيله، والقبول بتحمل المسؤولية الكاملة، رغم انه خارج دائرة القرار والفعل، عن كل القرارات والسياسات وما يتمخض عنها من تداعيات تطوّحُ بما تبقى من بنيان الدولة المهترئة.

و" السني" المعرَّض كمواطن، للتمييز والتهميش والمعاملة الفظَّة، يؤخذ بجريرة تصرفات "القادة" الذين يمنحهم صوته وهويته وإرادته المغتصبة، ربما دون وعي أو على كراهةٍ منه. وهو يُدرك ويرى، كيف يُخضِعها هؤلاء القادة في المناورات والتجاذبات السياسية، لتحسين مواقعهم في السلطة وتوظيفها لخدمة المصالح والأغراض الشخصية والحزبية الضيقة، وان جاء ذلك بالضد من الأماني والمصالح الخاصة بالطائفة السنية وجمهورها، وادى الى اضعاف الحصانة الوطنية للمجتمع.

ومثلما يبقى الشيعي الفقير المكشوف امام القتلة، موضوعاً للاستباحة وللقتل بالمفخخات والاحزمة الناسفة للاوباش من المجرمين وأفاقي التكفير والارتداد على الدين والمذهب، يصبح السني المستجير، ضحية "سندان" الاشتباه باحتضان الارهاب، وملاذاته، و"مطرقة" القاعدة التي تزوّر "هويته" و"تغصبه" على الرضوخ لولايتها اللا اسلامية، دون ان توفره من الجرائم الإرهابية التي ترتكبها كل يوم. ولا احد يريد ان يعترف بان الإرهابي لا دين له ولا مذهب، وان كان له ثمة دين او مذهب، فإنما هو تلفيق خارج فضاءات الرحابة الإسلامية الإنسانية التي ينطوي عليها الإسلام والسنة، وانحدار الى متاهات الفكر الظلامي التكفيري.

والإرهابي، هو سني، بمقدار ما هو عليه الشيعي الجاحد الذي فجر الأجساد الطاهرة في مدينة الصدر.

فالطائفية كنهج وسياسة هي صناعة الاحزاب والكتل الدينية، والقيادات المستفيدة منها وحينما يجري الحديث عن اللوثة الطائفية، فالمقصود بذلك قادة الطوائف، العابثون بإرادة ناخبيهم من الطائفتين. فلا المالكي، وهو يتصرف على هواه في ادارة شؤون البلاد شيعي التمثيل، ولا النجيفي، وهو يًُعِينُ نفسه فيما يراه من مداورة في شؤون السياسة ومناوراتها، سني يحمل هم الطائفة السنية.

واذ اكتب، او اعبر عن الهواجس وعمّا يتعرض له الناس من ارهابٍ او مظالم وتعديات، فلست اعني بذلك، بالمطلق، غير مغتصبي الارادة، الحاكمين باسم السنة والشيعة، لا الطوائف او المكونات او التجليات الاجتماعية. ولست في وارد تبرئة احد منهم، ما دام متورطاً بالصمت، مأخوذاً بشبهة المشاركة في كل ما يُحاسب عليه الحكم من تعدياتٍ ومفاسد وإغراق البلاد في الازمات التي لا طائل من ورائها، غير استزراع مزيد منها ومن بلاياها على الناس.

لا أجد الإخلاص في حماية الملّة، لدى من يُخفي رأسه مثل النعامة، ويرى في شرور من ينطق باسمه وطائفته، خيراً من عدو يختلقه في صورة "الملّة الضد". وقد قيل في باب حقوق الامم والشعوب: من يضطهد امة أخرى، يضطهدُ امته نفسها، ومن لا يحترم الامم الاخرى، يضع أمته تحت رحمة امة اظلم وأقوى منها. وكما جاء في القرآن الكريم فإن من يقتل نفساً بغير حق، كأنما يقتل الناس جميعاً.

واختلاق العدو، يقتضي بالضرورة، تبرير أدوات مواجهته، حتى وان كانت هذه الأدوات، بالنسبة للمسلم، خروجا صريحا عن أحكام الإسلام. فاحتضان الإرهابي، او غض النظر عنه، او توفير حاضنة له، او تمكينه في بيئة آمنة، مهما بلغ جور السلطة وأجهزتها على السني، بتعمد كان أم بلا قصدٍ واستهداف، هو اشتراك في قتل نفوسٍ حرّم الإسلام قتلها.

والشيعي المستهدف بالتفجير والاحزمة الناسفة ، الذي يأخذ السني بشبهة التواطؤ والاحتضان وتمكين الارهابي على القتل، انما هو متورطٌ بالتحريض على "القتل" على الهوية، مع سبق الاصرار والنية، وافتئات على البريء اذ يضعه في هيئة المذنب، والمتهم في هيئة المجرم.

(٢)

لم يعد المواطن، مهتماً بتوصيف حالتنا، واجترار مفردات وتعابير النقد لأولياء الأمر في دولتنا المتداعية، حتى بات تكرارها يبدو كما لو انه تسفيه بقصد اثارة الملل واليأس في نفوس العراقيين، وترويضهم على ما هم فيه، باعتباره قدراً لا فكاك منه. فهو يريد "حلاً" وخلاصاً، لا ضجيجاً بات بلا معنى، "ترَس" اذان القادة والحكام، وصار معزوفة مشروخة لا فائدة من ورائها.

فالسلطان وبطانته، في آذانهم وقرٌ، ولسان حالهم، إذا ما استمعوا الى ما يتردد من النقد لسياساتهم، يستذكر ما قاله الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، وهو يستمع الى هتافات المتظاهرين الشباب وتغريداتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تطالب برحيله: "خلي الأولاد يتسلوا"..! لكن المصيبة هي أن السلطان لا يسترجع مصير مبارك ورهطه من الأعوان والمستشارين.

المواطن يريد حلولاً لمآسيه، وهو محق، لا توصيفاً لها ولمسببيها وأسبابها. ويريد من يعينه على الخروج من الأزمات التي تهدد ما تبقى له من استقرار، وقد تطيح وتقوّض أركان الدولة، وتدفعه الى هاوية الاحتراب وربما الحرب الأهلية، وهو ما يعمق من قلقه، كلما تابع طوال اليوم التحذيرات التي تترى من كل صوب حول، الانهيار التدريجي للعراق.

يخطئ من يظن او يتوهم ان استمرار الوضع على الشقاق وتعميق الهوة بين الفرقاء، يصب في خانة اي طرفٍ، ويفتح له الباب على مصراعيها في الآتي من الانتخابات التشريعية، ويُحسّنُ لصالحه موازين القوى. وليس امام الجميع سوى التراجع "خطوتين الى الوراء" والتقدم خطوة جريئة في الاتجاه الذي يوقف التدهور، ان لم يكن ممكناً تصفية أسبابه، لعل في ذلك تحقيق ما يصبو إليه العراقي الملتاع.

وإذا كان أهل الجنوب والفرات، لا خيمة لهم يستجيرون منها بما اغتُصب منهم الى حين، لعل أوانه يأتي في الانتخابات القادمة، فان الاشقاء في الغربية مطالبون بأن، يتحولوا من الاعتصام ولغة الاستعصاء في المطالب "العادلة" الى التسويات الممكنة، المشروطة بضمانات أهل الجنوب والفرات من غير عشيرة السلطان وآل بيته.

ان الحل لكل ما يواجهنا، لن يتم آنياً، وليس الممكن في حل المهام المباشرة غير اعتماد التسويات المؤقتة، الى حين حلول موعد الانتخابات. والحلول الجذرية متعذرة ، مع بقاء الطبقة المتنفذة ونهج المحاصصة، وتقاسم السلطة والنفوذ بين امرائها، سنة وشيعة. ويتوهم من يعتقد أن الاحتقان الطائفي، والمواجهة بوسائله وأدواته، طريقٌ يفضي إلى الحل، بل على العكس تماماً، فهو السبيل الى تعميقٍ للشقاق بين الطوائف وإذكاء نيران الفتنة بينها، وهو ما يسعى له الحاكم الجائر ، الشيعي وشركاؤه من السنة.

واستمرار الاحتقان والعزلة الطائفية، والمواجهة بادواتهما وما تثيرها من مطالب وشعاراتٍ، لا توحد الهم العراقي العابر للطوائف، من شأنه تكريس الاستقطاب، خارج السياقات السياسية الوطنية، والأهداف المطلبية التي يلتف حولها الوطنيون العراقيون الذين يبحثون عن الحل. ومثل هذا الاستقطاب سيؤدي الى المزيد من التوتر والتدهور، ويزيد من فرص المسؤولين من أمراء الطوائف بالاستفادة من بيئة الاحتقان والتصعيد وما يحيط بالعراق من الظروف المأزومة، لتشديد قبضتهم، وإيجاد المبررات المختلقة لإدامة الأوضاع الراهنة وإعادة انتاج الأزمات ومفاقمتها.

إن ما هو ملحٌ وعاجل لكل عراقية وعراقي، ضمان درجة من الاستقرار والأمان، تتيح فسحة للتفكير والتدبير، لخلق أجواء والاتفاق على آلياتٍ بين أصحاب المصلحة من كل المكونات والطوائف، لإفشال المناورات المشبوهة التي تجري في الخفاء لتأجيل الانتخابات التشريعية القادمة في موعدها، إذا كنا حقا نلتقي عند هدفٍ مشترك، لحمته وسداه، إنهاء النظام الطائفي البغيض، ووضع العراق على طريق إعادة بناء الدولة المدنية الديمقراطية.

 


المدى
العدد (2904) 29/9/2013


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات