| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 29/9/ 2009

 

أمريكا والعراق والبند السابع

احمد صادق

صار معلوما ومفهوما ان امريكا تستعجل الخروج عسكريا من العراق حتى قبل عام 2011 كما هو مقرر في الاتفاقية الأمنية، بعد ان استعجلت بريطانيا وخرجت عسكريا. ولكن، يبدو ان أمريكا بعد ان تمكنت من العراق وحققت اهم هدفين من غزوها هذا البلد العظيم واحتلاله وهما ضمان أمن أسرائيل والاستيلاء على النفط العراقي، لا تستعجل، هي وشريكتها بريطانيا، خروج العراق من البند السابع وقيوده التي تمنعه من استعادة سيادته الحقيقية وتمنعه من استعادة حريته الكاملة في اتخاذ القرارات السياسية المصيرية للدفاع عن ارضه وشعبه. هذا الأمر يثير تساؤلات كثيرة اهمها: هل حقا ان الامريكان اسقطوا نظام البعث في العراق لتخليص الشعب العراقي من حكم صدام الدكتاتوري أم انهم اسقطوه للتخلص من عميل لهم أدى ما عليه تجاههم على مدى اكثر من ثلاثين عاما واستنفد الاهداف التي جاؤا به من اجلها.

كان الهدف الكبير للأمريكان في العراق هو احتلال العراق والاستيلاء على نفطه ولا شيء غير النفط بعد ان تنازلت بريطانيا، او هكذا بدا الأمر، عن نفوذها ووجودها في العراق بعد ثورة 14 تموز عام 1958. وبدأ التخطيط لاحتلال العراق على هذا الأساس منذ ذلك الوقت. وكان الهدف الثاني الكبير للأمريكان هو ذلك الهدف الذي استجد بعد قيام الثورة في ايران عام 1979 وبعد نشوب أزمة الرهائن الأمريكان في السفارة الأمريكية في طهران. كان الهدف المستجد هو تحجيم وكبح جماح الثورة الايرانية والتهديد الذي مثلته لدول المنطقة التي يدور اكثر حكامها في فلك العم سام/أمريكا واعلان قادة ايران الجدد عزمهم على تصدير الثورة إلى هذه الدول وفي مقدمتها محميات الخليج العربي البريطانية التي اصبحت بعد حرب الخليج الأولى محميات أمريكية- بريطانية مشتركة وهي الخدمة الأكبر التي قدمها نظام صدام للأمريكان والهدف الأكبر الذي سعى إليه الأمريكان من أجل يكونوا شركاء للبريطانيين في احتلال هذه المحميات والتحكم بمصيرها عسكريا وسياسيا واقتصاديا وإداريا.

تاريخيا، كان العراقيون وما زالوا لا يرتاحون ولا يميلون للأمريكان لأنهم كانوا قد ساعدوا البعثيين على الأطاحة بثورة 14 تموز 1958 واغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم في انقلاب شباط 1963، والاطاحة بالتالي باحلام وطموحات ومشاريع وآمال العراقيين واغتيالها بعد التخلص من الحكم الملكي. ويعرف الأمريكان تماما ( لا نقصد الشعب الأمريكي بل نقصد حكامه) منذ ذلك اليوم موقف العراقيين منهم ومشاعرهم تجاههم؛ لا يرتاحون لهم ولا يميلون إليهم. ولم يكن العراقيون يأخذون عداء صدام حسين للأمريكان منذ ان استلم الحكم في 1979 حتى احتلال الكويت عام 1990 مأخذ الجد وان الأمر لم يكن سوى حملات اعلامية على الأمريكان لذر الرماد في العيون وخداع العراقيين وانتهى الأمر باعادة العلاقات بين العراق وأمريكا وعودة التمثيل الدبلوماسي قبل حرب الكويت.

وللأسباب اعلاه، فإن الأمريكان لم يكونوا يوما يثقون بالعراقيين ولا يأمنون جانبهم بل هم لا يثقون ولا يأمنون حتى بمجاميع المعارضة العراقية الضعيفة التي جاءوا بها من الخارج لتحكم العراق بالنيابة عنهم بعد اسقاطهم لنظام صدام. فهؤلاء يبرز الآن منهم من بدأ يغلب عليه الشعور الوطني والمسؤولية تجاه العراق والعراقيين فراح يحاول التوفيق بين مصلحة العراق والعراقيين ومصالح أمريكا في العراق إن لم يكن قد بدأ فعلا بتقديم مصلحة العراق والعراقيين على مصالح الأمريكان في حدود الممكن والمستطاع.

إن العراقيين، كل العراقيين، لا يرتاحون ولا يميلون ان يحكمهم ويتحكم بهم الأجنبي من أين أتى، (ولهذا اسباب لا مجال للتطرق إليها الآن!) العراقيون يريدون ان يكونوا احرارا ومستقلين في ارادتهم وتقرير مصيرهم، متمسكين ومحافظين على مصالحهم وحقوقهم، يتنازعون فيما بينهم ويتصارعون ويختصمون .. نعم، ولكن، إذا ما اراد الأجنبي الغريب ان يدخل بينهم ليتسلط عليهم ويحكمهم مباشرة او بالاستعانة بعملائه فهم يتوحدون ويتحدون مهما كانت نزعاتهم القومية والدينية والمذهبية والعرقية ويتركون خصوماتهم ومنازعاتهم ...ليعملوا على التخلص من ذلك الأجنبي الغريب والدخيل بكافة الوسائل، السلمية وغير السلمية، كل حسب غاياته واهدافه، ثم يعودون الى ما كانوا عليه من خصومات ومنازعات!

لذلك كله، يبدو من الصعب ان تساعد أمريكا (وعرابها بريطانيا) العراق على الخروج من قيود البند السابع، لماذا؟ لانها لا تثق بالعراقيين ولا تأمن جانبهم! إضافة، ان أمريكا التي أخذت دروسا كثيرة من عرابها البريطاني قبل وبعد احتلال العراق عن العراق والعراقيين (ومن هذه الدروس تجربتها المرة والمريرة مع العراقيين في احتلال العراق عام 1917 وفي ثورة العشرين عام 1920،) متأكدة تماما ان العراقيين ليسوا مثل الكويتيين، (لا نقصد الشعب الكويتي بل نقصد حكامه) بل ان العراقيين، رغم المحن والمصائب التي عاشوها في ظل الحكومات الظالمة المتعاقبة على حكمهم، هم ناس احرار ومستقلين، لا يصبرون على ظلم وضيم وان صبروا فالعاقبة الخيرة لهم، وتاريخهم يشهد لهم بذلك. وامريكا مع العراق بعد احتلاله والتمكن منه مثل راكب حصان جامح؛ فهو يركبه مطمئنا وآمنا طالما كان يمسك بلجامه بقوة لكي لا يجمح مرة أخرى فيسقطه ارضا، كما جمح واسقط ارضا الحليف الأم بريطانيا في 14 تموز 1958، وينطلق إلى آفاق الحرية والأستقلال وتقرير مصيره بنفسه. أما أمريكا مع الكويت فالحال يختلف تماما، والحليم، وغير الحليم ايضا، تكفيه الأشارة!

لا غرابة، إذن، ان تقف امريكا، ومن خلفها عرابها بريطانيا، إلى جانب محمية الكويت دون ان تتحرك، وهي القادرة على ذلك، للعمل على مساعدة العراق للخروج من البند السابع وقيوده المذلة وتلزم الصمت، بحجة ان الأمر يخص الأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي عليه ان يقرر خروج العراق من البند السابع في الوقت المناسب، مع ان الأمريكان غزو العراق واحتلوه دون ان يحصلوا على تفويض من مجلس الأمن او الأمم المتحدة! ومتى يأتي الوقت المناسب؟ عندما توافق الكويت على خروج العراق من البند السابع بحجة ان عليه الايفاء بالتزاماته الدولية تجاهها أولا، وليس الأمر كذلك في حقيقته. ليس هذا ما يريده حكام الكويت في الحقيقة، هؤلاء الحكام يريدون ان يبقى العراق مقيدا مكبلا بالبند السابع إلى ما لا نهاية، لماذا؟ لأنهم يخافون، مثل اسيادهم، القدامى والجدد، من العراقيين، كل العراقيين، فهم لا يثقون بهم ولا يأمنون جانبهم!

ماذا لو ان العراقيين خطرت لهم مع مرور الوقت فكرة طريفة: إذا فاض الكأس ولم يعد في القوس منزع مع حكام الكويت واستمر هؤلاء بالاستقواء بالأمريكان والبريطانيين على العراقيين فإن مليونا او مليونين او ثلاثة قد يكونوا مستعدين للتطوع والزحف إلى الحدود العراقية - الكويتية من دون استشارة الحكومة او اخذ موافقتها ومن ثم دخول الكويت خلال ساعتين او ثلاث دون الحاجة إلى اية قطعة سلاح لا أمريكي ولا بريطاني بل يكفي ان يكون بيد كل عراقي مكوار او توثيه او كومه احجار ليستعيدوا حقهم المغتصب منذ اكثر من مائة عام ويقبضوا على حكام الكويت المتطاولين على العراق وأهله ويبدأوا بمحاكمتهم على اغتصاب حق الآخرين.

على الأمريكان والبريطانيين قبل حكام الكويت، لأن هؤلاء بلا عقول تفكر، ان يقلبوا الفكرة في عقولهم ويفكروا إن كان يمكن للعراقيين ان يقوموا بهذا الفعل لأن العراقيين ناس لا يمكن التنبأ بما يمكن ان يقوموا به تماما كما لا يمكن الوثوق بهم ولا يأمن جانبهم!
 

free web counter

 

أرشيف المقالات