| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 29/1/ 2011

     

شارع السعدون

جلال حسن 
jalalhasaan@yahoo.com

ما يثير الحزن في شارع السعدون عصراً ، فراغه من المارة ، وبروز علامات شيخوخته المتشعبة من عروق حي البتاوين . شارع تحول إلى نصفين، محلات لبيع المستلزمات الطبية وبنايات فارغة لا يؤجرها أحد . صرفت عليها مليارات الدولارات لكنها لم تجذب عاشقاً ولا مستثمراً ، ولا حتى مريضاً يطلب العلاج في عمارات الأطباء الفارغة.

قبل أيام عثرت على صورة يعود تاريخها إلى بدايات سبعينيات القرن المنصرم ، صورة بالأسود والأبيض ، تلمع بالذكريات العذبة في قلب الشارع ، وترن بالسرور والفرح .

الصورة تظهر تمثال السعدون بارزاً وخلفه لسان طويل من أروع الأشجار المتدلية على الجانبين ، جزرة وسطية عريضة متناسقة الطول ، وتزينها ألوان من الأشجار العالية تتخللها شتلات من الورود العبقة ، كنا زمنئذ ، نسرع الخطى لركوب حافلة نقل الركاب الحمراء " أم الطابقين " لكي نستقل الطابق الثاني بلهفة طفولية عارمة بمزيد من الفرح وشوق عال ، لفتح نافذة الحافلة إلى النهاية ، لنمسك أنامل الأشجار التي تخط في صوتها على سقف العربة أجمل لحن يدغدغ كركرات الطفولة . حينما كانت أيادينا ناعمة ، والشارع يحنو بالهدوء والسكينة .

في التسعينيات ضاق الشارع أكثر ، وهجره العشاق وأهله ،وهجرته موائد ومواعيد الأصدقاء العامرة بالطيبة ، بل تكدس فيه الملل ، ،وصار مثل مدرعة عسكرية هرمة تثير العزاء والشفقة .

الشارع الآن ليس أفضل حالاً ، وجزرته الوسطية بلا زهور بل ضاقت أكثر وصارت بنصف متر من حجر الأرصفة الكونكريتة اليابسة معبأة بالطابوق المقرنص ، وليس فيه أماكن لعبور السابلة ولا إشارات مرورية ترشد الناس للسير بأمان ، ولا تتحرك على جنباته سعفة أو شجرة غير محلات مغلقة ،وأخرى للطبابة . ولا نرى غير سيارات الشرطة والهمرات العسكرية ، وعضلات رجال الشركات الأمنية بنظارات سود وأصابع متهيئة على زناد الأسلحة الأوتوماتيكية ، حتى أصحبنا أكثر صبراً على تحمل الازدحام ومرورهم قبلنا على مضض .

ربما اختلفت بغداد واختلف العالم أيضاً ، ولم يعد مهما أن تكون العاصمة بلا ملامح واضحة مثل أي عاصمة في الدنيا مزدانة بالحياة .

كل شوارع البلاد تشبه إلى حد كبير شارع السعدون ، صورتها بلا استثناء كئيبة بلا ألوان وبلا أثواب وذابلة الأرصفة ،شوارع كانت ترسم على أقدامنا نقاشات ولقاءات ومشاوير وحكايات ، أصبحت الآن حزينة السير بالوحشة . منذ مدة كنت أرمق السيارات المارة بشوارع العاصمة ،واسمع أحاديث كثيرة عن الحفر والعوائق والسيطرات وجنبات الكتل الكونكريتة وضيق النفس ، وأنا كلما أتذكر شارع النهر أتبلل بالدموع .





 

free web counter

 

أرشيف المقالات