| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 29/1/ 2011

     

أبو يوسف

جلال حسن
jalalhasaan@yahoo.com

إذا كانت مفارقات الحياة كثيرة ، فان الاستثناء هو فراق الأحبة وابتعادهم قسراً على أمل بعيد ، هكذا عصرتني العبرات بغياب صديقي ( أبويوسف ) ، ليس لأنه مسيحي ولد بالفطرة كما جاء الجميع إلى هذه الدنيا حسب دين آبائهم, أنما كان الرجل مثالاً للأخلاق والطيبة والتسامح والعذوبة العراقية .

وهكذا كلما أمر على حانوته في حي " البتاوين" أبكيه وابكي على أحاديثنا المشتركة ، كنت أنظر كيف يزن الحلويات بميزان عادل ، وكنت أرى تعامله مع الزبائن بأعذب لغة متسامحة ، كان يبيع السكائر وينصحني أن لا أدخن ، كان يقول أننا دخلنا زمنا جديدا علينا استثماره وبلوغ العواصم المتقدمة ،يقول هذه البلاد، وأدري انه يحب العراق وأهله، بحاجة الى مؤسسات تعيد ترتيب المدن على نسب استحقاقها ، كنا نتحدث عن أشعيا وعن السيد المسيح وأمه العذراء وكأنهم عراقيين يعيشون بيننا في منزل في البتاوين ، كان يقول ان السيد المسيح لا يختلف عن النبي محمد، انهم أنبياء الله على الارض ويضيف اليهم الانبياء موسى ويحيى المعمدان وكل الصالحين .

أمس رأيت حانوته مغلقاً ، دمعة صارخة طفرت من عيوني ، قلت عله يرجع ، لكن صديقي "فادي " قال : انه في بلد أخر وانه مستوحش فيه ، ويبكي على العراق ، وطفلته الصغيرة تبكي على صديقاتها في المدرسة وابنه الكبير يبكي اصدقاء الحي ، وزوجته خائفة من مجهول أيامها في الغربة . "فادي" قال لي : ان ابو يوسف في ستينيات العمر وتربى في هذه البلاد منذ نعومة أظفاره ولا بد أن يرجع ، حينها شعرت بالراحة وسألته : متى يا فادي ؟ قال : انتظر.

أدري أن الانتظار قاس وان دواليب الأيام أقسى لكن "فادي" زرع بداخلي أمل اللقاء ، وعلى هذا رسمت صورة (ابو يوسف ) عائداً مع عائلته وأنا أول المستقبلين له في حدود البلاد . قلت : هي أمنية إطارها العشرة الطويلة والزاد والملح ، وتلك المشتركات التي جمعتنا وصهرتنا في بوتقة واحدة اسمها العراق الكبير ، أليست بلادنا حاضنة للحب والتسامح ،وهؤلاء الناس هم السكان الأصليون وأنهم الموحدون الأوائل ، إذن لا شيء يعكر صفو توحدنا وتآخينا ، لاننا متفقون أصلا على التعايش والإيثار بالمحبة ،. صديقي" فادي " في آخر لقاء معه قال: إن هذه البلاد تتسع لأحزاننا وأفراحنا ودموعنا، لكنه لم يكمل كلامه حتى أجهش بالبكاء .!





 

free web counter

 

أرشيف المقالات