| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 29/12/ 2010

     

نباهة الدين واستحماره!

خضير الاندلسي

النباهة هي نقيض الخمول ,فيقال فلان نبه وفلان خامل, الا ان المفكر الايراني علي شريعتي(1933-1977) حين وضع كتابه (النباهة والاستحمار) اراد بالنباهة توضيح الشرف اضافة لمعناها المتداول ونقصد الاستيقاظ (معجم لسان العرب).

اما لفظة الاستحمار فيعرفها شريعتي على انها تزييف اذهان الناس وشعورهم وتغيير نباهتهم الانسانية والاجتماعية وكل دافع الغاية منه حَرف الفرد عن هاتين النباهتين هو استحمار. والذي يعني وقوع الفرد في العبودية ليذهب بذلك ضحية للعدو.

يحلل شريعتي الدين في كتابه بطريقة لا تخلو من عبقرية الفكر ومنطقية الاستنتاج الذي وصل اليه, فقد وضع الدين بحذافيره الشائكة ومسائله المعقدة على طاولة التشريح ليغوص في عملية تحليله والتي تسفر في الفصل الاخير بالوصول الى نتائج ناجحة عجز كثيرون , ولا زالوا ,على تبريرها او محاججتها , فهو يدعو الى تحرير الانسان من الهواجس المقيدة لحريته ,فيقول في هذا الشأن, عندما يشب حريق في بيت ما , ويدعوك احد الى الصلاة والتضرع الى الله , ينبغي عليك ان تعلم انها دعوة خائن , لان الانشغال بعمل غير اطفاء الحريق هو استحمار وان كان مقدسا!

وفي موضع اخر يبرهن ان مشاركة الافراد في الحياة الاجتماعية ونباهتهم ازاء حقوقهم تمنع اضطهاد السلطات لهم ,اي كلما ازدادت فعالية الافراد ومتابعة الاوضاع العامة من قبلهم فأنه يصعب على الحاكم استغفالهم, ويعلل اعتلاء اصوات المعارضة الاجتماعية في عهد عمر بن الخطاب الى التزامهم الحريص وجرأتهم وجسارتهم الشديدتين, فعندما شوهد ذلك الامبراطور الذي فتح لهم ايران ومصر بثياب اطول من ثيابهم , أجبروه على الحضور الى المسجد لتوضيح ألتباسات الرداء, فبعد استجوابه رد عليهم انه طويل القامة ولم يكفه سهمه من القماش لتغطيه ساقيه ,فأعطاه ابنه عبد الله سهمه فأضافه الى ثوبه , ولم يكتفِ الخليفة الثاني بهذا القدر بل راح يردد بين الجموع الحاضرة ,بأمكانكم ان تفتشوا وتبعثوا وكلاء وتتحققوا كيفما شئتم.

ويكشف المفكر شريعتي في الفصل الرابع عن تعبير (الدين الاستحماري) وهي نقطة جوهرية ابدع في تحليلها, فيصف الفئات الروحانية والمعنوية والصوفية والرهبانية بأنها استحمارية , اي اتخذت الدين لاستحمار العامة ويصفه في موضع اخر انه الدين المضلل به لغايات تخدم الاعداء وتضعف اواصر المجتمع , فيناقش دعوات رجالات الدين في خطبهم ومواعظهم الموجهه للعامة في ترك الحياة وتحقيرها من جانب وادخار المشاعر والاحاسيس الى الاخرة من جانب ثان, واصفا اياها دعوات كاذبة المراد منها سلب الامكانيات والاعتكاف عن المطالبة بالحقوق المشروعة ان كانت لك او لاقرانك لنصبح بذلك ادوات متصدئة لا تردع الظلم ولا تقهر الفقر.

ثم ان رجالات الدين يثقفوا ,على الأغلب بالطرق الاسهل الا وهي التضرع الى الله والاستغفار, لينعموا بالثروات سوية مع الحاكم بتنويم المتعبدين, وهذا شكل اخر من التقاعس والاتكالية فعندما يرى الانسان انه متخاذل بل وخائن لمجتمعه الواقع تحت تأثير الدين السلطوي ولايحرك ساكنا في ظل دواعي سلوكيات سكينة أواللجوء الى القبلة لنيل الرحمة فأنه يساهم في تدمير مجتمعه بالكامل , يُروى عن محمد بن عبد الله انه كلما قد دخل الى المسجد رأى مصليا مواظبا على الصلاة دوما وفي جميع الاوقات وحين سأل عنه , قيل انه يتعبد ليل نهار , فدعاه الى المشاركة الفعالة في الحياة العامة وأكد له ان الله لايتقبل التعبد التقليدي (صلاة وصوم) بمفرده بل يجب ان يُرفق بالممارسات العملية التي تجلب الخير للجميع.

ان بأغتيال المفكر الاسلامي علي شريعتي (لندن 1977) انسدل الستار عن أحد أعلام الفكر التنويري الذي حاول جاهدا تحشيد الجماهير للمطالبة بحقوقهم ورفع الظلم والحيف عنهم.

هذا ويتفق الباحث العراقي حسن العلوي الى حد ما مع الرأي القائل بان المخابرات الايرانية في عهد الشاه اغتالت شريعتي لافكاره - ننقل النص هنا بتصرف - وأكتشف ان هذا المفكر الذي وجد ميتا في شقته بلندن(1977) عن عمر ثلاثة واربعين عاما , والذي كان متأثرا بكتابات عالم الاجتماع العراقي علي الوردي ,هو رجل ايراني فارسي قح كأنه من الدعاة القوميين العرب في منهجه الثوري الجديد والذي دفع حياته ثمنا لها.(
حسن العلوي, عمر والتشيع , ص 265)

 

free web counter

 

أرشيف المقالات