| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الخميس 29/12/ 2011

 

تداعيات أحداث بهدينان
(صراع حزبي أم ديني) ؟

ئارام باله ته ي *
aram_balatay@yahoo.com

(لا حرية بغير قوانين ، ولا حرية عندما يكون أي شخص فوق القانون) جان جاك روسو  

قبيل أندلاع أحداث (بهدينان) التي أدت الى كسر وحرق بعض محلات المشروبات الكحولية ، واحراق مقرات الأتحاد الأسلامي الكوردستاني (اليككرتو) . كنت بصدد كتابة مقالة عن مستقبل الأسلام السياسي في كوردستان ، على ضوء الربيع العربي وموجة صعود الأسلاميين في المنطقة . أردت لتلك المقالة أن تكون مطولة نوعا ما ومتضمنة لأراء الأسلاميين والعلمانيين على حد سواء . فقمت بأرسال مجموعة من الأسئلة الى بعض القياديين الذين أعرفهم في الحزب الديمقراطي الكوردستاني ، وقياديين اخرين في (اليككرتو) أعرفهم . وكنت أحبذ معرفة وجهة نظر (الجماعة الأسلامية) و (حركة التغيير) أيضا حول الموضوع ، الا أني للأسف لست على معرفة شخصية بأي من قيادييهم . مهما يكن لم يرد على أسئلتي الا شخصان ، واحد من كل طرف ، لكن قيادي بارز في (اليككرتو) واخر رفيع في (البارتي) وعداني بمناقشة الموضوع بعمق وجدية وليس عبر الرسائل . لكن كان يتوجب علي الأنتظار لحين عودتهما الى كوردستان ، أحدهما كان في أوروبا والاخر كان في بغداد . ثم حصل ما حصل وأجهضت الفكرة ، بل تناثرت بين زجاجات (الويسكي) ولهيب الحرائق . وأثبتت الأحداث فيما بعد أهمية الأسئلة التي وجهتها لكل طرف ، لكنها بقيت ولازالت مجرد أسئلة ، وان كانت الأحداث قد أماطت اللثام عن بعض الأشياء .

مضمون تلك الأسئلة الموجهة للأسلاميين كان يدور حول مدى تقبلهم للأخر من خلال مدى تأثرهم بتجربة معينة ، والمعوقات التي يواجهونها ، وحول رؤيتهم لمستقبل الأسلام السياسي في كوردستان . أما فحوى الأستفسارات التي طلبت توضيحا بشأنها من (العلمانيين) كانت تتركز على مدى هضمهم لصعود الأسلاميين ، وان كانوا يرون فيهم خطرا على التجربة الكوردستانية ؟ . ان الغرض من هذه الأسئلة ، هو معرفة طبيعة نظرة كل طرف للأخر . هل حقا يقبل الأسلاميون بغيرهم كشركاء في الوطن عندما يصلون للسلطة دون فرض رؤيتهم على الأخرين جبرا ، خاصة في مجالات الحقوق والحريات ، كما فعلت (حركة النهضة) في تونس التي أبقت الناس كما كانوا في مجال الحريات ؟ . لذلك كان من ضمن الأسئلة التي وجهتها ، هل أنتم متأثرون بـ (النهضة – الغنوشي) ؟ . ومن جانب اخر هل يعتبر (العلمانيون) نظرائهم الأسلاميين شركاء حقيقيين في كوردستان دون تخوين ولا تخويف ولا توجس منهم ؟ .

ان هذه الأسئلة جوهرية ويتوقف على انبعاثاتها مستقبل كوردستان السياسي، بل والأجتماعي ، لأنه لو صح تورط الأسلاميين في أشعال فتيل الأحداث ، فأن هذا ناقوس خطر ينذر بكوارث لا يمكن الأستهانة بتجلياتها . أذ أن القناعات الدينية عندما تمثل تهديدا على الحريات العامة ، فأننا أمام بوادر حرب (مقدسة) عاجلا أم اجلا ، حيث أن من يرى في شغبه وأعتداءه على محلات الأخرين واجبا دينيا ، يصعب عليه القبول بوجهة نظر الأخر . عليه فأن الديمقراطية والحريات العامة ليست عند هذا الشخص ، الا أمرا واقعا لابد من زواله متى ما كان بالأمكان .

يفترض بالعقل الجمعي الكوردستاني أن لا يستسيغ فرض رؤية دوغمائية واحدة ، وأن لا يقبل بتكبيل الحرية ، وحجرها على الأخرين . بعدما قدمت هذه الأمة مئات الالاف من الضحايا لنيل حريتها . بل أن الناس بطبيعتهم (يحبون الحرية ، ويكرهون القهر والعنف ..) على حد قول (مونتسكيو) . فهل يجوز فرض رؤية دوغمائية ظلامية على الناس بأسم الدين وخدمة لله رب العالمين ، فأين ( لا اكراه في الدين ) ؟ .

في حين أنه لو صح تورط (العلمانيين) أو أنصارهم في الأعتداء على مقرات (اليككرتو) ، فأن هذا التصرف كسابقه يدل هو الأخر على عدم الأعتراف بالقانون ، والأستعداد لمحو الأخر بعيدا عن التقيد بأي شيء  ودون مسوغ ، اللهم قانون الغابة!! . أننا هنا امام صراع على الهوية ، في غياب القانون والمؤسسات . ثم أن تجارب التاريخ الحديث أثبتت فشل نظرية الضغط وممارسة العنف لتحجيم الأسلاميين ، بل أن نتائجها كارثية ، اذا اخذنا تجربة (القطبيين) في مصر وتجربة الأسلاميين في الجزائر ، بنظر الأعتبار . بعد ذلك فها هم الأسلاميون يستغلون مظلوميتهم التاريخية ويجنون ثمارها في تونس ومصر وليبيا والمغرب ، والحبل على الجرار . هناك أناس لايقرأون التاريخ ، وعندما يقرأون ، لا يفهمون فلسفته .

أني أدعو بهذه المناسبة الى تبني (ميثاق شرف كوردستاني) وأصدار تشريعات وقوانين صارمة ، نجعل بموجبها (الحريات العامة) في كوردستان خطا أحمرا لا يجوز لكائن من كان أن يتجاوزه . ان الخليط الديني والثقافي الموجود في كوردستان ، لا يمكن أن يصهر في بوتقة دينية أو ايديولوجية واحدة . ولابد أن يكون لكل طرف وبالتساوي مع الأخرين حق التمتع بممارسة حريته الشخصية ، وممارسة طقوسه الدينية . هذا في الوقت الذي لا يجوز لأية جهة أن تحور صراعاتها الحزبية ، لتضفي عليها طابعاً دينياً . لما يحدثه ذلك من شرخ مجتمعي يؤسس لحياة يسودها التشنج وسوء التفاهم وانعدام الثقة . وما ينتجه ذلك من الأستقواء بأطراف خارجية يكون لها اليد الطولى في كوردستان ، على حساب مستقبل الوطن وشعبه . ان من يغامر بمستقبل كوردستان وشعبه لمصالح حزبوية ضيقة ، على أقل تقدير يمكننا القول أن التاريخ لن يرحمه .

 

* ماجستير في القانون


 

 

 

 

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات