| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 28/2/ 2009



الحزب الشيوعي والناس ونتائج الانتخابات

محمد النهر

أُعلنت نتائج الانتخابات ، وبرغم التصريحات المتفائلة والايجابية عن المحصلة النهائية لها إلا أن هناك مرارة و إحساس بالإحباط عند رفاق الحزب الشيوعي و قوى اليسار من النتائج التي حصل عليها الحزب الشيوعي والقوائم المتحالفة معه ، وقد تناول الكثير من الكتاب ومن زوايا مختلفة الأسباب التي تكمن وراء هذه النتيجة سواء الظروف الموضوعية التي تحيط بالحزب و رفاقه ونتائج القمع الفاشي التي تعرض لها طيلة عقود طويلة و تشوّه البنية الاجتماعية والطبقية والاقتصادية بسبب الحصار وحروب النظام الدكتاتوري وطبيعة سقوطه والسياسات المعتمدة بعد ذلك و الإرهاب و طغيان الإسلام السياسي و الشعارات الدينية و الطائفية و المحاصصة و عدم التساوي بالفرص ، بالاضافة إلى نواقص قانون الانتخابات وأهمها عدم وجود قانون للأحزاب وترحيل أصوات القوائم والكيانات غير الفائزة إلى القوائم الفائزة وذهاب 65% من الأصوات إلى 35% و بالتأكيد لا يوجد قانون انتخابي يفرغ الديمقراطية من محتواها كما في العراق . و لكن بالمقابل فان للحزب نشاطه وتنظيماته ومقراته التي تغطي معظم المدن العراقية وكوادره المجربة و خبرته وكذلك مساهمته بالوزارة و بعض المسؤوليات الحكومية وأدائه المتميز في البرلمان وكذلك صحيفته وموقعه الالكتروني ، ولديه رافد قوي من تنظيمات الخارج . فمن أين أتى هذا الإخفاق ؟

لقد طرحت مقالات الكتاب خاصة عادل حبة وكاظم حبيب وداود أمين وجاسم المطير وفرات المحسن وغيرهم أسباباً عديدة لنواقص العمل الحزبي وطرق معالجتها ، وقد لامست عن قرب أو عن بعد مواقع الخلل في هذا العمل وكل أدلى بدلوه ، وستظهر كتابات أخرى ، وما يهمنا منها أن يكون مصدرها الحرص على تلمس الطريق والاستعداد للمعارك الانتخابية القادمة ومنها هذا الجهد المتواضع .

في كل عمل هناك خطة العمل و القوى المنفذة و أساليب العمل التي تكفل للقوى المنفذة كيفية تنفيذ هذه الخطة . لقد كان أداءنا الدعائي ضعيفا سواء بالملصقات و الدعاية المسموعة و المرئية و الاجتماعات العامة ، ولكن كان هناك السيارات الجوالة مع شعاراتها ونداءاتها وهي تحرك جيد يمكن دراسته وتوسيعه . ولكن اغلب هذا النشاط كان ضمن قوانا الخاصة الحزبية والصديقة و العائلية مع الأخذ بنظر الاعتبار تشتت الأصوات الصديقة و العائلية نتيجة الترشيحات الفردية الواسعة و المدروسة لتشتيت الأصوات ، وبالنتيجة تحوّلها إلى القوائم الفائزة حسب قانون الانتخابات . أي أن قوانا وخطتنا لم تصل إلى الناس ( الجماهير ) التي أما إنها قاطعت الانتخابات وضاعت بذلك الكثير من أصواتنا أو إنها صوّتت للقوى الأخرى .

والسبب إن الظروف الموضوعية السابقة والحالية جعلت هذه الجماهير كتلة هلامية واحدة لا يميز بين أفرادها الموقع الطبقي والثقافي و الاجتماعي ، لقد سحقت الطبقة الوسطى والرأسمالية الوطنية و حطمت وتحطم يوميا البرجوازية الصغيرة ، وتجد الصناعة الوطنية والمصانع التابعة للدولة أبوابها موصدة لترمي الطبقة العاملة إلى الشارع وتجد رزقها في البسطات المنتشرة في طول البلاد وعرضها . كما دمرت الزراعة ولحق الخراب بالفلاحين ليجدوا رزقهم بأساليب أخرى في وقت تأخذ العشيرة وشيوخها أدوارا اكبر فاكبر . لنأخذ مثلا المعلمين والمدرسين والأساتذة ، هذه الفئة المتنورة الواسعة التي تغطي جميع إنحاء العراق و التي أغنت الثقافة و العلم بالكتاب والمفكرين و أرست دعائم الأخلاق والسعي إلى العلم وخرجت أجيالا و أجيالا , كانت لهذه الفئة نقابتها ونواديها ولقاءاتها ومطالبها ونضالها المهني والوطني ، والحال يشمل باقي الفئات أو الطبقات والشرائح الاجتماعية ، أما الآن فلا يمكن تميز هذه الفئات باسمها كفئة بل تطلق هذه التسمية على الأشخاص كإفراد ، فلان معلم ، وآخر أستاذ ، والأخر مهندس أو طبيب ، وآخر عامل وكاسب ، أما إذا اخذ المجموع فانه تلك الكتلة الهلامية من الناس التي ليس لها شكل أو لون .

الآن اللقاءات للغالبية العظمى من الناس هي في مجالس الفاتحة التي تقام على المتوفين ، في كل يوم مجلس أو أكثر وبالنسبة للنساء بالإضافة إلى هذه المجالس تأتي مجالس العزاء الحسيني وهي يومية أيضا ، هذا بالإضافة إلى الطقوس الدينية الأخرى المتكررة يوميا أو أسبوعيا في المدن والريف أو المناسبات العامة التي تشمل جميع المحافظات ( اقصد في الوسط والجنوب. لقد أتيحت لي فرصة أن أعيش هذه الممارسات اليومية وزرت النجف الأشرف ومقبرة النجف مع جمهرة من النساء والرجال والأطفال ، ومن باب المعظم قطعت ثلاث مرات مشيا على الأقدام سوق الهرج وشارع الرشيد والمتنبي وسوق الصفافير والسراي وشارع النهر والشورجة والسوق العربي وسوق الغزل والباب الشرقي وشارع السعدون ومنطقة الصدرية ، والانطباع الذي يخرج به المرء بان هؤلاء الناس قد خرجوا من زلزال مدمر أو تسونومي جرف معه كل ما بُنِيَ سابقا ، الكل خلف البسطات من الجانبين و كأنه سوق شعبي ليس له نهاية مع تقطيع هذه المناطق والشوارع بالكتل الكونكريتية الخرساء ولا شيء يدل على ما اسمه الحضارة والتقدم والجمال . وحال باقي مناطق بغداد التي زرت العديد منها لا يختلف عن ذلك بالإضافة إلى معركة تحطيم الأعصاب في التنقل.

لقد شاهدت معلمات ومعلمين ومدرسين وموظفين في مختلف الدوائر من الجنسين وهم يتسابقون على شراء كراسات الأدعية والتعاويذ والطب المغشوش ، أي مشعوذ بائع جوال يستطيع أن يبيع لهؤلاء الناس ، كما شاهدت عالمة الآثار في بابل و حرصها على أن تساهم ابنتاها اللتان لم تتجاوزا سن العاشرة في موكب ( ضرب الزنجيل ) وهي التي درست وتعمل في مجال أول حضارة في التاريخ ، أو أشاهد أساتذة كليات كربلاء وهم في الشوارع يقدمون الخدمات لزوار أربعينية الحسين ، كما زرت الريف وزارني العديد من الفلاحين أو الذين يعملون في مجال الريف . إني أورد هذه الأمثلة ليس لأنها فردية بل لأنها ظاهرة عامة ، واني أوردها لأنها تمثل مختلف الفئات والمتعلمة منها أيضا ، وتجسدت هذه الكتلة الهلامية في المسيرة المليونية (الطوفان البشري) في أربعينية الإمام الحسين . فكيف يمكن أن نصل إلى هؤلاء الناس وان نجد اللغة المناسبة لمخاطبتهم والتأثير فيهم ؟

إن هذه الجماهير لم ترفضنا ولكنها لم تصوت لنا لعدم استطاعتنا الوصول لها والتأثير فيها بعملنا برغم من أن الكادر والرفاق لهم احترامهم الاجتماعي بين الناس . كما أن هناك عدد من الدلالات والحالات والمؤشرات الدالة على تطلع الناس إلى الحياة الطبيعية وللبناء والثقافة والفن إلا إنها ضعيفة وفي بداياتها ولن تصمد أمام أي هزة مثل التي تعرضت لها البلاد من الطائفية والمحاصصة وحكومات الظل . إن ضعفنا يكمن في حالة الناس هذه . وهي اعقد حالة مر بها الحزب والحركة الوطنية والتقدمية ، والبحث عن حلول وطرق ولغة للوصول إلى هذه الكتلة الهلامية من البشر يتوقف عليه مصيرنا ومستقبلنا .

إن ذلك يتطلب تلمس طريقنا بينهم خطوة فخطوة ويأتي هذا التلمس من خلال : -
* كادرنا ورفاقنا وأصدقاءنا الذين يتمتعون بالحس الجماهيري والذين يعملون وسط الجماهير وعقد لقاءات وندوات وكونفرنسات معهم على نطاق المنظمة والمحافظة و العراق ووضع مهمات ولتكن بسيطة في البداية ومراقبة تنفيذها المستمر وتعميم النتائج الايجابية وكذلك دراسة أسباب فشلها هنا وهناك وتعميمها أيضا ، وطرح مسائل ومواضيع ملتهبة للمناقشة .

* شد التنظيم والرفاق والأصدقاء إلى خطة العمل ،وتفاعلها مع قيادة الحزب وتفاعل قيادة الحزب مع التنظيم ، وبرأيي وانطلاقا من ذلك تمثيل المحافظات برفيقين في اللجنة المركزية لكل محافظة و أكثر من ذلك في بغداد لفهم واقع المحافظات و لتدريب هذه الكوادر والكف عن التمثيل الواسع للعناصر من الخارج في قيادة الحزب . إن هذه الكوادر من الخارج تمتلك من الصفات القيادية الكثير ، غير أن الوضع الراهن يجعلها بعيدة عن واقع الجماهير وكيفية العمل بينها وتطلعاتها ، إن اقل رفيق مضى عليه أكثر من 30 عاما في الخارج وكلهم من الكوادر الحزبية ويتصرفون على ضوء ذلك في لقاءاتهم واجتماعاتهم ونقاشاتهم ولا يوجد حولهم جماهير للعمل وسطها بل لا توجد قاعدة حزبية وحتى الصديق الحزبي إن وجد فهو بحكم الكادر نتيجة لكثرة احتكاكه ولقائه بالكوادر والمنظمة الحزبية . واليوم ليس لدينا ذلك الخوف والبعبع من إمكانية الانحراف عن مبادئ( الاشتراكية السوفيتية) والتي كانت هي مقياس شيوعية أي حزب أو رفيق . اليوم نحن حزب علني ومهمتنا الأساسية هي تطوير عمل الحزب بين الجماهير وتطوير الوضع في العراق وإغناء فكرنا الماركسي على ارض الواقع العراقي وتراثه ونضال شعبه وبذلك نحقق إغناء الفكر الماركسي الذي لا يحدده قالب واحد ، ورفاق الخارج هم رافد مهم للحزب في تحقيق هذه المهمة بأساليبهم التي تلائم الوقع الذي يعيشونه .

* إذا لم نعرِّف صوتنا للناس ونسمع صوتنا لهم فكيف سنصل إليهم بعد الانقطاع و الفجوة الكبيرة التي حصلت في معرفة التاريخ السياسي للعراق ودور الأحزاب السياسية وخاصة الشيوعيين ، أنا لا أفهم لماذا لا نسمي الأشياء بأسمائها، لماذا الآخرين من المساهمين في العملية السياسية ولديهم السلطة يتعاركون كالديكة لإثبات مواقفهم أو الرد على الآخرين ونحن لا احد يسمع لنا صوت ، لقد شاهدهم الناس و كانوا يريدون أن يسمعهم الناس واستغلوا كل شيء ليصل صوتهم للناس وفي يوم انتهاء الانتخابات مباشرة بدأوا يبحثون عن تحالفات حتى مع الذين اشتبكوا معهم بمعارك إعلامية . صحيح لا يوجد أي مقياس للتكافؤ بالفرص ، ولكن حتى الذين لدينا فيه قصور ، الجريدة ومحتواها ، ولماذا نبحث في المواقع الالكترونية الأخرى و في النهاية نعود إلى موقع الحزب (الطريق) ونحن متوقعين أن نشاهد وبألم تلك الكليشة الجامدة للمواضيع ومحتواها ، لماذا تصل الأمور بكاتب شيوعي كبير (جاسم المطير) وبكادر شيوعي وإعلامي معروف (داود أمين) بأن يصفا في مقالاتهما موقع الحزب الالكتروني ب (البائس) ، والكل يتطلع وبحسرة إلى قناة فضائية للحزب مع المعرفة بضعف الإمكانيات المادية ، ولكن ما فائدة الفضائية إذا كانت سياستنا الإعلامية على هذه الحال، وأين صوت وزيرنا لاستغلال الفرص للتعريف بمواقف الحزب وكذلك صوت باقي المسؤولين الشيوعيين في أجهزة السلطة ، هناك الكثير من الرفاق لا يعرفون حتى وجوههم فكيف بالناس الآخرين ؟ لماذا تتكالب علينا قوى كثيرة ولا ندحض تخرصاتها ؟ وكذلك لماذا كثرت المسميات الشيوعية المغرضة لجماعات هدفها النيل من الحزب وتاريخه ومواقفه ولا يوجد رد عليها ؟ ومع الأسف هناك الكثير من (لماذا) يمكن أن تطرح في مجال عملنا .

* الملاحظ إن الكتابات التي تناولت الوضع الذاتي للحزب والقصور في بعض جوانب عمله هي لكتاب في الخارج نشرت في مواقع الكترونية مختلفة ، ولم يتطرق لها موقع الحزب الالكتروني ( الطريق) في وقت نشر موقع الطريق كتابات عن نتائج الانتخابات تناولت أهميتها الوطنية وانتقادات هنا وهناك لما شاب العملية الانتخابية من نواقص و لم تتطرق إلى القصور الداخلي في عمل الحزب ، والسؤال هنا لماذا الحرص على أن يظهر الحزب نفسه كوحدة متجانسة (بلوك) ولا تكن هناك جرأة في نقد علني لما هو سلبي وخاطئ أو تجاوزه الوضع والزمن ، أو أن تظهر الآراء الأخرى إلى العلن لتأخذ فرصتها بالتعبير عنها وإسماعها إلى رفاق الحزب وأصدقائه ، أليس ذلك من صلب التجديد الذي دعت إليه مؤتمرات الحزب وقراراتها ؟ إن من حق الآراء الأخرى الدفاع عن نفسها إلى أن تتخلى عنها أو تقنع الآخرين بها . فهل إن إظهار الانسجام أمام العلن يحل مشكلة الآراء الأخرى ونواقص العمل ؟ إن حيوية عمل الحزب هو في إثارة الحوار والنقاش بخصوص المسائل المهمة والملحة المطروحة أمامه وهو الذي يوصل الحزب إلى النتائج المطلوبة .

* لقد اعتبر البعض بان نتائج الانتخابات هي نهاية الحزب الشيوعي وجزع العديد من الرفاق والأصدقاء واعتبروا ذلك ضربة قوية للحزب وبان آفاق المستقبل متشائمة . و لكن هذه هي لعبة الديمقراطية ، غالب أو مغلوب وليس كما في السابق عندما كانت تسحق تنظيمات الحزب بالإرهاب ويسود الظلام البلاد ، الآن لا يستطيع احد أن يقضي على تنظيمات الحزب إذا بقيت الديمقراطية كنظام حكم في البلد ، يمكن أن تكون هناك تراجعات ولكن أيضا آفاق التقدم كبيرة إذا أحسنا العمل وهذه ليست تجربة عراقية فقط إنها تجربة البلدان الديمقراطية حتى في أعرقها ديمقراطية حيث تتقدم بعض الأحزاب في الانتخابات وتشكل حكوماتها وبقاءها مرهون بحسن أدائها أو عدمه ، وشاهدنا الكثير من الأحزاب اليسارية والاشتراكية في أوربا وكم حكمت وحققت انجازات كبيرة للشعب إلا إنها في دورة انتخابية معينة إذا لم توفِ بوعدها بتحقيق برنامجها الانتخابي وإذا ما أجاد اليمين دعايته وطرح برنامجه فسيكون الفوز حليفه ، ولكن ليس ذلك نهاية العالم فالمعركة مستمرة وتبادل المواقع في الحكم والبرلمان والحكومات المحلية أيضا مستمر والمستقبل يحمل معه الكثير لصالحنا إذا ما أحسنا العمل .

لقد تطرقت إلى أمور عديدة أراها ضرورية وربما يتفق معي البعض أو يرى أمورا أخرى أكثر أهمية و المهم هو تناولها ليساهم الجميع ببلورة رأي يخدم الحزب وسياسته.
 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات