| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 28/2/ 2011                                                                                                   

 

نزار في ساحة التحرير!

خضير الأندلسي

كان هيجل يؤمن بأن العمل هو الجوهر الحقيقي للإنسان.

عرفته متواضعا منذ الطفولة وديعا الى ابعد حدود ,لم يتوان يوما عن مساعدة اقرانه وتقديم ما وجب. في نظراته شجاعة نبيلة يرافقها خجل طفولي ,كان يحلم منذ الصغر بحياة خيالية وكثيرا ما حديثني عنها ,حياة معسولة مع زوجة مثالية وبيت مستقل على ضفاف دجلة الخالد لايزعجه فيه احد. كان,ولازال, كريم النفس حسن المعشر ويجد في مساعدة الاخرين سعادة ليس لها مثيل, حتى انه قضى نهارا مدرسيا ,في احد المرات, دون طعام ولما سألته عن السبب اجاب بنبرة يشوبها الحذر من التنصت (أقرضت زميلنا محمد مرتبي اليومي).

سمعت عن نزار من صديق لي قبل سنوات انه يعمل في سوق شعبي بأحد احياء بغداد القديمة مستغلا جسده القويم في نقل بضائع المتسوقين بعربة خشبية من مكان الى اخر وهو مايطلق عليه باللهجة العراقية(حمّال) وعندئذ خشيت ان تتبدد تلكم الاحلام الوردية التي حدثتي بها, حتى انه كان يتهرب حين سماع بيت المتنبي الذي مطلعه:

ما كل ما يتمنى المرء يدركه \ تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

كان يحلم بذاتية تحدت موضوعية شاعرنا.
اليوم وبعد مرور قرابة عشرة سنوات على فراقنا المتواصل ,ظهر نزار على احدى الفضائيات فجأة ولم اصدق عيناي على ما آلت اليه اوضاعه بعد مشاهدة تقرير اخباري قصير عُد خصيصا عنه. صدقت الانباء القائلة بأنه (حمّال) وليس في العمل الشريف عيبا ولكن العيب من فساد بدد احلامه.

يبدو ان في السنوات الاخيرة اراد صديقنا تحسين وضعه المعاشي بعد ان سئم مهنة ليست ضامنة لمستقبله , فأخذ يتردد على مؤسسات الدولة طلبا في التعيين. وعده احد الموظفين هناك بتعيينه (واسطة) اي برشوة قدرها 2000 دولارا. حاول نزار وقتئذ اقتراض مبلغا من المال لكن الجميع صد ابوابه في وجهه متناسين انه كان يقدم المساعدة لهم دون استثناء . انقطعت به السبل ولم يجد هذا البائس اي منفذ سوى بيع كليته اليسرى مقابل 2600 دولارا امريكيا وحينها راجع ذات الدائرة وانصدم في طُلبهم القاضي بضعف المبلغ. ولانه انسان صادق لم يعرف الكذب ولا الغش قضى طيلة عمره مع فقراء ليسوا محتالين, وثق بأقوالهم المزيفة وتوسل الى زوجته المخلصة كي تبتاع هي الاخرى كليتها فلم ترد هذه المسكينة طلبه ولما عاد الى الموظف ثانية فرحا بالمبلغ الذين جلبه اياه قيل ان باب التعيينات قد أغلق!

في تلك اللحظة ادرك صديقي فحوى استغلال الانسان لاخيه الانسان وعاد الى عربته التي فارقها اياما حمّالا بكليّة واحدة لاغير.!
تجولت عدسة الكاميرا في بيته الذي خلا من ابسط مقومات العيش الانساني ,فلا اثاث يذكر ولاحتى طعام وتكلم بذات النبرة الخجولة التي عهدتها به الا اني لم اتخيل حجم الطاقة التي بذلها نزار في الضغط على كبرياءه حين ظهر علنا وتحت انظار الجميع.

لما فرضت الحكومة حظرا صبيحة الجمعة الاخيرة منعت فيه المركبات من التجول في شوارع بغداد خشية وصول المتظاهرين باعداد غفيرة الى ساحة التحرير ,قطع نزار مسافة الكيلومترات للمشاركة في تظاهرة 25 شباط للمطالبة بحقه وسط حشود الجماهير المنتفضة وشوهد وهو يهتف (ما يبقه فساد .. وترجع بغداد) و(الشعب يريد اصلاح النظام) بمشاعر طغى عليها الحس الوطني المرهف جراء التعسف والظلم اللذان تعرض لهما.

لا اعرف اذا كان لوزير الصناعة والمعادن الجديد السيد احمد ناصر الكربولي \بكلوريوس علوم سياسية! القدرة على تشغيل المعامل والمصانع العراقية المتوقفة عن الانتاج التي يقول وزيرها السابق ان مانسبته 92% منها متوقف كليا عن العمل منذ 2003 مخلفا جيوش العاطلين في دولتنا الديمقراطية الجديدة. ولا اعرف ايضا اذا ما كان صديقي نزار سيبني بيته على ضفاف دجلة ويحقق حلمه ام سيتلاشى؟
 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات