| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 28/6/ 2010

     

عندما حمل العراقيون ناظم حكمت على مناكبهم

ممتاز كريدي

الزمن صيف عام 1955 المكان وارشو عاصمة جمهورية بولندة الشعبية‘ المناسبة مهرجان الشبيبة والطلاب العالمي. كما هو الحال في المهرجانات السابقة كتلك في بودابست وبراغ وبرلين الديمقراطية وبخارست اسهم الطلاب العراقيون في اوربا الغربية مثل المملكة المتحدة والمانيا الاتحادية والنمسا وفرنسا وسويسرا وبلجيكا‘ وكلهم من المبعوثين او الدارسين على حسابهم الخاص‘بالتحضير له مع مراعاة السرية التامة نظرا لنشاط دوائر الامن السياسي ليس في العراق وحده ‘كما روعيت قضية اشراك العناصر الوطنية و القومية العربية والكردية. وعمل الحزب الشيوعي العراقي عن طريق منظماته الديمقراطية في الخارج على تزكية تلك القوى لدى المنظمات الديمقراطية العالمية مثل اتحاد اتحاد الطلاب العالمي واتحاد الشبيبةالديمقراطية وغيرها. كانت قيادة الوفد العراقي القادمة من الوطن مؤلفة من شخصيات اجتماعية معروفة مثل المحامي حمزة سلمان والمهندس عبد الجليل رضا واسمه المستعار "ابو حالوب"‘ فقد جرت العادة ان يتخذ المشاركون في المهرجانات اسماء "حركية" لامر يتعلق بالصيانة وسرية العمل وغالبا ما كانت الاسماء السرية تنكشف بسبب اللقاء المفاجئ بين اصدقاء قدماء يلتقون هنا غياب طويل.
ضمت قيادة الوفد العراقي ايضا الشهيد عبد الجبار وهبي " ابو سعيد" وبرفقته كريمته نادية الي عرفت فيما بعد بأسمها الفني "انوار عبد الوهاب"‘
كما كان من اعضاء الوفد الشهيد صفاء الحافظ وقد سبق لي ان تحدثت عنه في مقال نشرته
"الثقافة الجديدة" بعنوان " محطات في حياة صفاء الحافظ"‘ وكنت قابلته قبل مهرجان وارشو في مهرجان بخارست عام 1953 . انني اذكر بشكل خاص اسماء بعض من ظل ملتصقا بالحركة الوطنية ومنهم من استشهد اثناء او بعد انقلاب شباط 1963 مثل عضو قيادة الوفد الشهيد جورج تللو. اود هنا ان اشير الى اهمية تسجيل ذكريات وانطباعات اللذين شاركوا في مهرجانات الشبيبة الامر الذي يعتبر جزأ من الحركة الوطنية العراقية. يوم الافتتاح : الوفود من كل انحاء العالم تصطف حسب الحروف الابجدية استعدادا للسير باعلامها ‘اناشيدها وهتافاتها الحماسية وجهة الملعب الرياضي المركزي ‘العراقيون كعادتهم الحلوة في اطلاق الهتافات :يا.. يا يعيش" يتناوبون في حمل اقواهم حنجرة ‘هَتّاف الوفد" هو صالح شركا القادم "من الداخل". اهالي وارشو المصطفون على جانبي الطريق لم يألفوا مثل هذه المشاهد ولعلهم لم يسمعوا من قبل مثل تلك اللغات عربية كانت ام كردية. سارت المظاهرة مدوية باناشيد السائرين‘فجأة حدثت جلبة وعلا صراخ استبشار‘ اتجهت الانظار نحو شخص يقف بين جموع المرحبين من سكان وارشو ‘اثنان او ثلاثة من اعضاء الوفد العراقي يتجهون نحو شخص يقف بين جموع المستقبلين سحبوه يقوة لاتخلو من ود . "المقبوض" عليه لم يبد اي اعتراض بل استسلم ضا حكا يصفق بيديه مسرورا وكأنه فَرح َ لقيام الضيف بدور المُضيف. خلال لحظات كان الرجل على اكتاف المهرولين الذي دوت حناجرهم بهتاف:"ناظم حكمت ناظم حكمت .." ولم يدرك ما يدور حوله وبدا نشوانا والعرق يتصبب من شعره الاشقر على بشرته البضاء..
انتقل الخبر الى الى الوفود الاخرى :" الشاعر التركي الكبير ينضم الى الوفد العراقي ويرافقه الى الملعب." ظلت هذه الحكاية راسخة في اذهان الكثيرين من اعضاء الوفد العراقي حتى بعد انتهاء المهرجان بسنين طويلة‘ ففي منتصف الثمانينات وفي دمشق اخبرني الشاعر العراقي عواد ناصر مسؤول اللجنة التحضيرية لمهرجان موسكو وهو بصدد اصدار نشرة خاصة بالمهرجان ان احد المشاركين في مهرجان وارشو وهو حسين العامل اخبره بحكاية العراقيين مع ناظم حكمت على انها حقيقة.
في الايام الاولى للمهرجان اتخذت قيادة الوفد قرارا صارما لضبط تصرفات اعضاء الوفد فالمعروف عن العراقيين ميلهم ‘عندما تناط بهم مهمة اجتماعية او سياسية ‘ الى التزمت والمبالغة في تضخيم الامور وهذا ما انعكس ‘والحديث عن المهرجان‘في "تفضيل "اهل الداخل" على "اهل الخارج" في مجال توزيع تذاكر الفعاليات الرياضية والفنية والترفيهية. ولعل المسؤلين محقين في ذلك وعلى "اهل الخارج" ان يرضخوا لذلك ويكتفوا بارتياد الحفلات التي تجري في ساحات وميادين المدينة. هذا ما حدا بالطالب الظريف "ابو العز" القادم من لوزان السويسرية ان يبتدع تسمية "جماعة الهواء الطلق" بما في ذلك من سخرية مشروعة من "اهل القرار" . ومنعم عبد العزيز هو نفس مبتدع لقب "وفد ابو نفر واحد " ليطلقه على شخص لايعتبر نفسه من عداد الوفد العراقي
ولا يعترف بفضله عليه. ولا بد من ان اروي حكاية "وفد ابو نفر..": من القرارات العشوائية غير المدروسة تحديد ساعة قبل العاشرة مساء موعدا للعودة الى غرف النوم‘ كُلفتُ من احد مشؤلي الوفد بالقيام بدور "المراقب" وتسجيل اسم من يتأخر عن الموعد المقرر. في احدى الاماسي ‘حضرت مبكرا لتأدية المهمة الي لم اكن مقتنعا بها‘جاء "وفد ابو نفر واحد " و"تنفيذا للاوامر" سألته عن اسمه بغية تسجيله فاجاب بشيئ من الاستعلاء " آني مو من الوفد". تذكرت ذلك الشخص الذي يرتدي الزي الكردي بالوانه الزاهية والذي غالبا ما كان يسير بمفرده حاملا بيده اليمنى كتابا بلغة اجنبية من باب حب الظهور وبشكل مقصود‘ كما كنت قد شاهدته في الايام الاولى لقدومنا تحيط به مجموعة اطفال وتلاميذ مدارس من "صيادي التواقيع " اذ كان جمع التواقيع وتبادل الشارات و"الباجات" من تقاليد المهرجانات الشبابية. كان صاحبنا هذا منتعشا بدوره وكأنه نجم سينمائي او بطل رياضي وعرفت فيما بعد ‘اعتقد عن طريق ابو العز, ان "وفد ابو نفر واحد " اسمه جلال طالباني ....
من الاشخاص الذين اذكرهم جيدا السيدة بشرى برتو التي جاءت من مكان دراستها في بلجيكا وكاظم الجميلي رئيس نقابة الخياطين كما عرفت ذلك من الصديق صالح شركا المقيم حاليا في برلين وهو الذي اسعفني بتذكر بعض الاحداث ولا سيما المتعلقة باسماء اعضاء الوفد مثل غائب طعمة فرمان الذي التحق بالوفد قادما من القاهرة وتعرض بعد انتهاء المهرجان الى صعوبات في العودة ولقائي به في فيينا وساترك الحديث عن ذلك الى فرصة اخرى.

سارت المظاهرة وعلى حين غرة حدثت جلبة وعلا صراخ واتجهت انظار السائرين الى يسار الشارع المؤدي الى الملعب وخرج من الصفوف نفر من اعضاء الوفد متجها نحو شخص يقف بين جموع المستقبلين من اهل المدينة. اثنان او ثلاثة اشخاص سحبوه بقوة ودودة ولم يبد" المقبوض عليه" اي اعتراض بل استسلم ضاحكا وهو ويصفق مسرورا وكانه فرحَ لقيام الضيوف بدور الضيف.. خلال لحظات كان الرجل على اكتاف المهرولين الذين دوت حناجرهم بهتاف "" ناظم حكمت ..ناظم حكمت"الذي لم يدرك ما يدور حوله وبدا نشوانا والعرق يتصبب من شعره الاشقر على بشرته البضاء.
انتقل الخبر الى الوفود الاخرى :" الشاعر الكبير ينضم الى الوفد العراقي ويرافقه الى الملعب. ظلت هذه الحكاية الاسطورة راسخة في اذهان القدامى حتى بعد انتهاء المهرجان بسنين طوال وقد سمعتها في منتصف الثمانينات من الشاعرعواد ناصر في دمشق حيث عمل فى اللجنة التحضيرية العراقية لمهرجان موسكو في الثمانينات وكان بصدد اصدار نشرة خاصة بالمهرجان يضمنها ذكريات بعض المشاركين بالهرجانت السابقة. .بعد مضي اكثر من ثلاثين عام على مهرجان وارشو‘كنت اثناءها قد اضطررت للانتقال من بلد لآخر‘ جمعتني الظروف بشاب فلسطيني على غاية الرقة والادب اسمه توقيق بسيسو جاء للدراسة الى مدينة لايبتسيج في جمهورية المانيا الديمقراطية‘ خلال التحدث معه اعرب عن اعجابه بالعراقيين وعنما سالته كيف توصل الى ذلك الحكم حكى لي ان والدته واسمها صهباء البربري حدثته عن مهرجان وارشوالذي شاركت فيه قادمة من مصر حيث كانت تدرس هناك واقترنت بالشاعر الفلسطيني الغزاوي معين بسيسو وتوقيق هذا اذن هو ابن الشاعر الجميل معين بسيسو كم صغير هو العالم ! اين انت الآن ياتوفيق‘ يا ابن الشاعر الفلسطيني صاحب" سورة يوسف سلمان " الشاعر الذي احب العراق واحبه شعراء العراق وما حال السيدة والدتك التي حدثتك عن تضامن العراقيين معها يوم قدمت من وراشو الى فيينا في طريق عودتها الى مكان دراستها في مصر!

عادت بي الذكرى الى فيينا في بداية شتاء 1955 بعيد انتهاء مهرجان وارشو وعودة الوفود الى البلدان التي قدمت منها وباتت الصعوبات تلازم اجراات العودة والعبور من حدود الى اخرى المخابرات التي تعرف جيدا ان القادمين هم عناصر" خطرة" قادمة من مهرجان "شيوعي". لااريد الاطالة بالحديث عن ام توقيق وغائب طعمة فرمان وشخص فلسطيني ثالث سوى اننا حاولنا تقديم المساعدة وذكر لي توفيق ان والدته السيدة صهباء البربري قالت له "" ما اروع التضامن الذي ابداه نحونا العراقيون في فيينا .."
شخصية اخرى شاركت في المهرجان تميزت بالصرامة الودية في مراعاة النظام والالتزام بمواعيد نشاطات المهرجان: انه الشهيد جورج تللو الذي تحدى البعثيين الفاشست حتى الرمق الاخير .

الذكريات والحديث ذو الشجون ابعدتني عن الارسترسال بالحديث عن كيف " حمل العراقيون ناظم حكمت على المناكب".
لابد اذن من العودة ثانية الى صيف 1955 والى وارشو: الوفود تصطف حسب العامل المقيم لحد الان في براغ على انها حقيقة واقعة . اما الحقيقة فهي ان الشاعرالمحول على الاكتاف الكبير اتعبته الهرولة واتعب حامليه ولم يفهوا اللغة التي كان يتمتم بها ولم يفهم هو الأخر ما كانوا يقولون‘ رغم استدعاء من كان يتكلم التركية من الطلاب العراقيين الذين طردتهم اللسلطات التركية بسبب نشاطهم "الهدام". اضف لذلك ان "الشاعر" كان ثملا بعض الشيئ وقيل فيما بعد‘ والعهدة على الراوي‘
ان ناظم حكمت الذي كان ضيف شرف على المهرجان سمع بالحادث وزار الوفد العراقي في مقره واعرب عن شكره ل "حفاوة" العراقيين به قائلا ".... هل يقبل الاخوان العراقيون ان يروه في مثل تلك الحالة التي وجدوه عليها؟"


لايبتسيغ 20-6-2010

 

free web counter

 

أرشيف المقالات