| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الجمعة 28/12/ 2012

 

معايشة شخصية لصباح الخير بغداد في خاودا الهولندية

آراز عباس

ما أكتبه في هذا المقال هو عبارة عن تجربة شخصية لمعايشة معرض صباح الخير بغداد للفنان المتألق قاسم الساعدي . ليس من طبيعتي كتابة مقالات حول الفن أو الثقافة كونها ليست من اختصاصي، لكني وجدت نفسي أمام تجربة حديثة تتطلب مني كتابة ما رأيته في هذا المعرض المتميز . سبق وأن جرت حوارات قصيرة بيني وبين الفنان الساعدي عن الفن وأهميته مما دعاني إلى أن اهتم بمتابعة الفن بكل أنواعه والقراءة حول معانيه وتأثيراته الاجتماعية، والعلاقة بين الحرية الاجتماعية والفن. بعد المطالعات العديدة أصبحت لدي قناعة أن الفن كجزء من الثقافة ضرورة حياتية لا يمكن الاستغناء عنه، إنه حاجة روحية للمجتمع وأداة تعبير عما يحتاجه المواطن.

الشي المميز والمثير للفخر والإعجاب أن يقوم متحف في مدينة خاودا في هولندا التي تعج بفنانين متميزين دعوة فنان عراقي لعرض أعماله. وتكون أعمال فنان من وادي الرافدين أمام عيون الشعب الهولندي والجالية العراقية. أرى اعماله في الغربة كالمرهم على جراحي، التي أشعر بها كل يوم بسبب معاناة الوطن الذي حلمت بلقائه من زمن.

عند دخولي للقاعة الرئيسية مع زوجتي مروة أحسست أن وطني العراق، الذي فارقته منذ سنوات قد احتضنني بشوق لعودتي اليه، أحسست أنني كنت في أحضان بغداد التي ولدت فيها، لتصبح عليً في معرض الساعدي. لم أرغب بالخروج لانني أحسست أني رجعت للأرض التي فارقتها، وحلمت بالعودة لها، لأعيش من جديد فيها ومحاولة المشاركة في بنائها. الشي الغريب هو، عند وقوفي أمام كل عمل فني كان وكأنه يتحدث لي عن قصص الناس، عن معاناة وفرح وحياة الطفولة، وفي بعض الاحيان وجدت صورتي وطفولتي ومدرستي.

وجدت في الأعمال قصص وتأريخ وادي الرافدين السومري، والبابلي، وجدت أهوار الجنوب وجبال كوردستان وخضار العراق وصحرائه ودجلة والفرات. فن يعبر عن طاقات فكرية إبداعية وظروف أثارت في نفس الفنان الرغبة في رسم عمل فني يعكس افكاره. كل عمل وقفت أمامه كان يتحدث لي وينقل ما كان في ذهن الفنان، والقصص التي سمعها والمواقف والظروف التي عاشها مع رفاقه وأصدقائه وأهله.

يقول كولنجوود في نظريته أننا قد نرى في العمل الفني شيئاً مادياً يؤثر في سمعنا وبصرنا، أعمالا تخاطب احساساتنا وتجعلنا نتحرك داخل اللوحة والإحساس بتجربة خيالية تتكامل فيها، هكذا عشت أعمال الساعدي. فهي لا تقدم لنا إحساسات لونية فحسب، بل تجربة خيالية كاملة، لانها باعتقادي ليست لإثارة الحواس وحدها بل إرضاء الخيال ايضاً، وهذا يعني أنه في الخبرة الجمالية يضيف الى العمل الفني المحسوس جانباً مصدره القدرات الخيالية، وهذا هو الجانب الذاتي المكمل للجانب الموضوعي المستمد من العمل الفني، والذي استطاع قاسم الساعدي مثل كل مرة الوصول إليه. في أعماله استطاع أن يدمج الفلسفة بالفن، والعلاقة المتبادلة بين المضمون والشكل معبرة عن أفكاره النيرة التي واجهت الصعوبات.

والشيء المثير بأن أعمال الساعدي تعكس الأمل والفرح المستمر بالرغم من المعاناة التي واجهها، والتي يعيشها الوطن، وطن تمزقه صراعات طائفية وعنف مرتكز على تركة الدكتاتورية. كل الموفقية والصحة والوفرة للفنان قاسم الساعدي ليزيد من تألقه ومن عطائه الفني لتزدهر فيه هولندا ويبني جسرا بينها وبين وادي الرافدين لإيصال رسالته الإنسانية.

 

 





























 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات