| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

                                                                                    السبت 28/5/ 2011

 

 الفاشية لم تكن يوما قدراً على شعب من الشعوب
(1)

صادق محمد عبد الكريم الدبش

الفاشية هي مصطلح (fascism) ومشتقة من الكلمة الايطالية (fasces) وهى تعني الصولجانات التي كانت تحمل في روما القديمة اثناء الاستعراضات التي كانت تشير الى القوة والسلطان,وهي نظام حكم مركزي صارم يخضع لسطوة وسيطرة دكتاتور يضع ضوابط اجتماعية واقتصادية صارمة وينكل بكل من يعارضه ويتبنى النزعة العنصرية والشوفينية .ان جوهر الفاشية يرتكز على مناهضة كل ما هو عقلاني وتغييب المنطق والفكر ,ويرى الكائنات الحية تستمد خصائصها الحياتية وتعتمد على القوة الجسدية وكانوا يعتقدون بفلسفة عالم الاجتماع (سبنسر ) وهى (البقاء للأصلح) .وكذلك تنمية المشاعر القومية وعدم احترام الثقافات المختلفة والتقاليد للقوميات الاخرى ويؤكدون بتفوق امة على جميع الامم حيث اعتبروا ان الجنس الاري الالماني هو الاعلى وهو سيد الاجناس والملل ,والفرد في النظام الفاشي عليه الخضوع بشكل مطلق للدولة لأنهم يرون في الدولة الاداة الوحيدة للتحديث ولم تسمح بوجود مجتمع مدني او ديني وتمسك بقبضة بوليسية,انها تقوم على القمع والتسلط وهو نظام دكتاتوري يعتمد على القومية المتطرفة ويؤمن بالحروب والاحتلال في تحقيق مآربه والقضاء على كل من يهدد سلطة وتفوق الأمه السائدة وامتيازاتها .الفاشية لم تأتي الا من خلال سياقها التأريخي والمتغيرات التي حدثت في اوربا ,ونحاول هنا التعريج على بعض المفاصل الهامة والتي مهدت لظهور الفاشية كقوة فكرية وسياسية على الساحة الاوربية خاصة والدولية بشكل عام . في الصراع العنيف والحروب الدامية بين السلطة الدينية المتمثلة بالكنيسة والملوك والامراء والتي اصبحت الكنيسة تنازعهم السلطه السياسية والمعارضة التي بدأت بوادرها عندما قام احد رجالات الدين بالاعتراض على صكوك الغفران في عام 1517 وهو مارتن لوثر ,حيث اعد وثيقة تتضمن 95 بندا وعلقها على باب كنيسة الحصن في روما وكانت الشرارة الاولى في اندلاع حركة الاصلاح الديني وعلى اثر ذلك طرد مارتن لوثر من الكنيسة واتهم بالهرطقة وعندها اعلن الحرب على البابوية وهذا ادى الى تشكيل ما يسمى اليوم بالبروتستانت وانعكس هذا على العلاقات بين الحكام الاوربيين وادى الى نزاع وحروب امتدت لفترة تزيد على الثمانين عام وتمخضت هذه الحروب عن عقد مؤتمر في مدينة (وستفاليا) الفرنسية بين الاعوام 1644-1648 الذي تم فيه الفصل بين الدين والدولة والتي جردت فيه الكنيسة من التدخل في شؤون الحكم وكذلك بدأ ظهور الدولة القومية الحديثة ,وتوج هذا الاتفاق عام 1789 حين قامت الثورة الفرنسية لتقرر الفصل التام والنهائي بين الدين والدولة ولتصبح المرجعية السياسية للكيانات السياسية.

بالرغم من ان الفاشية بمفهومها وجوهرها لم تجد رواج في النصف الثاني من القرن العشرين وبعد هزيمتها على يد الجيش الاحمر عام 1945 وليس لها فرص ساتحة في القرن الحادي والعشرون وأن وجدت فهى ضعيفة ,لكن التطورات على الساحة الاوربية والعالمية وبروز كيانات ذات توجه فاشي جذبت انتباه المفكرين والباحثين ودراسة اسبابه ونتائجه على الانتقال الطبيعي لعملية التطور الاجتماعي في العالم .

الجبهة القومية في فرنسا بزعامة (جون ماري لوبان) شهدت صعودا ودعما انتخابيا في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي لبرنامجها الذي يقوم على مقاومة قدوم الهجرات من الدول الفرانكوفونية ,وبعد الوحدة الالمانية عام 1990 جذبت الجماعات المناهضة للاجانب والقوميين المتطرفين دعم متزايد نتيجة لتدفق المهاجرين من اوربا الشرقية ,وفي بريطانيا احيا الحزب القومي البريطاني الدعوة العنصرية بمعارضة السماح باستقبال المهاجرين واللجوء السياسي في بريطانيا ,وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي هبت جماعات تنادي بمعاداة السامية وتدعو الى القومية الروسية وكانت هذه الدعوة بزعامة جرنوفسكي زعيم الحزب الليبرالي الروسي.

ان الابادة الجماعية العنصرية من ملامح الفاشيين في كل زمان ومكان وما قام به النازيون في المانيا من ابادة لخصومهم السياسيين وللمحرقة سيئة الصيت لهو من الاعمال البربرية وسوف تبقى تلاحق مرتكبيها على مدى التاريخ ,ان ما تقوم به الفاشية وغلاة التطرف والعنصرية في اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني هو وصمة عار في جبين الصهاينة والداعمين لها في الولايات المتحدة الامريكية ,وكذلك النظام العنصري الدموي البائد للخمير الحمر قي كمبودية وممارساته الفاشية وفي البوسنة والهرسك والتطهير العرقي لهو ناقوس خطر يدق كل حين يذكر بليل الفاشية المخيف ,والتمييز العنصري ونظامه المقبور في جنوب افريقيا يذكرنا دائما بان الفاشية ما زالت ويمكنها العودة من جديد اذا لم يتم لجمها وتضييق الخناق عليها ,ان العولمة المتوحشة في اشكالها الاقتصادية والسياسية وثقافتها اللاانسانية والتي تقوم على الجشع وتراجع السيادة المطلقة للدولة القومية ونمو اشكال اخرى تقوم على اسس عرقية او عنصرية وتشكل تربة خصبة لنمو وعودة الفاشية من جديد .

السياسة هي عالم من التقلبات المتواصلة ,والتوترات والتحولات ,والسياسة هي سيدة العلوم مثل ما يقول ارسطو وكل شيئ يحدث في اطار سياسي ومن خلالها تتخذ القوى السياسية قراراتها وبشكل جماعي .ان الفاشية الجديدة تستخدم الديمقراطية اداة تكتيكية لبلوغ اهدافها عبر الاليات الديمقراطية وتتبنى هواجس الشرائح الاجتماعية المتضررة لكي توصلها الى دست الحكم ثم تنقلب عليها ومن ثم تمارس كل انواع القهر للحفاظ على سلطتها وبقائها في الحكم والتجارب السالفة دليل على صحة هذا الاستنتاج .ومن الاسباب الموضوعية لعودة الفاشية وعودة الاسلام السياسي وعودة ظاهرة الدين بشكل عام كما يقول المفكر اللبناني الدكتور جورج قرم ، اسباب عودة ظاهرة الدين هي مكافحة الشيوعية والنفوذ السوفيتي وانتشار الشيوعية في العالم الثالث كايديولوجيا علمانية الطابع وجهود الولايات المتحدة وكنيسة روما وبعض الدول الاسلامية لتمويل تنامي الجماعات المتشددة دينيا في الاسلام والمسيحية وبروز الحركة الصهيونية وتوظيفها في الهيمنة الاستعمارية البريطانية على المنطفة وهزيمة حركة القومية العربية امام القوة العسكرية الاسرائيلية وتراجع الحركة الناصرية وحركة القومية العربية وبفضل تنامي العوائد النفطية واغداقها في تمويل الاتجاهات الاسلامية المتطرفة ومكافحة الشيوعية والقوى الديمقراطية والعلمانية التي اصبحت تعني الالحاد وهذا مخالف لطبيعتها كما يقول جورج قرم ,وتم تجنيد الاف الشباب العرب للقتال في افغانستان وتم توظيف الدين لمأرب سياسية وخدمة لمصالح النظام الراسمالي وقوى التطرف والفاشيون الجدد .

 

28/5/2011

 

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات