| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 28 / 7 / 2013



افتتاحية المدى

"تمرّد البصرة" وحملة المثقفين لجمع "مليون توقيع"..؟

فخري كريم 

في محاولة لكسر حاجز الصمت أو اللامبالاة، أو ما يفهم انه عجز أو استسلام، خرج شباب البصرة تحت شعار "تمرد"، احتجاجاً على حرمان مدينتهم من الكهرباء، في لهيب هذا الصيف، ونشرَ لفيف من المثقفين والاعلاميين، نداءً يستنفِر من لم يَعُد بإمكانهم التزام الصمت، للانضمام إلى حملة شعبية لجمع مليون توقيع، انتصاراً للدولة المدنية، وحفاظاً على قيمها، وتنديداً بالتجاوزات التي تطال الحريات المدنية.

مبادرتان تستحقان التثمين، وتؤشران لمقدمة حراكٍ محدود، قد تقود الى استنهاضٍ ويقظة ووعي بضرورة الارتقاء من حالة الاستياء والتذمر والشكوى السلبية، الى مستوى الاستعداد لتحويل ذلك الى احتجاج ايجابي، بكل الاشكال والاساليب، ضد فريق السلطة الحاكم، الملوث بالفساد والتعديات.

ولكن اللافت في حالة شباب البصرة، استعارتهم لشعار "تمرد" شباب مصر، دون التوقف عند طبيعة الشعار من حيث المضمون والهدف. ومع أن هذا يدخل في باب القصور الشكلي في تَمَثُل ما اعتمده رواد "تمرد" مصر من نبض شعبي، يتطلب أسلوباً خلاقاً، وإطاراً يتجاوز الصيغ التقليدية، ويصلح "حاملاً" للأهداف المرسومة، بحيث يتطابق "الشكل - تمرد" مع "المضمون - اسقاط النظام"، فان هذا القصور يمكن ان يخلق التباساً، لدى من يتوجه الحراك لاستنفارهم، او يؤدى الى اجهاضه في لحظة يأس وشعورٍ بالعزلة، نتيجة ضعف التجاوب معهم.

اننا اذ نغرق في الفوضى التي تحيط بنا من كل صوب، نكظم غيضنا المكبوت اصلاً، بفعل ازمة الحكم التي اتخذت طابعاً شاملاً ولم تترك جانباً حياتياً او طرفاً سياسياً او شريحة ومكوناً اجتماعياً، دون ان تصيبها شظاياها القاتلة. ولم يعد ممكناً الافلات من هذه الازمة الى مستوى من الفعل يتناسب مع تعقيداتها والنتائج التي تنجم عنها، فتزيدها تشابكاً.

ومثل هذا الارتقاء المطلوب في العمل السياسي والجماهيري، ينتظر "تخييلاً، وافكاراً، وشعارات، واساليب عملٍ مبتكرة وخلاقة"، تستفز المشاعر والضمائر، وتحرضها على تجاوز ترددها، وانسلاخها من الضغط المخادع، لتأثيرات انتماءاتها الفرعية، الطائفية والمناطقية والفئوية وما شابه ذلك. لكن هذا لا يكفي، فلا بد أن تأخذ التوجهات بالاعتبار ما يستقطب الناس، من خلال تجسيد الهم الذي يوحدهم، ويزيح جدران الكانتونات التي تفصل بعضهم عن بعض، وتحجب رؤياهم للمشترك الوطني. وبنظرة متبصرة سنرى أن ما هو مشترك، تعدّى الشأن السياسي العام، الى ما يمس سلامة وديمومة المجتمع، بكل مكوناته ونسيج وحدته، ويضعها أمام تحديات تكبر مع استمرار الوضع الذي يتحرك فيه.

ان الفساد المستشري، ونهب المال العام، ومتطلبات العيش والخدمات، والإرهاب المنفلت، لا تفرق من حيث المواطنة، بين هوية ونقيضها، ولا تميز سوى الطغم الطفيلية الفاسدة المتحكمة بالقرار والسلطة، وكل المواطنين ضحاياها بغض النظر عن انتماءاتهم، وهوياتهم الفرعية ومناطقهم، وسوى ذلك من خلاف او تناقض.

وتصطدم مبادرة المثقفين "المليونية" بما تتطلبها الحملة من روافد بشرية، وأساليب مناسبة لتحقيق أهدافها، ومدى قدرتها على الانتشار في مختلف محافظات العراق، ووصولها الى كل الاوساط والفئات الاجتماعية.

وتظل الحملة متعثرة ضعيفة التأثير، حتى اذا امكن تأمين تغطية مناسبة، من حيث النشطاء المتطوعين في جمع التواقيع، اذ يبقى السؤال حول امكانية الحفاظ على مستوى من التفاعل بين الموقعين، والاستعداد للمشاركة في الحراك العام، والابقاء على جذوته وقوة اندفاعته في مواصلة التعبئة بطابعها الوطني.

هل سيبقى المثقفون الذين اطلقوا مبادرة حملة المليون توقيع، متابعين للمبادرة من وراء مكاتبهم، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والرسائل الإلكترونية..؟



المدى
العدد (2854) 28/7/2013


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات