| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد  27 / 4 / 2014

 

افتتاحية المدى

الدكتاتورية توأم الفساد وتزوير الإرادة ليس مجر شبهة..!
عسكرة الدولة والمجتمع سبب أول لإطاحة المالكي وفريقه

فخري كريم 

(١)

يتخوف الناس، ومن حقهم ان يتخوفوا، من تزوير إرادتهم من قبل أصحاب السلطة والمال والعسكر، وفرض نتائج تتعارض كلياً مع تطلعاتهم الى تغيير جذريٍ وجدي، بعد عهدين من القحط والفوضى ونهب المال العام وتفشي كل أشكال الفساد وانعدام الذمة.

لكن هذا التخوف يجب ان لا يكون سبباً وتبريراً للعزوف عن المشاركة النشيطة في الانتخابات، وفي التحضير والتعبئة لها، وفي فضح مظاهر انتهاكها، باية صيغة مكشوفة أو مستورة.

ان الحديث عن شراء بطاقات الناخب الإلكترونية، وتسخير العيون الفاسدة لرصد اتجاهات الناخبين والتأثير عليهم لتغييرها، بات حديث الشارع. وليس هذا وحده مربط الفرس، فالحديث يدور عن تدابير سرية، تواطأت عليها وزارة الداخلية وأجهزة المخابرات ووزارة الدفاع وأركانها من كبار قادة القوات المسلحة، لإجبار منتسبي الوزارتين والأجهزة التابعة لهما، على التصويت الإجباري، تحت التهديد بالطرد او الحرمان، لقائمة القائد العام للقوات المسلحة، دولة القانون. وقد يكون تداول مثل هذا الاتهام مجرد إشاعة تكبر مع اقتراب موعد الاقتراع، جرياً على تجارب مُعاشة حول سلوك هذه الحكومة العملي طوال عهدي المالكي والمهيمنين على الوزارتين والقوات المسلحة، لكنها "إشاعة" تستمد قوتها من الانتهاكات التي لم تتوقف لمباني الدستور ومبادئها وللقوانين والاتفاقات التي طبعت الحياة السياسية وانهكت معنويات العراقيين، وأفقدتهم الحدود الدنيا من الثقة بالمتسللين الى مراكز القرار والنفوذ في دولة المالكي الفاشلة، التي لم تنجح سوى بوضع البلاد على شفا الهاوية والمصير المجهول.

(٢)
لا يتغافل المواطن العراقي، وهو يتابع تطور الأوضاع الأمنية والتجاذبات السياسية بين فرقاء السلطة والطامحين الى التغيير، عن ان مصادر القلق التي تتلبسهم من سلوك أعوان السلطة ودولة القانون، ليست وليدة الساعة أو من مظاهر الحراك الانتخابي المحموم.

فالتشوهات التي طاولت كل مرافق الدولة الفاشلة، والحكومة الناقصة، رافقت التشكيلة الوزارية للولاية الثانية منذ تقديم الحكومة بوزارات أمنية شاغرة، مع التعهد بإشغالها خلال بضعة ايام او اكثر قليلاً على ما يسمح به "منطق الدستور" وترتيبات تأمين حكومة متكاملة الأركان، معبرة عن التوافقات السياسية المبرمة. وخلافاً لذلك فان المالكي شدد قبضته بالموالين له من حزب الدعوة على الوزارتين، وأفرغهما من كل إمكانية لمراقبة وتقويم ما يجري فيهما.

ولم يكتف بذلك، بل مدد نفوذه بصيغ التجاوز على السياقات الطبيعة في الوزارات والدوائر الحكومية، ليكون له القول الفصل في كل ما يجري فيها. وخلال الولاية الثانية، اجرى سلسلة من التغييرات في هيكلية الدفاع والداخلية والمخابرات والأمن الوطني، وعيّن عشرات الآلاف من اعضاء حزب الدعوة والموالين له من احزاب التحالف الوطني في أجهزة الأمن والمخابرات. ووضع المفاصل الحساسة في الدولة تحت إشراف او المسؤولية المباشرة لولده وأقاربه المعروفين اليوم للقاصي والداني، بل انهم لم يترددوا، خشية او قلقاً، في الاعلان عن انفسهم، ومواقع نفوذهم في الدولة ومصاهرتهم وقربهم من رئيس مجلس الوزراء، زعيم دولة القانون، وقدرتهم التي لا سبيل لمعارضتها على تسيير مصالح من يواليهم ويلتحق بركب ولي أمره.

ومن هذا الواقع المتناقض مع سياقات الديمقراطية المزعومة، وتفشي المحسوبية واخضاع مصالح المواطنين لنزعاتها الشاذة، وانسياق قوىً واطراف سياسية طارئة في ركابها والتطبيل لها، يستمد دعاة اللاجدوى من المشاركة في الانتخابات، قناعاتهم السلبية، مراهنين، مثل كل العاجزين عن الفعل، على "قوى خفية سحرية" تنقذهم مما هم فيه من استكانة ومن واقعٍ يزداد سوءاً كلما تكرست قناعتهم بالتخلي عن الإسهام في التغيير باعتماد إرادتهم الحرة القادرة على اجتراح المعجزات.

(٣)
ويرى بعض الناس، ان التكالب على امتيازات السلطة، من قبل الفريق الحاكم، والارتكابات التي يدينها الدستور والتي تورط فيها المالكي، وفريقه طوال الولاية المنتهية، هي التي تزيده اصراراً على التشبث بالسلطة، والإمعان في ارتكاب أية مخالفة دستورية تؤمّن له البقاء فيها. وعلى افتراض صحة هذا التقدير، فإن تشبثه بالحكم يصبح اقرب الى المحال، مهما حاول، اذا ما توحدت الإرادة الشعبية عبر ممارسة حقها في الإدلاء بـ "صوت الضمير" في الثلاثين من الشهر الحالي، وخيّبَت بذلك آمال دعاته ومريديه، بالحصول على اغلبية مريحة تمكّنه من المناورة وفرض شروطه بتشكيل الحكومة القادمة، أو بتعطيل تشكيلها، ووضع البلاد لفترة طويلة في حالة أزمة دستورية وفراغ سياسي. يواصل خلالها ادارة الحكم ولو بتصريف الاعمال.

ولا بد من التأكيد لكل المواطنين ممن يتوقون لتغيير احوالهم المزرية، أن جانباً من مناورة انصار المالكي ودولة اللا قانون في تحقيق مكسبٍ جانبي، يعتمد على إيهام الرأي العام بانهم سيحققون فوزاً كاسحاً، في كل الأحوال، وبالتالي، فان المراهنة على إزاحتهم من السلطة، ستبدو ضرباً من الأوهام! ويتبجح هؤلاء بانهم سيحققون خرقاً غير مسبوق، وفوق كل توقع من حيث النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات، وذلك بالحصول على "ثلثي أصوات الشيعة"! ويعني هذا بلغة الأرقام بانهم سيُخرجون التيار الصدري والمجلس الأعلى من المعادلة السياسية، فيكون لهم تقرير اتجاه الحكم والحاكمين! وهذا هو عين الوهم، وأضغاث حلم فاسد في ظهيرة "يوم مَطير، في عز شهر آب اللهاب"..!

ويريدون بغوايتهم هذه ضخ ريح فاسدة في اجواء الانتخابات، وتعميق اليأس في نفوس المواطنين المترددين عن المشاركة في الاقتراع اصلاً. وهي ليست مبالغة تُناقِض منطق موازين القوى فحسب، بل هي تعبيرٌ اصيل عن نهجٍ طالما استمرأه فريق الحكم في الادعاء المجرد عن الحقيقة والانجاز. ان العراقيين يتذكرون الصولات الاعلامية والسياسية للمالكي، ضد مظاهرات ساحة التحرير، وساحات مدن العراق كلها، وما ساقه من اتهامات باطلة ضدها، والتحريض على المشاركين فيها، باعتبارهم"من انصار حزب البعث، ومن الموالين للارهاب" وغيرها من التهم الباطلة . كما انهم يتذكرون الوعود العرقوبية، بتحقيق مطالب المحافظات بالإعمار وتأمين خدمات الكهرباء والماء الصالح للشرب والمجاري الصحية، وإنهاء البطالة وبناء مساكن للأرامل وعوائل الشهداء، والقضاء المبرم على الارهاب وتجفيف منابع ومصادر التكفيريين.

وهو نفسه الذي جعل من عبعوب أمين بغداد بعد ان اكتشف الصخرة المتآمرة التي كانت سبباً بإغراق العاصمة ومدن عراقية في اقصى الجنوب والوسط والغرب!

أليس المالكي، صاحب ملفات الفساد التي لازال يلوّح بها طوال ولايتيه دون انقطاع، ليستدرك اخيراً بالقول انه عاجزٌ عن تقديم اي ملفٍ لأنها ناقصة لم ينجح في استكمال شروطها، لان المسؤولين ورجال الأعمال يخشون من تزويده بالمعلومات الدامغة!

أينسى الناس، تعريضه بالقوات المسلحة وضباطه الكبار الذين عبروا عن "جبنهم وترددهم" في ملاحقة رجل أعمال اعزل، فما كان من ولده الهمام احمد نوري المالكي الا ان يستأذنه فيقود سرباً من القوات الاتحادية "فينقّض" على الهدف، ويكبس شركة رجل الأعمال ويعود منها بستة مليارات دينار وكواتم، ناسياً الإشارة الى " ٣٦.. جنريتر" ولا يعرف احد مصير المليارات المقبوض عليها، او لم يتسع الوقت للمالكي ليقرر مصيرها.

لقد استطاع فريق المالكي، بعد ان عاد اليه بعض المبعدين من حزب الدعوة، اطلاق عشرات المواقع الخبرية والصحف الصفراء واستمالة فضائيات وتحييد اعلاميين، وتحريك بعضها للتشهير والتسقيط السياسي والشخصي. ولم يتعفف المشرفون على هذه التصنيفات الاعلامية من استخدام ارخص الأساليب في التشهير، مما كان يستخدمه انصار الدكتاتورية السابقة ضد المعارضين، وبعضها من انجازات "سرسرية" بغداد!

أيستنكف هذا الفريق من ادعاء اكتساح الشارع الشيعي، وتحقيق أغلبية تُعيد مختارها الى ولاية ثالثة ..؟!

(٤)
على من يستسيغ التفرج على المشهد السياسي وهو يتردى اكثر، ويقود العراق الى منحدرٍ لا سابق له، مفتوح على كل احتمال سيئ، ان يعلم بان التساهل في ابقاء دولة القانون في "وضع مريح" وليس كاسح، لن يضع مقدراتهم في مهب الريح الفاسد، بل سيودي بأمل التغيير في سبات سنوات قادمة حُبلى بانتكاسات تتوالد وأزماتٍ لا أحد قادر على التنبؤ بمآلها.

ان مراهنة اتباع المالكي على تجنب السقوط يعتمد على إكراه اكبر عدد من اليائسين والمستسلمين لواقع الحال، بالبقاء في حالة ترددٍ من فعل صوت الضمير، وتجاوز الإحساس بالعجز واجتراح الخيبة والمرارة وانتظار الذي يأتي ولا يأتي..!

والمسافة بين التردد والتفرج السلبي، والفعل القادر على التغيير، يختزله صندوق الاقتراع. والتحدي باجتياز المسافة بينهما..

(٥)
والمسافة بين عراقٍ يتعافى، وبلد تتقاذفه الأزمات، وتتناهبه الإرادات الفاسدة ولصوص المال العام، تجسده بالأرقام والوقائع والمعطيات ما أصاب العراق والعراقيين منذ ان انفرد المالكي بحكم البلاد، من سقوط في متاهات الخراب والإرهاب والتردي وضياع المستقبل.

وهي معطيات تفوق كل ما كان متوقعاً من سنوات نبقى فيها رهينة لمطامع طامحين باستنفاد خزائن العراق، وكرامة مواطنيه، وإذلالهم، وتحويل تمنياتهم الى يأسٍ وقنوطٍ واستسلام.

وأي معطىً أشد وقعاً من عسكرة الدولة والمجتمع، بحجة مكافحة الإرهاب والتكفير، وكلاهما، داعش والقاعدة يزحفان ويقتربان كل يومٍ من قلب عاصمتنا، ويضربان في كل اتجاه ويصيبان مقتلاً أينما أرادا الحاق المزيد من الإذلال بشعبنا..؟

أليس في هذا وحده سبب ومحرض لكل مواطنٍ شريف، يرفض الإذلال، أن ينهض ويتقدم للانضمام الى إرادة التغيير..؟

(٦)
اذا كان ثمة متردد ومراهن على الغيب، والقوى الخاملة، لإنقاذه من مصير مجهول ، فليتابع مرشحي دولة القانون من الأقارب الخلّص للمالكي، الذين توزعوا على قوائم بغداد والنجف وكربلاء والبصرة وغيرها!

أليس في هذا إنذار على انحدار قادمٍ تصبح فيه الدولة فاشلة نفسها، تحت وصاية عائلة المختار وعشيرة ما ننطيها، ويصبح القائم الآن مدينة فاضلة مقارنة بالآتي الظلامي..؟

ألا يكفي هذا التحدي على تحريضك لتشارك وتصوت وتعتمد نوازع الضمير، وأنت تحقق بذلك احد امرين كلاهما خطوة على طريق التغيير:

تحجيم فريق المالكي، ووضع فريق اللصوص تحت مجهر الملاحقة بالشبهة والجرم المشهود، وإفشال أية دالة لهم في العهد الجديد..

وإيصال صوت الضمير الى البرلمان القادم، خارج دائرة اللصوص ومغتصبي السلطة..
وكلاهما خيارنا للتصويت لمن يريد ان يكون تجلياً لإرادة تحالف مدني ديمقراطي..!
 

المدى
العدد (3068) 27/4/2014


 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات