| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الجمعة 27/11/ 2009



الظاهر والمستتر
حول عسر ولادة قانون الانتخابات البرلمانية العراقية في 2010

حميد الحريزي *

من المعلوم لكل منظري ومفكري الحراك السياسي في إي بلد من البلدان أو في إي مجتمع إنما يعزونه إلى تركيبة هذا المجتمع الطبقية وطبيعة الصراع الدائر بين هذه الطبقات أو الفئات الاجتماعية في دفاع كل منها عن مصالحه ومكتسباته والتي أصبح مقدار ضمانها وتحققها بمقدار حضور هذه الفئة أو الطبقة ضمن الفئة السياسية المهيمنة على السلطة وسطوتها في إدارة مؤسسات الدولة.

بمعنى إن الحراك يدور ضمن دائرة الفئات والطبقات وليس ضمن دائرة الاثنيات والطوائف والقبائل، هذه التوصيفات التي هي ليست أكثر تمظهر وتجسيد للحراك الأول وليس العكس.
إن من يستحوذ على الثروة والجاه من خلال صولجان السياسة، أداة القمع للقوى المستغَلة والمهدورة حقوقها وكرامتها، يسعى ويستميت من اجل تشويه صورة الصراع وطبيعته فبدلا من أن يكون صراعا اجتماعيا بين قوى مستغلة وقوى مستَغلة وهي الأغلبية، يصار إلى تصوير الصراع على انه صراعا بين أعراق وقوميات وطوائف وعشائر وغالبا ما تحرز هذه القوى النجاح في سعيها هذا في البلدان المتخلفة الذي لازالت تدور في محيط المجتمع الأهلي ما قبل الحداثة والمدنية، فتقدح في ثناياه روح العرقية والطائفية والعشائرية لاستعار نار كادت تخبو، لإحكام هيمنتها على قيادته وانقياده بما يخدم تأبيد سيطرتها واستغلالها،كما إن هذا المسعى يحوز على درجات عالية من النجاح في ظل واقع الميوعة الطبقية في هذه البلدان نتيجة للقطع القهري لصيرورة تطورها الاقتصادي والاجتماعي بفعل السيطرة العسكرية والاقتصادية والثقافية لقوى الرأسمال العالمي المتطور باعتبارها بلدانا تابعة.

يحرز هذا التوجه مزيدا من النجاح في الدول الريعية وخصوص دول الريع النفطي حيث تطغى صفة الاستهلاك على صفة الإنتاج على عموم شرائح المجتمع وبالتالي تمتلك الفئات الطفيلية الحاكمة ثروة مالية كبيرة من ريع النفط قادرة على تسكين وتدجين كتلة كبيرة من شعوبها تبدو غير واضحة المعالم والصفات، يهيمن سلوك القردنة والثعلبة والتسول الأخلاقي واللامبدئية هو السائد في تفسير حالة الصعود والنزول في السلم والمراتبية الاجتماعية وليس موقع الفئة أو الطبقة في عملية الإنتاج الاقتصادي والثقافي.

في واقع العراق اليوم الطبقة السياسية المهيمنة على سدة الحكم بالتخادم والتناغم إن لم نقل التبعية لقوى الاحتلال والاستغلال إنما هي خير مثال ونموذج لما تقدم ذكره ، هذه الطبقة التي صنعها المحتل من مستنقع العرقية والطائفية التي كانت مستترة خلف قناع القومانية البعثية بشكل ظاهر وسيطرة الطائفة السنية والشوفينية العروبية والعشائرية من أقارب الحكم وحاشيته في الواقع الفعلي ، بمعنى إن قوى الاحتلال لم تستورد خدامها من خارج البلاد وإنما استنهضت هممهم وأخرجت بعض رموز ألطائفية والعرقية والعشائرية من سراديب القمع ألصدامي أحادي الولاء لتزج بها في فوضى سوق هرج ((الديمقراطية)) الاحتلالية ليركب كل منها حصان مظلوميته تحت ستار قوماني أو طائفي أو عشائري في حين خنقت تحت ستار كثيف من التزييف والتحريف والتجريف كل مظاهر صراع الطبقات والفئات الاجتماعية واستلاب وعيها وتجفيف كل ركائز نموها وتطورها واصطفافها ناهيك عن تنظيمها، فأوقفت أو دمرت عجلة الإنتاج الزراعي والصناعي وجندت المنتج الثقافي ليصب في مستنقع المحاصصة الطائفية والعرقية وترهيب وترغيب من لم يركب في مركبها وهانحن نشهد التصفيات الجسدية للعديد من المفكرين وأصحاب الأقلام الحرة ممن يكشفون ستر الحكام ويفضحون عمليات النهب والفساد والإفساد.

إن بنية وتركيبة هذه الطبقة السياسية المهيمنة على سدة الحكم بعد الاحتلال هي قوى طفيلية تابعة من بقايا الإقطاع مولد طبقة تجارية عقارية ووكلاء رأسمال عالمي طفيلي غير منتج، كطحالب متسرطنة تمكنت من عرقلة إن لم يكن خنق طبقة برجوازية وطنية منتجة سواء في الريف أو المدينة وبالتالي أجهضت موضوع ولادة طبقة عاملة قادرة إن تعي ذاتها وتخلق أداتها في الكفاح من اجل الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة باعتبارها الطبقة ذات المصلحة الأولى في ترسيخ بني العدالة والديمقراطية وحرية الإنسان مواطن حر،فها نحن نستورد كل احتياجاتنا من الحذاء إلى الطائرة من الطماطة إلى الماء!!!!

أهم ميزات هذه الطبقة كونها اقصائية استحواذية أنانية لا تؤمن بالمشاركة ولا بالشريك ولا يعنيها مفهوم الوطن والمواطنة لا بقدر ما يدر عليها من إرباح وامتيازات غير مشروعة، وكونها هي وليدة غياب ووأد مفهوم الوطنية والمواطن منذ قيام الدولة لعراقية برئاسة ملك مستورد وبحضانة ورعاية الاستعمار البريطاني ولحين التاريخ فكأننا نعود إلى الوراء لما يقارب القرن من الزمان ولكن بوجه أكثر وحشية وبشاعة وزيف اكبر بكثير.

((علم ودستور ومجلس امة كل        عن المعنى الصحيح محرف))

فالمستعمر جاء الآن تحت غطاء الديمقراطية وقيام دولة الحداثة والحرية والمؤسسات ولكن المفارقة أنها تريد إن تقيم دولة الحداثة بأدوات ما قبل ألحداثة والمدنية، فبدلا من الطبقة والحزب والمنظمة تحاول إن تبني بالطائفة والعرق و والعشيرة مكونات المجتمع الأهلي وليس المدني.
هذه اللوحة أنتجت صراعا بين تراكيز مختلفة للون واحد داخل أواني عملية سياسية مستطرقة مطلوب إن لا يعلو مستوى إحداها على الآخر بقوة الموضوع وقوة السيد المحتل وهو يرقب من بعد وبقلب تغمره المسرة والاطمئنان صراع ديكته بعد إن وضعها في حلبة الصراع الطائفي والعرقي والعشائري حيث يسعى كل منها ليكون وحيدا داخل الحلبة بالقضاء والإقصاء لغريمه في الصراع الدموي وقوده عامة أبناء الشعب المقهور والممهور بختم الفتاوى والمبهور ببريق شعارات((الديمقراطية)) كل همه أن تكون ديكته منشغلة بعراكها ليستحوذ على طبق طعامها دون أن تحصل منه إلا على حبات فاسدة ، متناسية هذه ألديكه أنها تابعة لمالك وراع واحد لا يريد الهزيمة ولا الانتصار لأي منها كأراجيز تتحكم بحركتها أصابع مستترة خلف برقع الديمقراطية ،
غياب النقيض الفاعل والقوي المنظم والواعي ، سيبقي الطبقة المهيمنة على السلطة الآن في صراع ونزاع مصالح وامتيازات ضيقة ليحوز كل منها الحصة الأكبر والموقع الأخطر في هرم السلطة في ظل وضع مريح، طبقة تستتر خلف دخان الحرائق ويغطي صراخ وعراك أطرافها حول المغانم والمكاسب أصوات الانفجاريات التي وقودها أبناء الشعب الأبرياء.

من كل ما سبق نخلص إلى الرؤية الواضحة للأسباب الكامنة وراء عسر ولادة قانون الانتخابات بما ينذر بانفلات امني خطير وشبح مرعب للاقتتال الطائفي والعرقي المقيت.
إن الوضع الراهن وما وصلت إليه ((العملية السياسية)) من مأزق وأزمة خانقة ، واستشراء الفساد والنهب والمحسوبية وعدم الكفاءة في كافة مفاصل السلطة يتطلب إعادة نظر شاملة بكل مرتكزاتها وبالخصوص ركيزتها القاتلة :-المحاصصة الطائفية العرقية بقيادة بريمر، وإعادة صياغة الدستور الحاضر نصا والمعطل والمعاق والملتبس فعلا وقد عجزت كل محاولات الطبقة الحاكمة عن إعادة صياغته وترقيعه لأنها اعتمدت نفس الأيدي الطائفية والعرقية التي أودعته كل حالات الشلل والخلل وسوء الفهم والالتباس التي يعاني منها.
يجب رفع عباءة الدين السياسي وكوفية القوماني الشوفيني والعشائري عن قبة البرلمان ، والتخلص من الهيمنة العسكرية والاقتصادية والسياسية لقوى الاحتلال وفق قيام علاقات تعاون وصداقة بين الشعوب على أساس متكافئ.
إن فهمنا لحالة العسر والاختناق في العملية السياسية الحالية يتطلب استثارت همم كل القوى الوطنية والديمقراطية واليسارية وكل أحرار العراق لدرء أية محاولة لتأجيج نيران الطائفية أو العرقية من جديد لتكون ذريعة وغطاء لإطالة عمر الاحتلال واستباحته لسيادة البلاد ونهب ثروات الشعب والإعداد لعودة ديكتاتور جديد كمخلص ضرورة ، إن الجميع يجب أن يكونوا بمستوى مسئولياتهم الوطنية والطبقية وهذه مهمة لا تقبل التأويل ولا التأجيل.


*
رئيس تحرير مجلة الحرية
عضو هيئة تحرير شبكة عراقنا الاخبارية الالكترونية

 

free web counter

 

أرشيف المقالات