| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 27/12/ 2011

 

جمعية الطلبة العراقيين في المملكة المتحدة

قحطان حبيب الملاك

لقد كان لزخم الحركة الوطنية في العراق بعد الحرب العالمية الثانية أثره الكبير في التوجه الفكري والحياتي للشباب... فكان أن برزت التجمعات الطلابية في المدارس والكليات، توجت هذه الحركة الطلابية بقيادتها لوثبة كانون عام 1948... والانتفاضة العارمة ضد معاهدة بروتسموث في عام 1948 كذلك والتي أرادت فيها بريطانيا أن تكبل العراق بمعاهدة دفاع تجعل منه تابعاً لها في إستراتيجيتها العسكرية... والنتيجة كانت أن أسقطت وثبة كانون هذه المعاهدة وأدت إلى هروب نوري السعيد وصالح جبر إلى خارج العراق.. ومن تلك المنطلقات أخذت الحركة تبرز فيها اتحاداتها الطلابية التي سعت إلى لم شمل الطلاب في وحدة حركية في عموم القطر... وكان أن انعقد مؤتمر السباع في عام 1948 ليعلن تشكيل اتحاد الطلبة العراقي... ونسب اسم المؤتمر المذكور إلى ساحة السباع الحالية التي انعقد فيها... ومن تلك المجاميع الطلابية من سافر في بعثات دراسية أو على حسابهم الخاص إلى أوربا وبالأخص إلى المملكة المتحدة (بريطانيا)، وكانت مجموعة طلبة بريطانيا تتميز بنشاطها الفكري والاجتماعي وخلفيتها في العمل الطلابي التي اكتسبتها من عملها في العراق... وبدأت مداولاتهم الفكرية من شعورهم الخاص بالحاجة إلى تجمع طلابي يلم شمل الطلبة في بريطانيا ويأخذ على عاتقه الدفاع عن مصالحهم وتقوية روابط العلاقة بينهم وبصرف النظر عن توجهاتهم الفكرية وبعد أن بدأت أعدادهم في التزايد... وبعد اجتماعات عديدة عقدوها فيما بينهم، دعوا إلى اجتماع عام في عطلة عيد الميلاد من عام 1951 فلبى دعوته ما يقارب الخمسين طالباً، اجتمعوا في أحد قاعات لندن واتفقوا بصورة جماعية على تأسيس جمعية طلابية منهم، سميت (جمعية الطلبة العراقيين في المملكة المتحدة).. وكان من أولئك الذين حضروا ذلك الاجتماع: عصام صبري طعيمة، كريم الشماع، شاكر السامرائي، يحيى، علي هادي الجابري، طالب شبيب، إبراهيم علاوي، إبراهيم الشيخ نوري، عبد الأمير الرفيعي، عبد الجبار عوض، أحمد الدوغجي، محمد الظاهر، نديم محمد طيب، نزهت محمد طيب، ارتين آندريا، إبراهيم الوكيل، أسعد الشبيبي، غازي درويش، محمد سلمان حسن، نوزاد ماجد مصطفى؛ والذي كان أول رئيس للجمعية في العام 1951... لقد كان لانبثاق هذا التنظيم الطلابي الأول للطلبة العراقيين في لندن أثره البالغ في نوعية التجمع والتحرك الطلابي في الخارج. لم تكن جمعية الطلبة العراقيين في المملكة المتحدة وإيرلندا كغيرها من الجمعيات الطلابية التي تأسست لاحقاً في أوربا، بل هي كانت، وبحق مدرسة لأجيال عديدة من الطلاب الذين توجهوا في دراساتهم إلى المملكة المتحدة سواء على نفقة وزارة المعارف آنذاك أو على نفقتهم الخاصة... لقد كانوا طلبة شباباً تخرجوا من دراساتهم الإعدادية في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، وسافروا وهم في ذلك العمر للدراسة والاغتراب في تلك البلاد البعيدة.. ولم الأمهات تستوعب هذه الفرقة والغربة لأولادهن فكانت صدمة بالنسبة لهذا الطالب الشاب الخجول مثل تلك القفزة النوعية في الحياة... ويمكن أن تقول عنه أنه كان كالطفل عند ركوبه الطائرة أو عند سفره عن طريق البر إلى بيروت ومن ثم إلى لندن أو باريس.. بالباخرة.. كان اسم لندن كبيراً بالنسبة لكل واحد منهم، وكان يعني الكثير.. وكانت بريطانيا قد خرجت لتوها من الحرب مثقلة بالجراح والمدن مليئة بركامات القصف في كل مكان.. ولكن في الوقت نفسه كانت الحركة السياسية التقدمية الديمقراطية في أوجها.. كانت الجماهير منتفضة، والعمال في هرج ومرج وبنفس الوقت، كان كل شيء منتظم.. وكان على الشاب منا أن يعرف طريقه ومكانه في مثل تلك الحالة الاجتماعية والسياسية لتلك الدولة العظمى المتعبة.. وهناك في ذلك التجمع الطلابي.. وجد الشاب العراقي الجديد المغترب ضالته في ذلك التنظيم الذي يجمعه مع زملاءه الآخرين من الطلبة، ووجدت نوع من العلاقة والآصرة بينهم حيث جمعتهم بروح قوية مع بعض بعيداً عن كل التناقضات الفكرية بينهم.. ابتدأت معها مرحلة الوعي الثقافي والسياسي والاجتماعي لهؤلاء الشباب الجدد الذين وطأت أقدامهم لتوهم مدينة الضباب.. لقد كان لانبثاق هذا التنظيم الطلابي الأول في أوربا ولندن بالأخص، أثره البالغ في نوعية هذا التجمع والتحرك الطلابي في الخارج.. وبدأت الجمعية بوضع ميثاق ومنهج عمل لها. ومعها اتفق المؤتمرون على عقد مؤتمر سنوي في كل عام للتداول في شؤونهم وشؤون الجمعية، وكذلك اتفقوا على عقد مهرجان طلابي في الربيع من كل عام يأتي إليه الطلاب من كافة أنحاء المملكة المتحدة، وأنشأت للجمعية فروع في معظم الجامعات والمدن البريطانية، وأخذت الجمعية تشارك في تلك مؤتمرات الشبيبة والطلبة التي تعقد في أوربا، وكذلك توزعت نشاطاتها من خلال اللجان التي انبثقت من اللجنة التنفيذية وأصبحت لها فاعلية هامة في نشاطات الجامعة البريطانية والمنظمات المناهضة للأسلحة الذرية، واللجان الخاصة بالشرق الأوسط في مجلس العموم البريطاني، وكذلك أصدرت الجمعية مجلتها الفصلية (وحدة الطلبة) والتي أصبحت بحق منبراً فكرياً لكل الطلبة العراقيين للتعبير عن أفكارهم وطروحاتهم الأدبية والفكرية.. بعدها بدأت بإصدار مجلتها باللغة الإنكليزية والتي امتد توزيعها إلى معظم الجامعات البريطانية والمنظمات السياسية في البلد.. ومنذ أن ابدأ تنظيم نزع الأسلحة الذرية نشاطاته في بريطانيا، في منتصف الخمسينيات كان بعض أعضاء الجمعية من المشاركين المغالين في مسرات وتظاهرات هذا التنظيم، والذي كان يعقد مسيرته الكبرى ذد الأسلحة الذرية في ربيع كل عام. وينطلق من مدينة الدرماستن - مركز مختبرات الأسلحة الذرية-، متوجهاً إلى لندن مسافة تقارب التسعين كيلو متر، وستمر المسيرة لمدة ثلاثة أيام بلياليها لتنتهي في لندن ف يميدان الطرف الآخر حيث يحضر عدد من كبار الشخصيات السياسية والتعليمية والدينية والفنية، وعلى رأسهم أسقف كانتربري، والمغني بول روبسن، ورجل السلام الفيلسوف برتراند رسل، وكثيرون غيرهم من أعضاء البرلمان والاتحادات العمالية والطلابية والشبابية حتى كان يزيد عدد المتظاهرين عن المائة ألف متظاهر.

من هذا الحقل الأخضر اليانع تخرج مجموعة من الشباب من الجامعات والكليات والمعاهد البريطانية، وكانوا بحق من ألمع المهندسين والعلماء والمفكرين في العراق، خدموا في دوائر الدولة بكل تفان وإخلاص وأمانة، وأخذوا على عاتقهم هذا الجهد. وعندما أشنأت لجنة الطاقة الذرية وبدأت الدراسات والخطوات الأولية لتأسيس المشروع النووي العراقي، كانوا هم من وضعوا الأسس لبناء عراقي ونظرية عراقية صرفة في التفاعل النووي أدهشت الخبراء الذين أتوا للتفتيش عن الأسلحة العراقية، لكن وللأسف الشديد ذهب كل ذلك الجهد والإبداع أدراج الرياح.

لقد قدمت هذه الجمعية بعضاً من أعضاءها النشيطين شهداء لمذبح الحرية في انقلاب عام 1963 الدموي، حيث ألقي القبض على واحد من ألمع المهندسين وأحد رؤساء الجمعية، وهو الشهيد عبد الخالق البياتي الذي عذب في قصر النهاية، ووافته المنية في أقبية التعذيب على أيدي جلادي قصر النهاية من ذلك العام. وكذلك ألقي القبض على شخصية لامعة من خريجي بريطانيا ومن ناشطي الجمعية، وهو المرحوم سعيد تويج، الذي عذب هو الآخر في ذلك القصر المشؤوم - قصر النهاية- حتى فقد عقله! فأطلقوا سراحه بعد فترة طويلة، وكان في حالة تامة من عدم الوعي والإدراك، حتى أنه لم يكن يتمكن من معرفة أصحابه وزملاءه، ثم مات بعد فترة وجيزة. والشهيد أسعد محمد رضا الشبيبي، المهندس اللامع والشاعر المبدع، شاعر الجمعية، الذي اختطفته أجهزة أمن حكومة البعث الفاشي الصدامي في انقلابها الثاني من عام 1968، ومات تحت التعذيب ولم يسلم رفاته إلى ذويه. وكذلك الشهيد دارا توفيق الصالحي، المناضل الصلب والشاب الوديع الدائم الابتسامة، والذي اعتقلته السلطة البعثية وقتل على أيديها ولم تسلم جثمانه الطاهر إلى ذويه أيضاً. أما الشهيد خالد أحمد زكي رئيس الجمعية في عام 1960، فقد كان شهيد انتفاضة الأهوار في عام 1968 إذ قادها بنفسه، حتى استشهد في معركة غير متكافئة هناك في الأهوار.

لقد كان فتى لامع، ومتواضع أخذ مكانه في الحركة الطلابية منذ أول قدومه إلى بريطانيا، وهو كان قد سبق أن زاول العمل السياسي والطلابي في العراق. كان خالد فتى وسيما بسيطاً عفوياً، يتحدث بهدوء وبساطة وطلاقة، وعندما أصبح رئيساً لجمعية كانت الجمعية قد أخذت مساراً جديداً مواكباً لحركة النضال الجماهيري في القطر والداخل، وامتدت علاقاتها مع الكثير من المنظمات البريطانية حتى أصبح وجودها مؤثراً في الجامعات وأخذت تشارك في المهرجانات السنوية لهذه الجامعات. وصار يرتفع علم العراق مع الدول الأخرى المشاركة في هذه الفعاليات، ولعب الشهيد خالد زكي دوراً أساسياً في هذا النشاط، وأصبحت للجمعية علاقات متينة مع منظمة رسل للسلام التي يرأسها الفيلسوف برتراند رسل، والذي احتضن الشاب خالد ليصبح من ضمن لجنة السكرتارية التابعة له، واحتضنه أكثر بعد انقلاب عام 1963 والحملة الشعواء على الديمقراطية والديمقراطيين في العراق، في الداخل والخارج، ومن خلال وجوده في هذه المنظمة استطاع خالد أن يسمع صوت العراق المدافع عن الحرية إلى العالم. وتمكن من خلال الحماية التي أولاها له رسل من الخروج سالماً من هذه الهجمة التي شنتها عصابات القتل والتخويف في الداخل والخارج لكل العناصر الوطنية، لكنه لم يستطع أن يبقى بعيداً عن مجريات الأحداث في وطنه وكان أن قرر العودة للمشاركة في العمل النضالي من أجل تخليص العراق من براثن الرجعية والعملاء، وعاد إلى العراق في عام 1967 ليبدأ نشاطه السياسي الثوري في داخل الوطن، وانتهت بخروجه هو وجماعته القيادة المركزية - القيادة المركزية- إلى الأهوار لتبدأ مسيرتهم الثورية من هناك ... مسيرة تاريخية نادرة في تاريخ الحركة الوطنية العراقية وكان يمكن لها أن تغير وجهة العراق لو لم يطعن بها ويغدر من الداخل.

لقد كانت مسيرة رجال مؤمنون بقضية وطنهم الثورية، مؤمنون بأنه يجب تغيير الوجه السياسي الرجعي للعراق بروح ثورية، لكن الظروف لم تساندهم لتحقيق أمانيهم وآمالهم.

أما من فصل وعزل أو أدخل سجون ومعتقلات الحكومات الفاشية البعثية، وتعرض للتعذيب، فهم أعداد كبيرة جداً، وقسم منهم توفي بعد اعتقاله، مثل الدكتور محمد سلمان حسن الاقتصادي الفذ اللامع والذي تعرض للسجن والتعذيب وتوفي بعد خروجه من السجن في أوائل السبعينيات، وعلى أكثر احتمال نتيجة حقنة سامة.

هكذا كانت وباختصار جمعية الطلبة العراقيين في المملكة المتحدة، مدرسة أخلاقية وسياسية وثقافية فكرية لكل هؤلاء الشباب الذين انتموا إليها وعملوا تحت لواءها... جمعية قدمت ضحاياها في مسيرة الحركة الوطنية، ولم تتخلف عنها، بل كانت في المقدمة، عمل شبابها بكل جد وإخلاص من أجل بناء الوطن وقدم بعضهم حياته من أجل هذا الوطن العريق، وكان آخرهم الشهيد محمد محمود عبد الرحمن، الذي كان رئيساً للجمعية وسكرتيراً لنقابة المهندسين، واستشهد مع ابنه في عمل إرهابي دنيء في أربيل في 1/2/2004.

فلنتذكر دوماً الشهيد عبد الخالق البياتي، والشهيد خالد أحمد زكي والشهيد أسعد الشبيبي والشهيد دارا توفيق الصالحي، والشهيد محمد سلمان حسن، والشهيد محمد محمود عبد الرحمن. تلك الرموز الخيرة من رموز الوطن والجمعية، وشهداء الطلبة العراقيين في المملكة المتحدة.

ملاحظة ونداء

إلى الباقين الأحياء من الشباب الذين عملوا وعاصروا جمعية الطلبة العراقيين في المملكة المتحدة، أرجو منهم أن يوافوني بذكرياتهم أو ما لديهم من صور قد يحتفظون بها عن نشاطات ومؤتمرات ومهرجانات الجمعية آنذاك. من أجل توثيق هذا التاريخ الخالد لهذه الجمعية، والذي هو جزء من تاريخ الحركة الطلابية والوطنية العراقية، والذي كان لشباب هذه الجمعية الدور الأول في بناء العراق منذ الخمسينيات من القرن الماضي.

فيا حبذا يجد ندائي هذا من يلبيه قبل فوات الأوان، لتوثيق تاريخ هذه الجمعية العزيزة علينا.



 

 

 

 

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات