| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 27/5/ 2009



موضوعة تعديل الدساتير ، الدستور العراقي نموذجا

د. حكمت حكيم

ان دستور اية دولة من دول العالم ، يعتبر تجسيدا و انعكاسا للظروف التي يعيشها شعب هذه الدولة او تلك من الناحية السياسية او الاقتصادية و القانونية والاجتماعية، وفي كافة المجالات الاخرى المتعلقة بظروف المجتمع خلال فترة زمنية محددة، هذا ولما كانت كافة الظروف والاوضاع لأي مجتمع من المجتمعات تخضع لقانون التطور ، لذا من المتفق عليه في الفقه الدستوري بانه من غير الجائز النظر الى دستور اية دولة في العالم نظرة الثبات الدائم غير القابل للتغيير والتعديل، لان فكرة الجمود المطلق للدستور لا يمكن تحقيقها على الاطلاق من الناحية العملية ، وبالتالي فان الدستور الذي لا يسمح بإجراء التعديلات عليه يقضي على نفسه بالفشل والإلغاء عن طريق الانقلاب (القوة) ، الأمر الذي يتطلب من كافة القوى والاحزاب السياسية والكتل البرلمانية في العراق والمشاركة بالعملية السياسية حاليا التمسك بما تم انجازه خلال المرحلة السابقة التي اعقبت سقوط النظام الدكتاتوري في 9-4-2003 من اجل الدفع بالعملية السياسية قدماً الى الامام وانجاز مهامها الاساسية وفي مقدمتها ترسيخ وتطوير النظام الديمقراطي الاتحادي التعددي التداولي عن طريق صناديق الاقتراع الذي يجسد مبدأ تدوال السلطة بشكل سلمي .

استنادا الى المقدمة الموجزة التي اوردناها ، ننتقل الى مناقشة موضوعة تعديل الدستور العراقي نموذجا ، مبتدئين بطرح السؤال التالي : اين تكمن ضرورة تعديل الدستور العراقي ؟! وللإجابة على هذا السؤال لابد لنا من الاشارة الى المادتين / 142 و126 من الدستور .

نصت المادة /142 من الباب السادس/ الفصل الثاني المتضمن للاحكام الانتقالية على : ( اولا – يشكل مجلس النواب في بداية عمله لجنة من اعضائه تكون ممثلة للمكونات الرئيسة للمجتمع العراقي ، مهمتها تقديم تقرير الى مجلس النواب ، خلال مدة لا تتجاوز اربعة اشهر يتضمن ، توصية بالتعديلات الضرورية التي يمكن اجرائها على الدستور ، وتحل اللجنة بعد البت في مقترحاتها) .ان نص المادة اعلاه جرى تضمينه في الدستور نتيجة التوافقات التي ابرمت بين كافة القوى والكتل البرلمانية المشاركة في العملية السياسية وذلك عشية اجراء الاستفتاء على مسودة الدستور التي جرت في 15-10-2005 حيث كان الهدف منها طمأنة المواطن العراقي الذي لديه بعض الملاحظات السلبية على الدستور للوقوف الى جانب الموافقة عليه في الاستفتاء العام ، هذا اولا ، وثانيا ان ايراد المادة 142 المشار اليها اعلاه تعني بان كافة القوى السياسية و الكتل البرلمانية في مجلس النواب العراقي متفقة على ضرورة اجراء التعديلات على الدستور العراقي وعلى هذا الاساس جرى تشكيل اللجنة الدستورية بعد انتخابات مجلس النواب التي جرت في 15-12-2005 كما نصت على ذلك المادة / 142 من الدستور .

ان اللجنة الدستورية التي تم تشكيلها استطاعت حتى الان ان تقدم اكثر من خمسين مقترحا حول التعديلات الدستورية الا ان اللجنة لم تستطع انجاز ما كلفت به بسبب عدم حصول التوافق بين القوى السياسسية والكتل البرلمانية على عدد غير قليل من المواد الدستورية ، وفي هذا السياق - وكما يعلم الجميع - بإمكاننا التأكيد ان الدستور العراقي كتب من قبل كافة القوى السياسية والكتل البرلمانية عن طريق التوافق ، وبالتالي فأن اجراء اي تعديل عليه من الضروري ان يجري كذلك من خلال التوافقات بين تلك القوى التي قامت بكتابته ، وعلى هذا الاساس اقترح ارجاء موضوعة التعديلات الدستورية الى مجلس النواب القادم الذي سينتخب في 31-1-2010 لان مجلس النواب الحالي سوف لن يكن قادرا على انجاز التعديلات الدستورية لاسباب كثيرة نحن في غنى عن الدخول في تفصيلاتها ، ولكن يمكننا القول حالياً كواحد من تلك الاسباب هي المدة المتبقية من عمر مجلس النواب الحالي والتي لا تتعدى عن ستة اشهر.

نصت المادة / 126 من الباب السادس / الفصل الاول المتعلق بالاحكام الختامية على : ( ثانيا : لا يجوز تعديل المباديء الاساسية الواردة في الباب الاول والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور، الا بعد مرور دورتين انتخابيتين متعاقبتين ، وبناءا على موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب عليه ، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة ايام ) .

كما اشارت نفس المادة على : ( رابعا : لا يجوز اجراء اي تعديل على مواد الدستور ، من شأنه ان ينتقص من صلاحيات الأقاليم التي لا تكون داخلة ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية ، الا بموافقة السلطة التشريعية في الاقليم المعني ، وموافقة اغلبية سكانه باستفتاء عام) .

لقد اكدت المادة / 142 - كما اشرنا اليها اعلاه – على ضرورة اجراء التعديلات على الدستور الا ان المادة 126 تضمنت حظرا على اجراء التعديل على بعض المواد الدستورية ، فالفقرة الثانية من المادة / 126 حظرت من اجراء التعديلات الدستورية خلال فترة زمنية محددة جرى تحديدها بدورتين انتخابيتين متعاقبتين ، اما الفقرة الرابعة من نفس المادة المذكورة فانها حظرت التعديل وفقا للشروط المنصوص عليها في الفقرة المذكورة ، وهنا سؤال يطرح نفسه ... ما هو الحل ؟! .

وللإجابة على السؤال اقترح ما يلي :
1- اتمنى على كافة السياسيين العراقيين ان يلتزموا بإجراء التعديلات الدستورية وفقاً للشرعية القانونية ، لان اجراء التعديلات على الدستور تلحق اكبر الاضرار بالعملية السياسية اذا كانت تلك التعديلات بدوافع شخصية او حزبية ، على ان تقترن تلك التعديلات لمصلحة الشعب والوطن اولاً وقبل كل شيء ، انطلاقاً من كون الوثيقة الدستورية عقد اجتماعي تتسم نصوصه بصفة العلوية على كافة القوانين في البلاد .

2- ارجاء التعديلات الدستورية واناطة مهمة التعديلات لمجلس النواب القادم الذي سينتخب لجنة التعديلات الدستورية والتي يفترض ان تأخذ بنظر الاعتبار المقترحات التي انجزتها لجنة التعديلات الدستورية الحالية .

3- هناك اتفاق والتزام عام بين كافة القوى السياسية والكتل البرلمانية على ترسيخ النظام الديمقراطي الاتحادي القائم في العراق والذي حددته المادة الاولى من الدستور ، الامر الذي يتطلب من اللجنة الدستورية التي سيتم تشكيلها بعد انتخاب مجلس النواب القادم في بداية عام 2010 ، ان تقوم باجراء التعديلات الدستورية المتعلقة بجعل الدستور العراقي اكثر ديمقراطية و اقرب للتوجه العلماني واكثر انسجاماً مع روح العصر و متوافقاً مع الاعلانات الوطنية و الاقليمية والدولية لحقوق الانسان والمواثيق العالمية ، وان يساوي بالمطلق بين كافة المواطنين العراقيين رجالاً ونساءاً في الحقوق والواجبات اضافة الى ضرورة تعديل ديباجة الدستور التي يتطلب اعادة كتابتها بما ينسجم و يجسد نضالات العراقيين جميعاً وبدون استثناء انطلاقاً من كون العراق بلد متعدد القوميات والاديان والطوائف والتيارات السياسية والفكرية وتنظيف المواد الدستورية من كل ما يشير الى كونه طائفياً صراحة او ضمناً.

4- نصت المادة / الثانية من الدستور على :
اولاً : الاسلام دين الدولة الرسمي ، وهو مصدر اساس للتشريع .
أ – لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام .
ب – لا يجوز سن قانون يتعارض مع مباديء الديمقراطية .
ج – لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور .
ان نص الفقرات أ ، ب ، ج اكذوبة كبرى في الدستور العراقي ، على اللجنة الدستورية التي ستكلف بالتعديلات الدستورية التخلص منها لصالح جعل الدستور العراقي واضحاً وديمقراطياً ومنسجماً مع نفسه والنصوص الواردة فيه وبشكل خاص الباب الثاني المتعلق بالحقوق والحريات العامة والحقوق المدنية والسياسية ، ومن اجل ترجمة الاقوال الى افعال واقعية يتطلب من كافة القوى السياسية العراقية والكتل البرلمانية ، تأكيدها وبشكل عملي على ترسيخ النظام الديمقراطي الاتحادي في العراق .

5- نحن نعتقد بأن ما تم الاشارة اليه يشكل الاولوية في اجراء التعديلات الدستورية ، لان انجاز مثل هذه الاولويات سوف يشكل قاعدة في اعادة الثقة المتبادلة بين مختلف القوى السياسية العراقية والكتل البرلمانية ، لان التمسك والدفاع عن النظام الديمقراطي في العراق الذي صوّت الشعب العراقي الى جانبه لا يمكن له الاستمرار الا في ظل التعديلات الدستورية التي تجعل من الدستور العراقي دستوراً ديمقراطياً حقاً ينسجم مع نفسه ومع طموحات الشعب العراقي الذي صوّت لصالحه في الاستفتاء العام يوم 15-10-2005 .

6- بعد حزمة الإجراءات التي اشرنا اليها اعلاه في التعديلات الدستورية ، ستقوم اللجنة المكلفة بالتعديلات بعد التوافقات بين القوى السياسية والكتل البرلمانية بالخطوة الثانية من التعديلات الدستورية التي يُطالب بها بعض الساسة العراقيون وفي مقدمتهم السيد نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء العراقي وفقاً لما نصت عليه الفقرة الرابعة من المادة 126 من الدستور.



27-5-2009
 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات