| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 26/6/ 2012

   

مُدرستي رضّية السعداوي

نضال عبد الكريم

بعد عدة محطات مررت بها عندما تخلصت من هجمة النظام الدكتاتوري ضد الحزب الشيوعي عام 1978 ، وصلت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، هكذا كان اسم اليمن الجنوبي آنذاك ، ولأن الحكومة اليمنية فتحت ذراعيها لاستقبال الشيوعيين العراقيين فقد كانوا في اعداد كبيرة جدا ، التقيهم في كل مكان أذهب اليه ، ولم اكن قد اكملت دراستي في معهد الفنون الجميلة في بغداد ، اسكنوني مع خمس رفيقات وطفل صغير في غرفة كبيرة في عمارة يُطلق عليها البيكاجي والتي كانت تأوي في كل غرفها وطوابقها الثلاث شيوعيين عراقيين .

كان تحدي قبول الواقع الجديد ومواجهة المستقبل كبيرا جدا ، وانا لاأملك خبرة في الحياة ، لكن حميمية العراقيين  لها نكهة خاصة آنذاك ، فهم يساعدون بعضهم ، ابواب بيوتهم مفتوحة للضيوف لتناول وجبة غداء ، يغنون اغاني الحزب ويتسامرون في المساء ، مشاعرهم جياشة ، يتذكرون من تركوهم في العراق بحزن وأمل بلقاء في يوم ما .

خطوتي الاولى في مواجهة التحدي الجديد هو حصولي على عمل في تلفزيون عدن ، الخطوة الثانية هي تقديم امتحان للحصول على الشهادة الثانوية ، واشار احدهم باني استطيع طلب المساعدة في درس اللغة العربية من الرفيقة رضّية السعداوي .

زرتها في غرفة صغيرة هى عبارة عن مستودع تابع لغرفة اكبر كانت عائلة اختها تسكنها .، وجه دائري أسمر ، لازلت اتذكر ابتسامتها عند استقبالي ، ابتسامة ذات حنان عراقي ، كان لها ضفيرتين طويلتين بعض الشيئ .

بادرتني بالسؤال ان ارغب بكأس من الشاي ، انتبهت ان كل أدق تفاصيل مستلزمات الشاي في بيوتنا التي تركناها أمامها ، مثل طاسة صغيرة لغسل الاستكانات وموقد صغير ذا فتيلة واحدة وغير ذلك ، اضافة الى صحن من الكليجة لم اكن انتظره هنا في اليمن . في تلك اللحظات شبهتُ طيبتها وبساطتها بطيبة امي وبساطتها ، لكن امي لا تحفظ شعرا من المعلقات كما كانت رضّية تحفظ منه . 

وضعت لى برنامجا للدراسة ، نلتقي مرتين اسبوعيا  وفى كل مرة اجلس معها تجبرني طريقتها في التدريس ان اصغى لها بانتباه شديد ،  وكنت استمتع كثيرا باسلوب تدريسها ، وطريقة قراءتها للشعر ، واسلوب اعراب الكلمات وتحريك الآحرف . كانت جادة جدا في مساعدتها لي ، وهذه صفة ملازمة لها في حياتها ، وربما اعتبرت تدريسى مهمة حزبية اضافية لها ، فابدعت في ذلك ، وكانت النتيجة اني نجحت فى الامتحان بشكل جيد ، ولم يكن ذلك لولا مساعدتها الكبيرة لي .

التقينا من جديد في معسكر للتدريب على استخدام السلاح ضمن استعدادتنا للعودة الى العراق عبر حركة الكفاح المسلح في كردستان ، لم تكن في مجموعتي ، لكني اتذكر انها في مجموعة تتدرب على الرماية المدفعية ، كان حماسها واضحا ، وجديتها النضالية مميزة .

سبقتها الى كردستان عام 1981 ، وفجأة في ربيع 1983 وفي مقر بشت ئاشان ، وجدتها امامي بوجهها الطفولي المبتسم وضفائرها المتدلية على صدرها ، ضحكنا وصرخنا ، وجلسنا نتذكر طقوس الشاي وبعض الاشعار ، غادرتنا بعد يوم الى مكان آخر ، شعرت انها تخطط لشيئ ما ، لم تخبرني هي ، ولم أتجرأ ان اسألها ، ومنذ ذلك الحين بقت صورتها في ذاكرتي ابدأ .

علمت لاحقا انها رحلت في مهمة حزبية الى داخل العراق ولم استغرب الامر ، فتركيبتها الشخصية فى الايمان المطلق بنكران الذات والتضحية والمجازفة بالحياة الشخصية من اجل مبادئ الحزب ،  ربما كان من اسباب اختيارها لمثل تلك المهمة الصعبة في عقر دار الدكتاتورية .

قضت اوقاتا عصيبة في العمل السري ، ولكن اجهزة النظام القت القبض عليها ، واستشهدت تحت التعذيب . سقط نظام صدام منذ تسع سنوات ولكن ذويها لم يعثروا على جثتها ولم يسمعوا عن حكاية استشهادها من احد ما ، والمعلومات المتوافرة متضاربة وغير موثقة ، ولذلك هي لازالت مفقودة في وطنها ، لذلك اقامت عائلتها قبرا رمزيا لها .

لترقدي بسلام عزيزتي رضّية ، اينما كنتِ ، سأحكي للناس حكايتك ، وسيزدهر العراق وطنك يوما ما ، لانكم سقيتموه دمائكم الطاهرة .

 

26/6/2012  
 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات