| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الخميس 26/8/ 2010



عندما يكذب السيد الرئيس !!!

هادي والي الظالمي
Hadi_whali@yahoo.com

دعوة ائتلاف دولة القانون – الفائز الثاني في الانتخابات البرلمانية – القائمة العراقية للدخول في حكومة شراكة وطنية وفق استحقاقها الانتخابي كفائز اول ، وفي ذات الوقت القفز على هذا الاستحقاق في رئاسة الحكومة ، تحمل مفارقة مثيرة .
اذا ما تجاوزنا التعديات الاخلاقية والدستورية على القيم والقواعد والتقاليد الديمقراطية التي تضمنتها الدعوة ، خاصة مع استحواذ ذلك الائتلاف على ادارة دفة مؤسسة الدولة الراعية للعملية الديمقراطية الفتية والمؤتمنة عليها ، فأننا نصطدم حتما بالتساؤل عن الدوافع التي تجعل من ( دولة القانون ) تأمن مخاطر العراقية – التي وصفها المالكي بالقائمة السنية – اذا ما تسنمت قيادة اغلب وزارات الدولة وهيئاتها ومؤسساتها على ضوء الشراكة وفق الاستحقاق الانتخابي ، ولا تأمن تلك المخاطر عندما يكون رئيس الوزراء من هذه القائمة حتى وان كان شيعيا كالدكتور اياد علاوي!!! .
الا تستبطن هذه الدعوة ، والتي ربما تجد قبولها ولو على استحياء لدى اطراف سياسية اخرى ، مخاطر كارثية على الدولة العراقية ومستقبل مسارها الديمقراطي حينما تتضمن نوايا مبيتة لتعطيل دور مجلس الوزراء القادم على حساب تنامي دور رئيس الوزراء باختزال السلطة التنفيذية في المنصب ومن ثم في شخصه ؟ .
سواء كان هذا التوجه ممنهجا ومخططا له او افرازا لطمع شخصي او حزبي في السلطة فانه ينتهي الى ذات المخاطر ، فهو يمثل امتدادا لممارسات انفرادية اوجدها رئيس الوزراء المنتهية ولايته ، وتعزيزا لبناء دكتاتورية لم تعد خافية المعالم ، ولا ينبغي للاخرين تجاهلها ازاء الطمع في نصيب اكبر من كعكة السلطة .
يثير السيد المالكي الذي تبنى ( انتخابيا ) مشروعا وطنيا جامعا زوبعة جديدة . فبعد اخفاقه في تحقيق اغلبية برلمانية ، أتجه لفرض استحقاق ( طائفي ) بديلا عن الاستحقاق ( السياسي ) الذي جاء برسم الدستور ، على الرغم من أنه لم يثبت خلال سنواته الست التي امضاها على رأس الوزارة ادنى اهتمام بمعالجة واقع المحافظات التي ضمت اغلبية هذا المكون الوطني العراقي الاصيل ( الطائفة ) . ليس ادل على ذلك من عشرات الانتفاضات الشعبية التي شهدتها محافظات الوسط والجنوب على خلفية تردي الاوضاع المعيشية والخدمية ، وتفشي الفساد والمحسوبية ، وانعدام فرص التوظيف التي اقتصرت على اتباع الحزب الواحد او جاءت مقابلا لانتخاب مرشحيه في انتخابات مجالس المحافظات والانتخابات التشريعية .
رئيس الوزراء وائتلافه اللذان يقودان انقلابا على الدستور برعاية المحكمة الاتحادية العليا ، للاحتفاظ بأي شكل متاح من السلطة ، في مواجهة الارادة العامة في الانتقال السلمي والسلس للسلطة ، لم يكتفيا خلال السنوات المنصرمة بمواجهة المتظاهرين المطالبين بتحسين الخدمات بسيل من النيران اودى بشهداء وجرحى ، واعتقال اخرين ، في محافظات البصرة وذي قار والديوانية وكربلاء والسماوة وغيرها ، بل وأهملا اهمالا جسيما يرقى الى التآمر على الامن الوطني الذي بات مزعزعا امام ضربات ارهابية وتخريبية مكثفة ونوعية لم تستثن اياً من المناطق العراقية ، لخلق انطباع بعمق الواقع الطائفي بما يستلزم قيام حكومة على اسس من الطائفية السياسية تكون بزعامة المالكي الذي يطرح نفسه قائدا للمكون الشيعي .
هذه الرسالة تقف وراء الجهدين الامريكي والايراني للتجديد للمالكي ، والذي قوبل حتى الان برفض العراقية وقوى الائتلاف الوطني . فأمريكا وايران متفقتان ، ولو بشكل غير مكتوب ، على الابقاء على الرجل العراقي مريضا حتى الفراغ من ايجاد حلول للملفات العالقة بين الدولتين ، وهذا ما لا يمكن ضمانه بولادة حكومة وطنية تترأسها العراقية ، بشراكة سياسية وطنية ، ترفض جعل العراق حديقة خلفية لأحد .
الاوضاع الامنية الضاغطة تشكل ايضا عوامل قاهرة يراد منها اجبار الكتل السياسية المعارضة للمالكي ونهجه في الحكم ، الى القبول بتشكيل حكومة يتزعمها المالكي تحت الشروط التي يراها هو ، مما يجعل الاخير يضع الكثير من المبررات والمعرقلات امام الفراغ سريعا من تشكيل الحكومة .
الممارسات التي ينتهجها المالكي للاحتفاظ بالسلطة تعيد العملية السياسية الى مربع المحاصصة الطائفية التي اوجدها الاحتلال الامريكي ووأدها المشرع العراقي من خلال الدستور الذي نال قبولا شعبيا ساحقا في استفتاء عام .
الدستور العراقي الذي كتب وسط المأزق الذي اوجدته المحاصصة الطائفية السياسية ، كان كاتبوه مدركين للخطر المهدد للجميع اذا ما تم المضي في المسارات السابقة ، مع لحاظ ان اغلبهم كانوا ، ابتداءا ، من غلاة المحاصصة الطائفية .
واخيرا انتهت السجالات الى اعتماد الاغلبية السياسية في الحكم بديلا عن الاغلبية الطائفية ، واللذين لا يتقاطعان بالضرورة ، ومع ذلك فان الدستور قد ضمن للمكونات المختلفة عدم الوقوع من جديد تحت حكم دكتاتورية جديدة ( سواء كانت دكتاتورية اغلبية ام اقلية ، سياسية ام دينية ام مذهبية ام عرقية ) من خلال اعتماد الحكم المحلي للاقاليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم والحكومات المحلية للوحدات الادارية ، ومنحها صلاحيات تتجاوز صلاحيات الحكومة المركزية بكثير، عدا بعض الامور السيادية الحصرية ، واعطى للسلطة القضائية استقلالا تاما للنظر والحكم في القضايا الخلافية بين المركز والاطراف بعيدا عن الارادة السياسية للمركز . كما اعتمد نظاما تمثيليا برلمانيا يعكس واقع المكونات الاجتماعية المختلفة ، بما يمنع استصدار اية تشريعات تضر بمصالح وتطلعات اي من المكونات الوطنية .
وبذا فان الدستور العراقي كان واعيا لضرورة ان تكون الحكومة الاتحادية رمزا للمساواة والوحدة الوطنية وتنبثق عن روح التنافس الانتخابي السياسي الحر بعيدا عن المقيدات المرتبطة بالهويات الفرعية من عرق او دين او مذهب ، لتشكل مقدمات في الانتقال الى ترسيخ ثقافة المعيار الوطني في الوعي العام .
ولنا ان ندرك الضمانات الحمائية التي اوجدها الدستور للمكونات الاجتماعية المختلفة بوجه الدكتاتورية المفترضة لحكومة مركزية قد يطغى عليها مكون واحد ، من خلال اعتماد نظام فدرالي لاقاليم تتمتع بحكم محلي واسع ، مما يجعل التخوف من سطوة الحكومة المركزية غير مبرر ، وبالتالي فان الدعوة لان تكون الحكومة الاتحادية مفصلة بمقاسات طائفية ، كما يدعو المالكي بحجة عدم نضوج العناصر المهيئة لقيام حكومة الاستحقاق السياسي ، يعارض المقاصد الدستورية بتهديده للوحدة الوطنية .
ان نجاح حكومة اقليم كردستان كحكومة محلية ضمن الدولة العراقية الام مؤشر واضح على حرص الدستور العراقي في ايجاد مستوى من السلطة المحلية للمكونات العراقية المختلفة يحول دون استبداد الحكومة المركزية ايا كان شكلها . وقد شرعن النظام الفيدرالي لحكومة اقليمية كردية فاقت في نجاحاتها حكومة السيد المالكي ، و اغلقت كل الابواب بوجه المزايدة على وطنيتها وانتمائها العراقي . ولو ان حكومة السيد المالكي عملت على تطوير حكومة مماثلة على الاقليم العربي من العراق لقدمت الى الوحدة الوطنية العراقية خدمة لا تضاهى . فوجود اقاليم متعافية داخل الدولة العراقية ، وان كانت متعددة ، افضل بكثير من ترك البلاد في وضع الاحتضار المزمن . بل اننا لا نتجنى على رئيس الوزراء المنتهية ولايته عندما نذهب الى القول ان حكومته قد وقفت بقوة بوجه قيام نظام الاقاليم ، سواء بدافع الجهل والخوف من النظام الفيدرالي الذي يعتبر نظام حكم مثالي للدول المتعددة المكونات ، او مدفوعة بطموحها في اقامة نظام شمولي بقيادتها . لكننا ومن باب ( انصاف ) دولة القانون لابد ان نذكر الدعوات التي اطلقها مستشارو رئيس الوزراء ومحافظو بعض المحافظات الجنوبية الخاضعة لحكم ائتلاف المالكي في ايقاف تصدير النفط من البصرة ، او فصل المحافظات الجنوبية عن العراق اذا جاءت نتائج الانتخابات في غير صالح قائمتهم ، وهو ما يمثل رؤية رئيس وزراء العراق لوحدة بلاده ، ونظامها الفيدرالي !!! .
ان مراقبة التراجع في عناصر المشروع الانتخابي ( الوطني ) للمالكي ، امام رغبة الاحتفاظ بالسلطة ، يكشف حجم الاضرار التي الحقها هذا النهج بالدستور والوحدة الوطنية والمسيرة الديمقراطية ، فضلا عن المكون الوطني الذي ينتمي اليه السيد رئيس وزراء العراق . فهو يدفع الى تعزيز الانقسام بين المكون العربي في العراق من السنة والشيعة ، بما يضع المكون العربي الشيعي لا في مواجهة المتطرفين من السنة العراقيين بل وفي مواجهة ما يزيد عن مليار مسلم يشكلون الحاضنة الطبيعية لمسلمي العراق من الشيعة . وهو بهذا يضحي بالمصالح الحقيقية لشيعة العراق في ضمان اندماجهم وتفاعلهم مع محيطهم القومي والديني ، ويلقي بهم في احضان دولة مجاورة يتبنى نظامها السياسي نهجا عقائديا قوميا شوفينيا يتلبس بلبوس مذهبي ، ليكونوا رأس حربة لهذه الدولة خارج حدودها ووقودا لمغامراتها العدائية . والمالكي لم يتوقف عند تخوم فرض العزلة على شيعة العراق الذين لم ينسلخوا عن نسيجهم العروبي والعراقي ، بل ووضع نفسه كاهنا يقوم بتعميد من يرتضي شيعيته ويرفض من لا يرتضيه ، وهو حق لم تمنحه اعلى المرجعيات الشيعية لنفسها او لغيرها . فهو في الوقت الذي يرى ان رئاسة الوزراء هي استحقاق شيعي ، وهو لاشك حق طبيعي اذا ما جاء موافقا للآليات الدستورية ، فانه ( المالكي ) يرفض ان يتولى تلك المهمة رجل وطني شيعي اخر هو الدكتور اياد علاوي رئيس القائمة العراقية الفائز الاول في الانتخابات النيابية .
ان تعدد الادوار المتناقضة والفاشلة التي اداها السيد رئيس الحكومة تظهر انه ومن اجل السلطة حسب ، كان يكذب ويخادع . ولنا ان نتصور حجم المأساة عندما يكذب السيد الرئيس !!! .




 

free web counter

 

أرشيف المقالات