| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

                                                                                   السبت 26/3/ 2011

 

الشباب العراقي.. الوقوف دقيقة مراجعة

موفق الرفاعي

في موضوع سابق "في نشوء الوعي الشبابي العراقي" قلت فيه.. ان الشباب العراقي يفتقر الى ثقافة التظاهر والاحتجاجات وعزَوت ذلك الى سياسة القطيع التي كانت متبعة في عهود سابقة ويراد لها الاستمرار، بالرغم من وجود عوامل اخرى لم اتطرق اليها لضيق المقام.

اليوم اتحدث عن موضوع لا يقل أهمية عن سابقه، بل هو مرتبط فيه ارتباطا جدليا ويكاد يَسِم الساحة الشبابية العراقية الا وهو.. الطائفية الكلامية.

من خلال متابعتي لما يُدوّن على صفحات الشبكة الاجتماعية - الفيسبوك - وجدت الكثير من المجاميع التي تشكلت قبيل وبعيد تظاهرات 25 شباط2011 وما تلاها من إرهاصات من المفترض ان تشكل بدايات وعي شبابي جديد ومفارق، وجدتُ ان كثيرا من الشباب المندرجين في تلك المجموعات منهمكون في جدل يعيد انتاج الطائفية بأشكال وألوان وغطاءات مختلفة ما يكشف عن تشبع جيل الشباب وللأسف بـ"التلوث الطائفي".

ففيما يكاد جميعهم ان يتفقون على ضرورة الاصلاح السياسي والاقتصادي والخدمي ويجمعون على محاربة الفساد والانتهازية، نجدهم يختلفون بل ويصطرعون حد البذاءة والتجريح فيما بينهم حول مواقفهم من هذه الجهة او تلك. بينما جميعهم يعوَن في داخلهم ان ايا من تلك الجهات لا تمثلهم بل هي تقف بالضد تماما من تطلعاتهم ومطالبهم. وقد رأينا كيف وقف ممثلو الطائفية من رجال دين وسياسيين وغيرهم وعلى اختلاف مذاهبهم من تظاهراتهم يوم 25 شباط، وكيف أفتوا بتحريمها خلف ذريعة الخشية من استغلالها من قبل التكفيريين والبعثيين او تأجيلها – تمييعها- ريثما يتم الاستفتاء على الخدمات.

هذه الظاهرة الخطيرة والمدمرة.. على الشباب معالجتها من خلال التبصر اكثر فيما يصدر من مواقف لبعض الدول والجهات السياسية من الاحداث الجارية في الدول العربية ، وأججت الحوار غير الخلاّق على صفحات الفيسبوك، وعدم اعتبار انها تمثل جهات اجتماعية او عقائد دينية مذهبية.

مثال على ذلك.. كان على الشباب العراقي على الفيسبوك ان يتعمق في رؤيته الى ما جرى من تدرج في تظاهرات البحرين قبل ان ينساق يمينا وشمالا الى مواقف بعض الجهات التي تمثل الطائفية بشكليها المذهبي والسياسي.

فإيران ومعها بعض رجال الدين الشيعة في العراق ودول اخرى، ذهبوا ابعد مما يجب عليهم في موقفهم الى "جانب الشعب البحريني" حسب زعمهم، وكذلك فقد ذهبت دول الخليج العربي ايضا ابعد مما يجب في موقفها المتمثل بارسال قوات درع الجزيرة من اجل "حماية امن الشعب البحريني"، فانقسم الشباب ما بين مؤيد ومناهض لهذا الموقف او ذاك فكان هذا التناوش فيما بينهم في استخدام يتوفر في القواميس من بذاءات اللفظ وبما تحويه متون الكتب الصفراء من اتهامات.

ولو كانوا محّصوا تلك المواقف قبل ان يختلفوا، ما اختلفوا، ولتبينوا ان كلا الموقفين يصدران عن دوافع سياسية ومصلحية محضة مرتبطة باستراتيجيات دولية واقليمية.
هذا ليس معناه اني ادعو الى اتخاذ موقف بالضد من توجهات الشباب البحريني نحو التغيير والى مزيد من الحريات الدستورية. بل اقول انه كان على الشباب اتخاذ موقف واحد هو انحيازهم المطلق مع اي مطالب شعبية مشروعة في اي دولة كانت وعن اي شعب صدرت.

ان هناك احساسا عام لدى المراقبين بان انتفاضة الشباب البحريني نحو التغيير والحرية قد تم اختطافها من قبل قلة متنفذة لتُختزل بمطالب طائفية ضيقة.
كان على الشباب ان يعودوا قليلا الى ايام مضت قبل انتفاضة الشباب البحريني ومواقف ايران ورجال الدين من انتفاضات حدثت في تونس ومصر واليمن ولم تتعدَ مواقفهم منها اصدار بيانات التضامن. فلم تكن تلك المواقف بمستوى موقفهم من ما جرى في البحرين بالرغم من سقوط قتلى اكثر عددا بما لا يقارن وما سقط في البحرين. بل ان تظاهرات انطلقت في ايران تضامنا مع الشعب المصري تم قمعها بوحشية واعتقل على اثرها ناشطون مدنيون وقادة سياسيون ولم يصدر عن رجال الدين اي موقف مساند لها او شاجب لاعمال القمع التي وجهت بها.

وفي العراق.. كان رجال الدين الذين افتوا بحرمة التظاهر بحجة الخشية من استغلالها نراهم دعوا وبسرعة الى تنظيم تظاهرات لمساندة شعب البحرين دون ان يخشوا على المتظاهرين من استغلال الجهات التكفيرية والبعثية لها.
السلطة هي الاخرى لم تحظر التجوال تحسبا من تفجيرات تقوم بها تلك الجهات حسب زعمهم ولم تشترط استصدار موافقات مسبقة كما فعلت مع تظاهرات الشباب العراقي.

ان شبابا عراقيين سقطوا بنيران الاجهزة الامنية العراقية في الكوت والبصرة والديوانية وبغداد والموصل والرمادي اثر تظاهراتهم المطلبية، لم تحرك رجال الدين ليعبروا عن غضبهم من الحكومة العراقية ولا نواب ليطالبوا بتعليق جلسات البرلمان ولم تتضامن ايران معهم.

ان التناقض واضح وجلي ولكن للاسف لم يتوقف الشباب العراقي ولو للحظة لتبين ذلك قبل ان يكيلوا الاتهامات لبعضهم البعض ويكشفوا بذلك عن خلل في الوعي عليهم اصلاحه حالا كي لا يتحول الى عوق مزمن.

ان صيرورة التحولات تقتضي وعيا مفارقا لما هو سائد وقارّ في المجتمع وبلورة لمفهوم التسامح واشاعة ثقافة الاعتذار دون ادنى شعور بالانتقاص من الذات فتراثنا العربي الديني فيه.. "الاعتراف بالخطأ فضيلة" وليس رذيلة كما يتوهم الأكثرية للاسف.

ان الشباب هم الاكثر قدرة على تحمل اعباء مرحلة التحولات الكبرى وتقع على عاتقهم مسؤولية ذلك بعيدا عن براغماتية تتطلبها الانانيات الشخصية والفئوية الضيقة مهما كان اتساع تمثيلها العددي.

هل ندعو الى (علمنة) المواقف مما يجري!؟
اي.. اشاعة ثقافة - وليس تواطئا انفعاليا - تقف من جميع الاحداث على مسافة واحدة دون النظر الى انتماءات الفاعلين فيها الا باعتبارهم بشر يحق لهم المطالبة بحقوقهم وحرياتهم وتقدم مجتمعاتهم وصناعة مستقبلهم واحترام رؤاهم وتصوراتهم مهما كانت دياناتهم او مذاهبهم او قومياتهم او اجناسهم؟

فالمطالبة بتوفير الخدمات ومعالجة ازمة البطالة واصلاح النظام السياسي ومحاربة الفساد وابعاد الفاسدين ومعاقبتهم هي مطالب مشتركة ولا تحتاج منا للدعوة اليها ان ننتمي الى دين او مذهب او ننحاز الى هذا الفريق او ذاك.

 




 

free web counter

 

أرشيف المقالات