| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 26/7/ 2011

 

قـبـل .... خراب البصرة!!!

عباس الجوراني

لم تكن البصرة وبكل المحن التي ابتليت بها بمثل ما آلت إليه أحوالها في السنوات الأخيرة. من خراب قيمي واجتماعي,وسياسي هو في صميم مما حصل في العراق,و هؤلاء الذين زين لهم فتح مغاليق ( صندوق الباندورا ) لم يأبهوا لحجم الشرور التي لوثوا بها سماواتنا,غير أن بقية الأمل في قعر الصندوق ظلت حلماً يراود مخيلة الباحثين عنه.
و بعد أن أصبح متعذراً أن يستعيد البلد أزمانه السابقة بما انطوت عليه من الألفة,والتسامح و إعلاء شأن المواطنة ليستوعب أن يكون, أول وزير لماليته يهودي (ساسون حسقيل عام1921) ذلك الذي أصبح حرصه على المال العام مثلاً نتداوله ( لا تحسقلها علينا ), أو أن يكون رئيس جامعته صابئياً (عبد الجبار عبد الله) لكفاءته, حتماً سيستتبع ذلك إستيلاد نموذج هجين يتعذر معه على عثمان التشبث للبقاء بداره في أبو دشير, بنفس نسبة الفناء التي تعذر بموجبها على عبد الزهرة محاولته اليائسة العيش في الدورة,كما سيعتبر نوع من المخاطرة ليفكر علي بالمرور في الأعظمية لسبب من الأسباب يوازي مجازفة عمر عند المرور بمدينة الصدر, فيما سيكون بمثابة المعجزة لو تمكن الاثنان من الإفلات من قبضة دوريات الكيلو(160) في محاولتهما الهرب للخارج, لتعود معه( الدريلات) وسيلة موت رحيمة عند التحقيق في قلب وزارات ينتصب العلم العراقي عند أعلى نقطة في بناياتها.
بمثل هذا القبح و الهمجية فتحت البصرة عينيها-مذهولة-وعاجزة ,و لا تدري ماذا تصنع بأحيائها و جوامعها وكنائسها و معابد يهودها (يوم كان بها يهود), و أصبوحات أعياد عمالها, عندما كانت تحييها كل البواخر الهانئة في مياه شط العرب في تضامن فريد من نوعه وهي تطلق صفاراتها ولتحتضن بعد ذلك شوارع العشار مسيرات عفوية يختلط فيها البحارة من كل لون مع العمال العراقيين,
ما الذي بقي من ذلك التطامن الحبيب الذي كانت أم البروم تنثره وردا على جامع المظفر و هو يرنو بحنو إلى جامع الخضيري و صلبان كنائس العشار و معبد اليهود قرب سوق الحبال,و جامع مقام الأمير و جامع شارع الكويت, أم البروم هذه الساحة التي احتضنت بحنو عربات اللبلبي و الفشافيش و الباچة و الكاهي , و كبة الموصل والبارات و الملاهي و عربدات السكارى و السينمات والمسارح التي أصبحت أثراً بعد عين تحت سماء التسامح يظللها عرف (كل لشة تتعلگ من كراعها) في مجتمع بصري متماسك فالساحة التي ظللت مظاهرات الخمسينيات والستينيات للشيوعيين ضد مختلف الأنظمة- هي ذات الساحة التي أفرجت أساريرها للمسيرات السياسية لحزب الدعوة أواخر الستينيات وهي تخترق درابين سوق المغايز.
وهي ذاتها البصرة التي كنا فيها - و لازلنا - بنظر السلطات أقل من مواطنين - باعتبارنا رعايا - لكن قطعاً كنا أسمى بسنين ضوئية - من أن نتعامل سنة وشيعة وكاثوليك و بروتستانت و آشوريين و صابئة, تشهد على ذلك أسواقنا و ساحات مدارسنا و سفراتنا الترفيهية يوم كان في أبو الخصيب بساتين و في البرجسية (أثل) و في خمسين حوش كنيسة ومسبح و نادي للأرمن.
و قبل الخراب لم يكن الشيعة و لا السنة بحاجة لكاميرا تصور صلاتهم المشتركة ربما هي نفس الكاميرا التي تنقل ذات المشاهد التي تعمل ذبحاً بالطرفين و حقيقة الأمر أن لا هؤلاء نواصب و لا أولئك روافض إنما هي غايات شيطانية يحولها جناة رصيداً سهلاً لصدارة الصفوف الأمامية و لحيازة المغانم.
هذا الخراب يجد مصاديقه في رجالات عهد برعٍوا باهراق المليارات من أموال نفط لم ينخفض سعره عن الستين دولاراً صعوداً نحو المئة دولار للبرميل الواحد,في تواطئ مريب أرسى دعائمه فاسدون محتلون محترفون وتلاميذ لهم من الفاسدين ( الوطنيين!! ),في ( لغمطة ) مقصودة اختلط فيها حابل اللصوص بنابلهم, تراكضت بها و بأقصى سرعة مليارات الدولارات, وهي تنتظر على أحر من الجمر ثوان معدودة بصناديق مصفوفة في قاع الطائرات, لتضيفها أرصدة شخصية في مصارف بيروت ولندن ونيويورك و جنيف و الخليج و طهران من المال السحت الحرام نهاراً جهاراً, يعاضدها تهريب النفط و الآثار بل وكل ما غلا ثمنه وخف حمله و إدخال الحشيش و أخذ الخاوات ,و ترهيب مدراء الدوائر و قتل النساء كل ذلك في شهامة لا توازيها سوى شهامة قوات الغزو و هي تفتح المصارف و المؤسسات و مراكز الآثار و دور التراث و المكتبة المركزية و كل ما له علاقة بإرث الدولة العراقية و ذاكرة العراقيين للنهب و الحرق و التحطيم بحيث لم يستطع الصحفي الأمريكي توماس فريدمان, منظّر غزو العراق, غض الطرف عن رؤية ذلك المشهد و هو يصحب تقدم الغزاة من بوابة أم قصر حين كتب عموده ( لا تصفق للنصر ) منتقداً سلوكهم.
هذا عهد هو في عمومياته نتاج استمرار لثلاثة عقود ونصف من تخريب للنسيج العراقي و البصري لا يصمد للمقارنة أمام عهد أسبق ذهب صنّاعه بأقل الأوزار مخلفين وراءهم أربع سنوات و نصف من العطاء و العمل, و الإصرار على إدخال (( الحضارة و معالم المدنية لكل قرية و جزء من أجزاء هذا الوطن )) حسبما صرح الشهيد عبد الكريم قاسم في إحدى خطبه أمام مؤتمر للمحافظين (( المتصرفين )) معتبراً مقياس نجاحهم تنفيذ أهم مفردة في برنامج سار عليه لحين استشهاده من (( أن مهمة الإداري الناجح في الظروف الراهنة هي القضاء على الصرائف و الأكواخ )),و لا زلنا شهوداً على ما أنجزه في سنواته تلك.
و في مذكرة إيضاحية للإدارة المحلية لمتصرفية لواء البصرة ( المحافظة حالياً ) لعام 1959-1960 أشارت لمجموع الواردات مع المدور بمبلغ قدره/641 ألف دينار وخمسمائة فلس صرفتها على مختلف الأوجه بأدق التفاصيل( و لحد الفلس ) ووفرت منها خمسة آلاف دينار و ثلثمائة و خمسون فلساً للعام الذي يليه.
فقد فتحت الإدارة وقتها بقسم من هذه الستمائة ألف دينار 53 مدرسة و جهزتها بأثاث متكامل من رحلات و سبورات و كراسي للمعلمين و 170 مصباح لوكس و 400 ياردة كمبار و 100 صوبة علاء الدين مع إكساء 6500 من فقراء الطلاب و صرفت 86 ألف دينار على تغذية كل تلاميذ المدارس و صرفت 20 ألف دينار لإنشاء ملعب الجمهورية و 8 آلاف دينار لتأسيس جسور و معابر قناطر في الأقضية و النواحي كما و اشترت الإدارة من ورثة آل الحجاج قطعة مساحتها 1144متر مربع ب 800 دينار و 800 فلس لتوسعة مدرسة كوت الحجاج و اشترت سيارة سينما متجولة لعرض الأفلام الثقافية و الصحية في القرى و الأرياف بسعر 12 ألف دينار و هذا المبلغ يعادل 9 أضعاف المبلغ الذي خصصته الإدارة لشراء سيارة شوفرليت لأعمال متصرف اللواء الرسمية, الرسمية فقط و بسعر 1410 دينار كما و اشترت سيارة متنقلة للفحص الشعاعي بـ9آلاف دينار و بـ8 آلاف مستوصف أسنان متنقل و مستوصف نهري, و40 ألف دينار لإنشاء دار للطلبة في الجبيلة و مسبحاً لهم.
أما المكتبة المركزية فقد اشترت لها الادارة640 كتاب بـ268 دينار و جرى تجهيزها بالمدافئ لأن عدد المطالعين و المطالعات في ذلك العام بلغ ثلاثون ألفاً و أربعمائة وثلاثون لـ 15.629 كتاب لمحافظة لم يتجاوز تعداد سكانها الربع مليون نسمة, ولهذا تم صرف 14 ألف دينار لبناء مكتبتين أخريتين في أبو الخصيب و القرنة.
ولم يتخلف المحافظ عن حضور الحفل السنوي في المستشفى الجمهوري الذي تقيمه لجنة من الأطباء للأطفال تحت عنوان ( مسابقة الصحة و الجمال ) و يتم توزيع الهدايا عليهم, و حفل ختان الأطفال بمناسبة اليوم العالمي للطفل و لم تنسَ الإدارة بخاتمة الكتاب من رسم خطوط بيانية لتوضيح وتيرة التطعيم ضد الجدري و الكوليرا, و عدد مرات عرض الأفلام الصحية في البصرة و رسم بياني لاستهلاك حب الأسبرين حيث وصل عام61 إلى استهلاك 60 ألف حبة.
و الجدير بالذكر أن75% من تلك الصرفيات ذهبت للأرياف و القرى في البصرة و بالطبع هذا غيض من فيض مما تم إنفاقه على منجزات عام واحد غطت 370 صفحة من تلك المذكرة الإيضاحية بمبلغ 640 ألف دينار هو لا يساوي شيئاَ-حتى مع حساب فارق التضخم - للمليارات التي تهدر بلا حساب على المرتشين و الفاسدين ضمن علاقات سافلة تزدرد مليارات الدنانير بعناوين وهميه لشراء طائرات ودبابات وأجهزة كشف متفجرات و هياكل مدارس هي في حقيقتها (بوريات)!! و هذه الأخيرة فقط بـ300 مليار دينار.

فهل ستستمر الجعجعة تصم آذاننا دون أن نتلمس طحيناً؟


 

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات