| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء  25 / 9 / 2013



افتتاحية المدى

هل للإرهابي دين ؟ من أي موقع نُدين الإرهاب ونطالب بوقف القتل على الهوية ؟

فخري كريم  

ثلاث ملاحظات جاءتني من أصدقاء يحملون هماً لا أشكك بنبرة الأسى واللوعة فيه، فهو همُناً جميعا. وكلها تدور حول دوامة مسلسل العنف والقتل على الهوية، ووجهة كتاباتي عنها. ولست مخيراً في عدم الاشارة الى هوية كل واحد منهم، واعني بالهوية، الانتماء الطائفي، لأن مقالتي لن تستقيم دون ذلك.

والملاحظات الثلاث تلتقي في الجوهر، لكنها تتباين في التفاصيل. تطالبني إحداها بتخفيف الشخصنة التي تطغى على مواقف كثيرة من معالجاتي. والثانية ترى انني أُحمِّلُ الشيعة مسؤولية تدهور الوضع الأمني وكل ما يحيط بالبلاد من تدهور وفساد. والملاحظة الثالثة تُبدي الاسف على تساهُلي مع القيادات السنية المذهبية والسياسية، وعدم توجيه اللوم لها ومطالبتها بالتنديد الصريح والواضح بجرائم القاعدة والمنظمات الإرهابية الأخرى التي تستبيح بدمٍ بارد أرواح الشيعة بمختلف أدوات ووسائل القتل الجماعي.

اثنان من الثلاثة شيعيان متنوران، لا علاقة لهما بتيار الإسلام السياسي، والثالث سني بالولادة من منطقة سنية تقليدية "مغلقة" - شيوعي  - ارثوذوكسي - بالانتماء، يحمل مجهراً مُكبِّراً وهو يتابع أو يحلل وقائع السياسة وحركة الواقع.

وغيرهما نَفرٌ متطاولٌ، حقودٌ مسكونٌ بالجهل والكراهية والانحياز الطائفي الأعمى، لا سبيل للنقاش معهم على قاعدة تعدد وجهات النظر، والاختلاف القابل للتعايش. فهم لا يرون في كل ما يُقال، سوى تَربُّص بحكم الشيعة، وافتئات على "مختار العصر"، وانخراط في التآمر الممتد الى ما وراء الحدود ضده شخصياً، لانه حامي حِمى الشيعة وولي نعمتهم، وباقصائه ستنهار الدولة، وتنحسر ولاية الشيعة الى ما شاء الله والقدر.

لا اخفي حراجتي وانا اعترف بالكثير من الشخصنة في استهداف المالكي في كتاباتي. ولست على وفاقٍ مع نفسي من هذا الخلل الذي يضعف موضوعيتها. كما أجد نفسي، على غير سويتها، وانا أتململُ وأضيق ذرعاً بهذا الكم من الجريمة التي تُرتكبُ ضد "طائفتي" وأشعر لحظتها كما لو انني اعود الى ما قبل الوعي، فأصنف نفسي خارج عالمها الإنساني الفسيح، لتضيق رحابتها، فتصبح مجرد منتمٍ معزول، مشلول الوعي، متصدع الإدراك، تائه في مضاربِ قبائل الجاهلية الاولى، وطفولة انحيازاتها بالسيف والرمح وسهام السبي والضغينة. واستدرك لاقول، ذاك هو قاع اللا وعي، فانا إنسانٌ في نهاية المطاف، وكل ما هو انساني، كما قال ماركس، ليس غريباً عني!

ليس للارهابي دين، وليس للقاتل توصيف غير الجريمة، وليس للطائفي، غير التفاخر بمضارب بني طائفته، والاستسلام لغريزة الثأر على الهوية والانتماء، وتكفير الآخر. وليس لقتل الآخر وازهاق ارواح المختلف، على رأي او عقيدة او دين، او مغنمة او مثابة، عاقبة في الدنيا سوى الادانة وتبشيع خواء العقل وسفاهة الوجدان والضمير، وفي الآخرة نيران الجحيم. واذا كان التكفيري مدفوعاً بشفاعة الجهلة من قومه واولياء تدينه السفهاء، فهو حبيس جهله، ليس لنا ان نأخذ بجريرته طائفة كاملة ابتليت بامثاله، وخذ مثلاً من الجزائر التي كان الذبح فيها على الطريقة الاسلامية، ينوش كل يومٍ قرىً واريافاً وحواضر لا شيعة فيها، بل سنة على اختلاف مذاهبهم. وخذ الصومال وافغانستان طاليبان. وترجل في مصر لترى، كيف حاول الاخوان والجماعة الاسلامية السلفية، اخذ الشعب المصري كله، رهينة مستباحة الحرية والخيار الا بما يشاؤون ويعتقدون، دون استثناء الازهر الشريف، وشيوخه الاجلاء.

نعم لقد اتهمت الطبقة السياسية كلها، غير مستثنٍ السنة من القيادات والساسة، وأفردتُ مكاناً على قدر الدور والمسؤولية السياسية والاخلاقية لاصحاب الشأن والقرار في السلطة. وإلا، كيف لنا ان نقر لهم بـ"الولاية" على البلاد دون المسؤولية عن رقاب وكرامة وحرمة العباد فيها. واذا كان ذلك تخصيصاً لهم وتخفيفاً عن غيرهم من القيادات السنية، السياسية والمذهبية، فأقول انها تغريداتٌ خارج السرب.

فاذا كان على القيادات الشيعية ان لا تكتفي بشجب القتل على الهوية، بل القبض على القتلة، وتصفية ميليشياتهم وتجفيف مصادر تمويلهم وكشف جرائمهم، فالقيادات السنية، من العراقية بكل تفرعاتها والعشائر ورؤسائها ورجال الدين، ومنتديات الشباب، ان لا تترك وسيلة للادانة دون ان تطرقها، وان تبادر، افراداً وجماعات، الى ابتكار كل وسائل التعاطف والمواساة واطر العمل المشترك، لعزل القتلة، وتفكيك ملاذاتهم الآمنة ورصد تحركاتهم المريبة وكشفها. ليس القتلة بالاحزمة الناسفة او المتفجرات او السيارات الناسفة، سنة، كما ليس القتلة على الهوية والتهجير على الضفة الاخرى، شيعة. انهم كلهم مجرمون، من طينة واحدة لا دين لهم ولا مذهب.

انني اسمع اصوات المنادين في الضفتين، من الشيعة والسنة، وهم يريدون ان نكون على صورتهم، نحمل ملامح طائفتهم، على احدى الضفتين، ونتجرد من ملامحنا وسويتنا الانسانية، التي لا نرى من خلالها في صورة القاتل غير المجرم، وفي مأساة القتيل غير انسان شهيد، ذابت هويته في حريق التفجير او رصاصات الغدر. للصديق الشيعي المشكك، اليس من حقي، "على ان لا تتهمني بالانحياز القومي"، استرجاع انحياز مسعود بارزاني، للمظلومية الشيعية، وأنه يجد في التحالف مع الاحزاب الاسلامية الشيعية ومراجعهم، تعبيراً عن مصداقية دفاعه عن مظلومية الشعب الكردي، دون ان يأخذ طائفته المذهبية بجريرة مضطهدي الكرد من الحكام المستبدين الذين تعاقبوا على الحكم؟ وكيف للمنصف العقلاني ان يتناسى جلال طالباني، وهو يحمل معه مظلومية الشيعة اينما ولى وجهه، حتى ان كثيرا من الحكام توهموا انه شيعيٌ او ان هناك طائفة ثالثة من "الشنة" لكثرة ما كان يُجيب حين يُسأل عن انتمائه المذهبي، فيرد انه "شُنّي". والى كل اولئك الذين لم تعد القيم الانسانية، بالنسبة لهم حوامل ترتقي بهم الى رحابتها، أكان قاتل الحسين الشهيد، سنياً من أهل الكوفة او البصرة.. وهل كان مروان الاموي وهو في بيت الخليفة عثمان ابن عفان يحرض عليه في السر، مدسوساً عليه من الشيعة؟ ومن اي آلٍ كان الحسن والحسين وهما يقفان على باب الخليفة يصدان عنه الهجوم، امن الشيعة ام السنة، وهل كان للمسلمين آنذاك ملتان من الشيعة والسنة؟

ومن اي ملة كان الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز وهو يرى الفساد يطل بانيابه القاتلة على المجتمع فيقول مستنكراً: الوليد في الشام، والحجاج بالعراق، ومحمد بن يوسف باليمن، وعثمان بن حيان بالحجاز، وقرة بن شريك بمصر، ويزيد بن مسلم بالمغرب؟

الشيوعي "السني" يراني اجور على الشيعة واسلط الضوء على مظالم اهل الغربية، وتغيب عنه توابيت القتلى، وهي تحمل قطعاً من الاشلاء المختلطة من اجساد الضحايا الشهداء من السنة والشيعة، المتطايرة دون هوية، على مسرح جرائم الابالسة التكفيريين. والشيعي العائم في المشهد لا يرى في موقفي، سوى الادانة للسلطان، وان لم يقل تماماً، مأخوذاً بالوجه الاسود من المشهد.

كيف لي ان ابرر "شخصنتي" للموقف مما يجري؟

سأتجاوز ما في عقلي من مدارك وانحيازات فاكتب :
ليس المالكي هو المسؤول عن الفساد وحماية الفاسدين، لانه يرى في فتح ملفاته اجهازاً على ما تبقى من العملية السياسية، والحق على التحالف الوطني وقادته الذين لا يرفعون عنه المسؤولية فيكشفون المستور.

ولا ذنب للمالكي في تزايد اعداد العاطلين، او الفقراء من الذين يعيشون على الزبالة ومكبات المنطقة الخضراء.

ولماذا نحمِّل المالكي وزر الشهرستاني في تبديد مليارات الدولارات على استيراد محطات للكهرباء لا وقود لها عندنا؟

واي مسؤولية للمالكي في ضياع البطاقة التموينية، ووزير التجارة ليس من حزبه ولا من دولة القانون؟

ولماذا استهداف المالكي في انهيار الامن والمسالخ البشرية وهو ليس سوى قائد عام للقوات المسلحة، وصلاحياته بيد وزير الدفاع ورئيس الاركان؟

وباي حق نلاحقه على شبهة الفساد في صفقة السلاح الروسي، ووزير الدفاع هو نفسه وزير الثقافة، وفي الحالتين، عليه تحمل مسؤولية تحمل تحول الفساد الى "ثقافة" مجتمعية وكلنا في الهوا سوا؟

هل هي من باب الشخصنة والاساءة اذا قلت ان السيد المالكي، ليس مسؤولاً عن كل هذا الخراب، لانه مجرد :
- رئيس مجلس وزراء
- وقائد عام للقوات المسلحة
- ووزير داخلية وكالة
- ومشرف على كل مفاصل الدولة التي لا تقبل العد والتحديد.

من المسؤول؟ قولوا لي كي أنتف ريش من جاء به الى هذه الوليمة المشؤومة ومن والاه!


المدى
العدد (2901) 25/9/2013


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات