| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 25/7/ 2009

     

نحن ووطننا الجريح والحلول...
(1)

قرطبة الظاهر

-1-
منذ انطلاق عملية تحرير واحتلال العراق في 20 مارس 2003 من دكتاتورية الرعب والارهاب (1979ـ2003) بارادة عسكرية متحدة بين امريكا وبريطانيا "
Coalition of the willing" و بعد تصريح وزير الخارجية الامريكي السيد كولن باول في 17 مارس2003 امام مجلس الامن بان "النافذة الدبلوماسية قد اغلقت"... تأهّبَ كلُّ شخص مغتربٍ في شتى أصقاع العالم للعودة إلى احضان الاهل البعيدين وإلى تلك الارَض الطيبة. إرتفعت الايدي أثناء الحرب نحو السماء وكثرت الدعوات للباري عز وجل ان يحفظ العراق ببنيه وبناتنه وما تبقى من بساتينه الخضراء ونخيله من كل شر ومكروه. واخذنا بالحسبان كل سيناريوهات الحرب والاحتلال وما ينجم عنها من قتل وتهجير وحرب شوارع ومدن وارهاب ومقاومة عنيفة قد تدوم لاشهر بل وحتى لسنوات طوال. توقعنا كل ذلك قد يحدث ومع الاسف كانت كل توقعاتنا صائبة. لكننا وبالرغم من خيبة ظننا العميقة احتكمنا إلى مفاهيم المجتمع الدولي وما رسّختهُ من قواعد الحفاظ على كرامة الانسان وممتلكاته وحقوقه الطبيعية اثناء السلم والحرب كما هو متفق عليه منذ انتهاء الحرب العالمية الاولى اي منذ عام 1919 وانطلاق مذكرة ولسون لانشاء العصبة الدولية.

تأملنا من قوات التحرير والاحتلال ان تقوم بعملية تحويل System Transformation النظام السياسي اي تحويل نظام دولة دكتاتوري إلى دولة جديدة ديمقراطية تستعيد تدريجيا سيادتها وتعيد لمواطنيها حقوقهم الطبيعية والشرعية عبر عقد اجتماعي جديد (دستور) بين افراد المجتمع العراقي الواحد وبين افراد السلطة المنتخبه العراقية (المادة 13 من الدستور العراقي لعام 2005). وان تكون عملية تحويل النظام السياسي مدروسة جيدا كي لا تحدث اخطاء تضعف القاعدة الاساسية للدولة الحديثة قد تؤدي فيما بعد إلى زعزعة النظام السياسي الجديد وبالتالي إلى انهيار الدولة مرة اخرى وخاصة وان تاريخ العراق الحديث يُعدُّ خير مرآة على كل النكبات والانهيارات التي عصفت بالدولة العراقية منذ بداية تكوينها في 27 اغسطس عام 1921.

انهيار النظام الاداري للمؤسسات الحكومية:
كان بناء بلاد الرافدين
Mesopotamia، كما أسماها المندوب البريطاني انذاك، عقب تحريرها من نظام الالوية العثماني..كان بناء صحيا في بادئ الامر. إذ بنيت النظم الادارية للمؤسسات الحكومية وهي مستنسخة من تجربة النظم البريطانية لادارة المستعمرة الهندية Indian Office قامت على أساس تقسيم مناطقي جغرافي للمحافظات Devisions وللالوية Districts تدار من قبل حكامٍ اداريين بريطانيين في كل محافظة يتبنون مسؤولية اعمارها والحفاظ على امنها حسب اتفاقية القاهرة لعام 1921. وقد حصل ما يشبه هذا الاجراء عقب احتلال قوات التحالف للعراق في 2003 حيث وزعت القوات الاجنبية اليابانية والبولندية والايطالية والاسترالية والبريطانية على عدة محافظات لتولي مهام الاعمار وحفظ الامن فيها. إعتقدنا بهذا الاجراء بان تاريخ الانتداب البريطاني للعراق من 1920 إلى 1932 ومن 1936 إلى 1945 يعيد نفسه من اجل تكوين نظام فيدرالي مستقل اداريا في المستقبل القريب ولكن هذه المرة بخطط مدروسة اكثر من سابقاتها في الاحتلال وتكوين سلطة انتقالية مركزية. غيرَ أنَّ ما فوجئنا به هو واقع مؤلم غير مدروس ادى لانبثاق حالة من العبثية يصحبها فقدان الكفاءات المطلوبة في المنظومة الادارية لمؤسسات الدولة .

الامر الذي ادى إلى استشراء الفساد بابشع صوره الخارجة عن كل القوانين والاعراف والمفاهيم الدولية. هذا الحال اجبر حكومات الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة سحب قواتها الاجنبية من المحافظات وفي ظل تنامي الارهاب والعنف الطائفي وضبابية العملية السياسية وتدخل فادح اقليمي في المؤسستين العسكرية والمدنية. تركت الدولة بكامل مؤسساتها في ايادي فاقدة للخبرة الوظيفية والانسانية في حفظ قواعد الالتزام الخلقي والقانوني بالنظم الادارية وتطبيق القرارات والتوصيات والاوامر الصادرة من الجهات العليا وتبادل المعلومات بين الموظفين وبين الادارة العليا والمدراء والحد من الفساد الامر الذي ادى إلى عرقلة او بالاحرى إلى تعطيل كل مشروع وزاري قد يفيدُ منه المواطن في الدرجة الاولى وبالتالي إلى انهيار الدولة العراقية.

من ناحية اخرى يتذمر المواطن من تعالي واستكبار المؤسسة البيروقراطية على حقوقه الدستورية. حيث تفشّي أساليب الرشاوى والمحسوبية ونظام التزكية الحزبية في التعيينات وهذه الاجراءات منافية تماما لحقوق المواطن الدستورية (الباب الثاني، المادة 16 والفصل الثاني المادة 37 (ثانيا) والمادة 41, 46) ناهيك عن سياسة قمع المواطن وإستغفاله بغية الارتشاء واضطهاده من قبل الموظفين في المؤسسات الحكومية مع العلم بان هؤلاء الموظفين هم جزء من شعب الدولة (المادة 14 للدستور العراقي, 2005) اي مواطنون للدولة العراقية يتمتعون بالحقوق الدستورية وعليهم نفس الواجبات التي يلتزم بها كافة مواطني الدولة وبدون استثناء! سياسة الاستكبار والاستعلاء واستغفال المواطن تنحدر من بدايات تاسيس المؤسسات الحكومية في دولة الانتداب البريطاني وترسخت هذه السياسة لوقتنا هذا.

في تلك الحقبة كان المندوب البريطاني "الابيض البشرة" يعتقد ومنذ القرن التاسع عشر بانه مُنصَّبٌ من قبل الرب الاعلى سيدا وسلطانا ومعلما على الشعوب التي لا تتمتع بالتحضر المطلوب. فحرص على التمسك بهذا المعتقد(The White Man’s Burden) وكانت النتيجة اضطهاد ابن الوطن المسلوب وحرمانه من كافة الحقوق واهانته واستغفاله من قبل الموظفين في مؤسسات دولة الانتداب البريطاني. هذه الاخلاق السلبية توارثت عبر الاجيال داخل المؤسسات الحكومية العراقية وترسخت في اذهان الموظفين بان كل موظف هو اعلى شأنا من المواطن وهو السيد والمواطن هو العبد الذي عليه ان ينصاعَ لاوامر الموظف الحكومي.

توقعنا وانتظرنا أنْ تُزالَ هذه الشوائب السلبية من المؤسسات الحكومية عَبْرَ الالتزام القيّمي بحقوق المواطن والفرد المرسخة في الدستور العراقي لعام 2005 (الباب الثاني المادة 19(6),15,14) وايضا (الباب الثاني, الفصل الثاني, المادة 37 ,اولا (أ) والمادة 46( خاصة بعد انتخاب حكومة شرعية وعدت بعراق جديد متحضر رفع شعار دولة القانون والمؤسسات ووضعه فوق كل الاعتبارات.

الحفاظ على خصوصية المواطن في تعامله اليومي مع المؤسسات الحكومية امر مهم جدا وخاصة فيما يخص الحفاظ على معلوماته الشخصية والتداول او التعامل بها. فلا يحق لاي شخصية طبيعية او قانونية استنساخ او حفظ او تداول معلومات شخصية لاي مواطن دون استئذانه او اخذ موافقته خطيا. خلاف هذا الاجراء يُعد هذا الأمرُ أعتداء على سلامة المواطن وامنه ويجب أنْ يُرتب هذا الاجراء بقانون.

فقدان الدولة المدنية وترسيخ العسكرة الاجتماعية:
إضافة إلى ذلك كنا نتامل تكوين دولة ترتقي إلى المدنية وإلى تكوين مؤسسات المجتمع المدني (المادة 45 (اولا) من الدستور العراقي لعام 2005) بعد ان عصف بها تاريخ المؤسسة العسكرية التي تكونت في الحقبة العثمانية وترسخت خلال الانتداب البريطاني فتطورت وتوسعت في العهد الملكي حتى اصبحت قوة جبارة فوق الدولة باكملها فانقضّتْ عليها بسياسة التآمر والانقلابات.

وإذا بنا اليوم نعيش مرارة العسكرة الاجتماعية من جديد وكل ما ينجم عنها من تجريد تام للارادة الفردية للانسان العراقي بل وتجريد المجتمع بأسرهِ من إراداته الجماهيرية والتي تمثل جزءاً من حقوقه الطبيعية ألا وهي التعايش والعيش في منظومة اجتماعية سلمية وصحية تضمن لكل فرد فيها حياة كريمة وآمنة وتحفظ كرامة وحرية كل فرد في تحقيق اهدافه التي يصبو اليها, كما جاء في دستور الدولة العراقية لعام 2005 (الباب الثاني، المادة 33. الدولة الديمقراطية تعني دولة المؤسسات المدنية فلا يجوز في اي مؤسسة من مؤسسات الدولة ارتداء البزات العسكرية اثناء التعامل الاداري اليومي مع المواطن.

المدنية تعني اظهار وجه سلمي حضاري بعيدا عن مظاهر التسلح والعسكرة. ايضا طريقة التعامل مع المواطن يجب ان تبنى على الحوار الهادئ ومساءلة المواطن في شؤونه الشخصية بطريقة حضارية وعلى حدة وليس امام حشد من المراجعين من اجل الحفاظ على خصوصيته. الدولة المدنية تعني ايضا ان يكون اكثر مواطنيها موظفين في مؤسسات مدنية. وما نلاحظه في دولتا اليوم هو حشد كبير جدا من شبابنا وابنائنا في المؤسسات العسكرية والامنية. هذا الامر سوف يُمهّدُ لثقافة مغايرة تماما مع فلسفة الديمقراطية في تكوين مجتمع سلمي خال من المظاهر التي تدعو لترهيب وتخويف المواطن.

بالاضافة إلى ذلك تؤدي هذه السياسة إلى نمو العنف الاسَري وتعليم الاطفال على أْن يحذو حذوَ آبائهم وعلى الاقتداء بصفاتهم العسكرية الصارمة والعنيفة والبعيدة كل البعد عن الارتقاء في حسن المعاملة مع افراد الاسرة والاستماع إلى مشكلاتهم بكل هدوء وسكينه. عندما تسأل أي طفلٍ في العراق ماذا تريد أنْ تُصبحَ في المستقبل؟ فالجواب ينطلق من الذكور بسرعة فائقة دون التأني في الاجابة: "اريد ان اكون شرطيا, او عسكريا كي ادافع عن وطني.." هذه الثقافة هي كارثة اجتماعية بحد ذاتها وسوف تعيد لنا تقوية المؤسسة العسكرية الامر الذي قد يؤدي إلى رجوع العراق إلى مربعه الاول وإلى تأسيس نظام عسكري تيموقراطي عبر الانقلاب.

فعلينا بتجنّب هذه الكارثة من خلال الاهتمام الموسع بدور مؤسسات المجتمع المدني غير الحكومية وانشاء مجالس شعبية للمواطنين في كل منطقة من بغداد والمحافظات من اجل ترسيخ قيم المجتمع المدني ونبذ العنف بكل انواعه وارساء السلام وكيفية الحفاظ على حقوق الانسان واحترام ارادته الدستورية والفردية. ايضا علينا ان نعمل على تحفيز دور المرأة في هذا المجال إذ انها الام المربية والمعلمة لابنائها فتربية الابناء سلميا داخل المنزل والعمل على الحفاظ على اواصر المحبة والاحترام بين كافة اعضاء الاسرة سوف يعكس هذه التربية على التعامل مستقبلا بين كافة افراد المجتمع. على المرأة أنْ تأخذَ دورها ايضا في المؤسسات الحكومية وان تتصدر بكل قوة مواقعَ عليا لانها تعلم ما يحتاجه مجتمعها للبناء وللرقيِّ وللمدنية كون المرأة في طبيعتها إنسانة اجتماعية وتحرص على الاستماع إلى كل ما يدور من أمورٍ ومشاكلَ تخصُّ الفرد ومجتمعها. على الدولة ان تحمي حقوقها دستوريا من الاجتثاث والتعسف والعنف الذي يصيبها ويعصف بمستقبلها وبحياتها وباستقرارها (المادة 29 والمادة 30 (اولا)).

على الدولة ان تصلح منظومتها العسكرية والامنية كي تصبح واضحة وشفافة للمواطن. فقد كثرت التسميات للمجاميع المسلحة التي تحرص على امن الاحزاب اولا قبل امن الدولة.

هذه المليشيات قد تخرج في يوم ما على القانون وتشكل خطرا كبيرا جدا على امن المواطن وعلى سيادة الدولة (المادة 9 (ب) من الدستور العراقي لعام 2005) لانها غير مُدرجة في سلم المنظومة العسكرية وليست مندمجة في القوة العسكرية للدولة. في نفس الوقت على الدولة ان تبذل مجهوداً أكبرَ في تجسيد المدنية والتحضر والانفتاح على الشعوب المتقدمة في العلم والتطور عَبْرَ الاهتمام بالطاقات الشابة التي اصبحت باعداد هائلة عاطلة عن العمل وقد تشكل قنبلة موقوته تنفجرُ في يوم ما في وجه الحكومة غضبا وسخطا. هذه الطاقات يجب اعادة تأهيلها والاهتمام بها بشكل واسع عبر برامج تبادل المعلومات بين الدول المتقدمة والعراق والشراكات الدولية ومن خلال مؤتمر عالمي للبيئة البشرية ينظم في بغداد.

على الحكومة ايضا الاهتمام بالنقابات المهنية والعمالية واعادة تركيبها فهي تُشّكلُ حلقةَ الوصلِ بين المجتمع والقطاع الخاص والسلطتين التشريعية والتنفيذية. فمنها ومن خلالها تنبثق الديمقراطية الفعلية المباشرة في ايصال صوت المواطن واشراكه في العملية السياسية.


 

free web counter

 

أرشيف المقالات