| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 25/4/ 2009



كيف تكون مهندسا بسبعة ايام ومن دون معلم ؟

د. جعفر العاني *

يفتن المسؤولون العراقيون بالمناصب التى يتولوها. ومرد هذا الافتنان، ليس المعرفة الشاملة بدقائق خصوصيات ذلك المنصب والاحاطة به، فتلك المعرفة ليست مهمة احيانا وليست ضرورية غالباً. مرد الافتنان هو ما يمنحه المنصب من سلطة تؤهل صاحبها ابداء ملاحظات عديدة وكثيرة تخص موضوع المنصب، وتخص غيره. والحالة الاخيرة هي التى تجعل المسؤولين في وضع ابتهاج وافتنان دائمين.

عندما يقذف القدر بك وتشغل منصبا ما في العراق (ولا فرق على ما يبدو ان كان في العراق القديم او الجديد)، تحدث ما يروق لك. لايهم. سواء ما قلته صحيحا او غير صحيح. فانك لا تجد سوى آذان صاغية. لا احد يعترضك طالما انت تشغل منصبك. احيانا تمر هذه الاقاويل من دون ان تحدث اثرا ما. لكنها تضحى ذات تأثير موجع وفاجع على مصائر ناس كثيرين عندما تمس شؤون حياتهم وعملهم وآمالهم، خصوصا وانها صادرة من اشخاص بعيدين كليا عن مهنية الموضوع الذي يتحدثون به.

شاهدنا الكثيرين منهم في ازمان مختلفة، واستمعنا لهم. سواء كانوا في ارفع المناصب في الدولة العراقية او حتى في اصغرها. يقدسون هذا التقليد ويروه اساس عملهم وعنوان وظيفتهم، وعلى الاخرين الاصغاء (أقرأ: الاذعان). حتى وان كانت تلك الاقاويل غير صحيحة ومضرة وبالضد من المهنية والاختصاص. احيانا يفتعلون "الحكمة" من خلال سماعهم كلمة من هنا وكلمة من هناك لاغواء مستمعينهم عن مقدار المعارف والعلوم التى هم ضليعون بها؛ وهم اساسا لا يفرقوا "الجك" من "البوك". (ولا تسألونني عن معنى "الجك" او "البوك" فانا نفسى لا اعرفها، ولو اني لا اشغل اي منصب في دولتنا العتيدة).

قد تكون مهنة بعضهم (الحديث)، او بالاحرى ابداء النصح والمواعظ. وهو امر شائع جدا في عراق اليوم. لكن الامر يخرج عن اطاره العام عندما يتلبس البعض منهم المعرفة المهنية في امر ما، وهو بعيد عنها.

قرأت مؤخرا في احدى المواقع الالكتروني
http://www.non14.com/display.php?id=4531
خطبة لاحد الشيوخ القاها في مدينة كربلاء يوم 24/04/2009. تكلم فيها عن امور دينية وحياتية، بدت في عموميتها مقبولة، بل ومرحب بها. لكنه عندما تقمص دور المخطط او المهندس المعماري، ودخل في صلب العملية التخطيطية والتصميمية، وبدا وكأنه المخطط الاول، فان الامر انقلب الى ضده. استمعوا رجاءا ما قاله "... وبخصوص الاسواق والمواقع الدينية التراثية التي يشملها امر التوسعة لتهديمها فقد قدم اقتراحا بضرورة تشييد اسواق بديلة عنها تكون قريبة من مركز المدينة وتبنى بنفس الطابع الذي كانت عليه وتسمى بنفس الاسماء او باسماء اخرى مناسبة ان كانت اسماؤها السابقة غير مناسبة وكذلك بعض المواقع التراثية الموجودة في المدينة فيتم التعامل معها بنفس هذه الالية" .

ماذا يعني هذا القول، وماهي تبعاته ؟ بل ماذا بقى للمهندس او المخطط المسكين اذا كان الشيخ قد فصل التخطيط وصمم الاسواق وعين موقعها واسلوب بنائها ونوعية عمارتها، وحتى اعطاها اسماءها؟

والى متى يظل كل من نصب نفسه مختصا وعالما بأمور مهن هي بالواقع بعيدة جدا عن مؤهلاته، ان يفتي بها ويحدد معالمها ويعين اتجاهاتها ؟ (حتى وان درسها في سبعة ايام ومن دون معلم). وعلى الاخرين الذين درسوها دراسة حقيقية ومع معلمين حقيقيين الاصغاء بما تجود به قرائح اصحاب النفوذ .. واصحاب الاختصاص الجدد.
ليس بهذا الفهم الساذج للتراث او المحافظة عليه يتم تطوير المدينة. وسوف تكون كارثة حقيقية بيئية ومعمارية، لو ان بعض المخططين او المهندسين استمعوا لمثل هذه "التوجيهات"!.

والسؤال الى متى نبقي على التل؟
والجواب: الى ما لا نهاية. اذا كانت الامور تتم بهذه الطريقة الساذجة التى تقصي الاختصاص وتتربع مكانه، طمعا في افتنان وهمي بأهمية المنصب الذي يشغلونه، وادائهم الذي لا يقدم للعراق شيئا .. لكنه بالتأكيد يؤخره!.
 


* استاذ جامعي عراقي
 

free web counter

 

أرشيف المقالات