| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 25/9/ 2010

 

 في العراق.. السياسيون بلا مصداقية والشعب يأكله الندم

موفق الرفاعي

في حقل الألغام العراقي، حيث يتحول العراق من أقصاه إلى أقصاه إلى ساحةٍ حمراءَ من الدماء، يسكن المحكومون، فيما ينأى الحاكمون بعيدا عنه في محميتهم الخضراء بسلام وأمان.

يتصارع الساسة أو يتعاركون. ويتبادلون الاتهامات والشتائم. وكل طرف يلقي باللائمة على الطرف الآخر في تأخير تشكيل الحكومة. فإذا ما أحسوا أنهم بحاجة إلى شيء من الراحة، هجروا البلاد إلى حيث الماء والكهرباء والطقس الحسن ورخصة المسافر في رمضان وتركوها ومعها الناس تحت رحمة المفخخات والقتلة والقيظ وأحكام المجاهرة بالإفطار.

لا يحلو لساسة العراق عقد اللقاءات فيما بينهم إلا وهم خارج العراق..!
- هل ذاك لأنهم خارج اللعبة كما يشيع (الخبثاء)؟

قبل وأثناء اللقاءات تتطاير الملغمات ومعها أجساد العراقيين الطاهرة، من اجل زيادة أوراق الضغط بيد طرف وسلبها من يد طرف آخر في جدلية دموية فاقعة.

قد لا يلتقون من اجل تبادل الآراء وتقريب وجهات النظر كما يزعمون، إنما من اجل تبادل الشكوى عن العبارات التي تصاغ بها الأوامر واجبة التنفيذ عابرة الحدود والتي يهمس بها في آذانهم سفير دولة أجنبية ما أو يدسها في جيوبهم مستشار هو الآخر أجنبي أو ترد عبر الهاتف المحمول بلسان أعجمي.
- يعرف الناس أنهم مرتهنو الإرادة، كما هو العراق. فعلام الخجل؟

الناس في العراق وفي خارجه يعلمون هذا. ثم أن موضوع رهن الإرادة السياسية لم يعد عيبا أو مما يُعَيرُ به سياسيو اليوم وكذا البلدان. فهو بدعة القرن الأمريكي منذ العام 1991 وحتى اليوم والى ما شاء الله.

فكم من رئيس دولة في هذا العالم "لا يشك خيطا بإبرة" إلا بعد اخذ موافقة سكرتارية البيت الأبيض في واشنطن. وكم من البلدان في هذا العالم من تقبع على أراضيه وفي قواعد حصينة القوات الأمريكية. لا بل وان بعض البلدان المجهرية هي في الأصل عبارة عن قاعدة عسكرية أمريكية، استحالت إلى دولة وظيفية بامتياز.

بعض ساسة البلدان المفتوحة صار يتباهى بمدى تماهيه مع الرغبة الأمريكية في جعل بلاده قاعدة عسكرية أو ممرا لوجستيا وان ضيقا للمناورة بقواتها في حالتي الكر والفر، فيما ساسة العراق الجديد ما زالوا اقل شجاعة من أولئك. فقد استساغوا تزوير الحقائق كما زور الكثير منهم الشهادات الدراسية وأدمنوا قلب المفاهيم حين أطلقوا على الغزو تحريرا وعلى الغزاة محررين.

فعلام اصطناع الخجل عن طريق التخريجات المتكلفة، وهم لفرط ارتباطاتهم بأنظمة دول الجوار صاروا "مثل بلاّع الموسى" لا يقدرون على شيء. حتى لو احتل هذا الجار المخافر الحدودية ووضع ذاك اليد على الآبار النفطية وحفرها آخر بشكل مائل لينزحها حتى آخر قطرة سوداء؟

حديث الساسة العراقيين عن السيادة صار يثير السخرية في نفوس الناس وخطاباتهم عن استقلالية القرار يثير الضحك وان كان "ضحك كالبكاء" وتباهيهم بالمصداقية الأمريكية لأنها سحبت جزءا من قواتها أضحى يثير الاستغراب.

فإذا كان العراق يتمتع بالسيادة فلماذا كل هذه الاختراقات الأمنية من دول الجوار وغير دول الجوار حسب اعترافات جميع الساسة بلا استثناء؟

وإذا كان قرارهم مستقلا فلماذا عجزوا حتى الآن عن تشكيل حكومة رغم مرور ما يقارب الستة شهور وباعترافهم أيضا إن السبب هو..تعدد الإرادات بتعدد القوى الخارجية والصراع فيما بينها؟

وإذا كانت القوات الأمريكية قد انسحبت فعلا فلماذا أبقت خمسون ألفا منها (فقط لا غير..!) لأغراض التدريب حسب ادعائها؟

أليسوا هم من انساق وراء مخططات الغزاة ومن وراءهم من دول الجوار إلى لبننة العراق؟ بل ونظّروا لها وخرّجوها خلف دعاوى الفيدرالية والمحاصصة والتوافق؟ (توزيع الوظائف حسب النسب التقديرية لكل مكون مجتمعي من الوزير إلى الخفير وطال ذلك حتى اخطر مؤسستين، الجيش والشرطة)...

وكمثال على إخفاء النوايا وإظهار ما هو عكسها من اجل كسب رضا الشعب أو بالأحرى خداعه، أنهم قبل الانتخابات وحين الإعداد لخوضها ملأوا الجدران بشعارات المواطنة والوطنية وضجت الفضائيات بأصوات الساسة وهم يذمون المحاصصة الطائفية والتوافقات السياسية، حتى حسب الناخبون أن المرشحين هؤلاء غير أولئك الذين انتخبهم وأسسوا لكل هذه المثالب والمصائب والنوائب إن كان عبر صياغة مواد الدستور التي تحولت في مرحلة لاحقة إلى مقالب دستورية، أو عن طريق التطبيق العملي لها وهم في السلطة.
- وصدّق الناس أو أرادوا ذلك من شدة اليأس والقنوط.

وما أن بدأت نتائج الانتخابات بالتسرب وبعدها بالمصادقة عليها حتى عادت النغمة الطائفية النشاز تخدش الأسماع واخذ ضجيجها يتصاعد كلما ضاقت السبل أمام التوصل إلى حل (توافق) من اجل تشكيل الحكومة.

إن الساسة العراقيين فقدوا مصداقيتهم تماما وأصبحوا على لسان الشعب مادة للتندر، والمتتبع لخطابهم شبه اليومي لا يعدم وجود تناقض صارخ في كل يوم يتحدثون فيه من اجل المزيد من خداع الناس أو لأجل تغيير قناعاتهم.
والناس الذين ومنذ سبع عجاف ينتظرون منهم الكهرباء والماء الصالح والدواء الناجع والطرق الممهدة والتعليم وحل مشاكل البطالة والسكن وإعادة تأهيل البنى التحتية وعشرات من المطالب المشروعة والأساسية إضافة إلى الأمن، قد ملوهم وملوا وعودهم التي لم تتحقق وخطابهم الأجوف.

العراقيون اليوم أمام مفترق طرق جميعها مسدودة، وحيرة المواطن تزداد كلما تقدم الوقت واستعصى على الأطراف السياسية تشكيل الحكومة، وندمه يتنامى انه انتخب هؤلاء ممثلين له فيتحول إلى مظاهرات كما حصل في ما أطلق عليها (انتفاضة الكهرباء) وليس مستبعدا أن يتحول هذا الندم في مراحل متقدمة إلى غضب شعبي عارم وعندها لن يكون هناك احد بمنأى من الشرر.


 

free web counter

 

أرشيف المقالات