| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 24/7/ 2010

     

سياسيو العراق والأزمة الأخلاقية

خضير الأندلسي

تعرف السياسة على أنها مجموعة أفعال وقرارات تصدر عن اشخاص السلطة لتسهيل عملية ادارة شؤون البلاد والتعامل مع الاوضاع الداخلية والخارجية ورعايتها ,بكلام اخر ,يمكن تشبيه الدولة بالشركة العملاقة التي تديرها ادارة مركزية وهي توازي سلطة الدولة , وهذه الأخيرة يجري انتخابها او قد تنصب نفسها على العامة اجبارا.
ارتباطا باللحظة الانية نحن بصدد من جرى انتخابهم اخيرا في الانتخابات العراقية ,فنصنف الساسة وفقا لافعالهم الى جيد وسيء ,منصف وظالم ,وطني وعميل وتختلف الروئ هنا من شخص لاخر كما تختلف درجة تقييم كل واحد منهم تبعا للحظة المعاشة .
واذا ما جرى تصنيف هؤلاء وفق تصوراتنا فيخطر على البال ثمة سلوكيات يستحيل قيام سياسة شريفة بدونها لذا وجب وجودها. هذه السلوكيات يطلق عليها بمعنى عمومي الاخلاق ,وقد تكون مجمل السلوكيات جيدة فتنتج اخلاقا جيدة او قد يكون العكس .قديما نادى الفلاسفة افلاطون ومن ثم ارسطو بالمدينة الفاضلة ,تلك المدينة المثالية التي ان اصابتك مصيبة تجد الكل يلتف حولك من كل حدب وصوب ,واذا احتجت المساعدة سارع الجميع اليك وان بادلت التحية فترد بأحر منها ,مدينة مجردة من الكره والانانية ,يجمع ساكنيها الحب ويوحدهم الشعور الانساني ,فهي الصدق والشرف والاخلاص والنبل ...الخ ,ببساطة هي مدينة الفضائل.
يناقش احمد امين في كتابه( الاخلاق) بعد مقدمة وافية ,ماهية الاخلاق فيقول ,عبارة عن مجموعة افعال تصدر عن الانسان بصورة ارادية اي ان الافعال في حال كونها غير ارادية فهي لاتدخل ضمن منظومة علم الاخلاق. فلا يمكن ان ننعت المجنون ان اساء التصرف بقلة الادب لان تصرفاته غير ارادية ,كما لا يمكننا القول ان فلانا ذو اخلاق رائعة كونه صحيح البنية او يملك جسدا مثيلا وهكذا.
ولما كانت الافعال الارادية فقط هي من يصنف الى خير وشر ,فان الجفاف حين يضرب ارض معينة لايمكن نعته بالعمل الاخلاقي او الغير اخلاقي , ولكن حين تبني تركيا سدودا وتقطع الماء عن العراق لتساهم بتشريد كثيرين فانها تمارس لعبة مجردة من الاخلاق ,فهي بعيدة عن تعاليم الاسلام التي طالبت باحترام الجار وحقوق الناس, اضافة الى تعديها على القانون الدولي الذي يُثبت في طياته قواعد احترام الجيرة بين الدول.
تصنف الاخلاق الى افعال خير وشر واذا ما صنفنا الاخيرة على هذا الاساس فلا بد من محاكمة الشر الذي يسيء الى الناس . يجري هنا محاسبة الشر من منطلقين ,قانوني واخلاقي . فجزاء أختلاس مسؤول اموالا تقديمه للعدالة من باب قانوني ويتم اللجوء اليه (اي القانون) حين يفقد الانسان المسؤولية الاخلاقية ,فالرقيب القانوني هو العدالة , ورقيب الاخلاق هما الأله والضمير.
الاجواء الحياتية هي من يحدد الطريق الذي يسلكه الفرد مستقبلا , ونحن اذ نتطرق للبيئة فنعني بها ( الدين ,المجتمع ,السياسة ,الاقتصاد وغيرها من العوامل) .فالبيئة هي من تقرر كون نتاج اعمال الفرد مستقبلا تدخل ضمن نطاق الخير او الشر لانها تحوي جملة عوامل موضوعية وذاتية تتدخل بهذ الخصوص ,فمن نشأ في قرية يختلف في سلوكه عن ابن المدينة والرحالة يختلف في نمط تفكيره عن المعتكف وهكذا ,فالبيئة هي الاساس البناء للانسان. فغالبا ما نلقي باللائمة على المجرم لانه أجرم والارهابي لانه فجر ولا نلتفت قليلا للقاعدة التي تأسس ارضية موضوعية لبناء هكذا انسان, فالبطالة المستشرية والفقر المتقع والجهل المُطعم بالمنابر التحريضية والخ هي اساس العنف ويجب استئصالها لضمان فرد منتج ,فمن الصعب ايجاد من يتبنى تيار العنف في المجتمعات الغربية على عكس ما موجود في الشرق الغارق بتياراته الدموي, لوجود مقومات العيش السليم هناك وانعدامها لدينا.
ان سر نجاح الاخلاق يكمن في قوة الارادة ,فكلما كانت ارادة المدمن على تدخين السكائر او احتساء الكحول قوية زادت فرص تركه لها بسهولة ,وهكذا الحال بالنسبة للأخلاق , فكلما كانت ارادة الفرد قوية ,تحصن بالأخلاق وقلت فرص قدومه على أعمال تلحق الضرر بالأخرين , ويقدم لنا الاديب المصري احسان عبد القدوس في روايته (في بيتنا رجل) انبل معاني الشرف وأسمى مثل الخلق وهو يصور بطل الرواية (ابراهيم حمدي) الذي نذر نفسه لخدمة الناس من اجل اسعادهم ,فتجاوز على ذاته بأنسانيته, فشتان بين من يعيش من اجل خدمة الاخرين وبين من يعيش لنفسه!.
ان الضمير هو ما يدفع الناس الى مراجعة ذواتهم وبالتالي اتخاذ قرارات تؤثر على مجرى حياتهم , ولما حال هذا الحاجز بينهم وبين القدوم على اعمال تجلب لهم السعادة حاول كثيرين تجاوزه, ولعل افضل طريقة لأزالة هكذا حواجز الاستعانة بالدين او الايمان بافكار يخلقها الغير للتصديق بها(الشعوذة) وبالتالي تجاوز معضلة الضمير. فسبق وان ألتقيت مع احد اللصوص بعد ان احتال على بائع مواد غذائية ولما سالته عن السبب الذي دفعه الى القيام بهكذا عمل وخصوصا انه من المتدينين ,اجابني بان مالك المحل (مسيحي) ويجوز لنا سرقت حاجياته كغنائم جزاءا لعدم ايمانه بخاتم الانبياء محمد (عليه افضل الصلاة والسلام)!.

الأخلاق والديمقراطية
حين يجري الحديث عن الديمقراطية في مجتمعاتنا العربية يتم حصرها فقط في الانتخابات ,او بعبارة ادق في صندوق الاقتراع لا اكثر! وهذه من المشاكل التي تحول دون تطور المجتمعات الشرقية ,فالديمقراطية تعني مؤسسات ومجموعة فلسفات وحريات تمارس من قبل العامة ,فالنظام الديمقراطي حين شرعه الاوائل كان غرضه الخروج عن المعتاد في تنصيب الحاكم او تعينه دون رضى الغالبية , فهي مجمل قواعد اساسها الوعي والحرية . فالوقت الذي تنتج الديمقراطية لدى الغرب ساسة دولة فانها تخرج في دولنا رجالات في غير محلهم لافتقارنا لفسلفة ديمقراطية حقيقية بمعنى اخر ,اننا نأخذ القشور ونترك اللباب !.
في الانتخابات الاخيرة التي جرت في اذار ترقب الجميع تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن للخروج من الازمة الضاربة لمفاصل الحياة بشتى صورها في العراق , وهنا الاختبار الحقيقي للاخلاق السياسية التي من المفترض ان يرتقي اصحاب السلطة اليها والتي لاتقل شئنا عن الاخلاق العامة , فهي تسعى الى اسعاد الناس والوقوف عند مشاكلهم وحلها للحصول على راحة ضمير ورضا الأله. الا ان الواقع كشف عن انعدام الاخلاق السياسية لدى غالبية مسؤولينا ويتجلى هذا في سعيهم الى المناصب وترك الشارع يلهب ويهدد المواطن الفاقد لابسط مقومات العيش الانساني (الامن ,الماء ,الكهرباء, وبقية الخدمات الاساسية).
على السياسين مراجعة ذواتهم جيدا والوقوف عند عللها والاطلاع على تجارب الغير لخلق ثقافة التبادل السلمي للسلطة منعا لنعت البعض باللأخلاقيين ,او قد يتعدى الوصف حدوده.!


 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات