| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الجمعة 24/12/ 2010

     

ثلاثة أوهام لتبرير إستعباد الناس بإسم الدين

علي بداي

توجد في العراق (1000000) أرملة عراقية حسب إحصائية رسمية صادرة عن وزارة المرأة العراقية  عام 2008 و (4,000,000) طفل يتيم حسب تقديرات وزارة التخطيط و(2,500,00) شهيد حسب إحصائيات وزارة الصحة العراقية والطب العدلي حتى كانون أول 2008 و(800,000) مغيب حسب إحصائيات الدعاوي المسجلة لدى وزارة الداخلية العراقية حتى كانون أول 2008 و (4,500,000) مهجر خارج العراق حسب إحصائيات المتقدمين إلى جوازات فئة (ج) لدى مديرية الجوازات العراقية حتى نهاية كانون الأول 2008 و (2,500,000) مهجر داخل العراق حسب إحصائيات وزارة الهجرة والمهاجرين والمهجرين العراقية و (76,000) حالة ايدز حسب الإحصائيات المسجلة في وزارة الصحة العراقية وتنتشر المخدرات المستوردة والمسوقة من قبل عصابات الأحزاب المتنفذة بين الشباب  وبنسب مخيفة حسب إحصائيات مركز مكافحة المخدرات والإدمان الكحولي في وزارة الصحة العراقية . ويشهد المجتمع العراقي ثلاث حالات طلاق لكل أربع حالات زواج حسب إحصائيات وزارة العدل العراقية ويحتل العراق الحالي المرتبة الأولى في العالم من حيث عدد الأفراد للمسكن الواحد وهي (7،7) شخص حسب إحصائية البنك الدولي .

حالة العراق الحالي إذن ،إذا ما أضفنا لها الخراب التام للبنية التحتية وعيش نصف السكان في أجواء الآخرة بعد أن يأسوا من الدنيا تماما، قد تفوق خرابا ما قرأناه عن حالتها بعد إجتياح هولاكو لها ، وهذا الوضع المزري هو حصاد منطقي جدا بعد سلسلة الحروب وإحتلال البلاد والفوضى التي أعقبته، ولكن يبدو من غير المنطقي رغم كل هذه الحقائق المخيفة ، أن لا تجد الحكومات المحلية في بغداد والبصرة وبابل ما يشغلها وما يخيفها في البلاد سوى الموسيقى والعروض المسرحية والثقافة وكل أنواع وأشكال فرح ولهو الناس المغضوب عليهم والملاحقين من قبل الأرهابيين ومليشيات الطوائف .

قد يبدو الأمر لأول وهلة لمن لا يعرف ، وكأنه تصرف عفوي متوقع من أناس محافظين وجدوا أنفسهم فجأة بمواجهة مجتمع ينفتح على عالم متطور ولكن الصورة لا ترى مكتملة، الا بالوقوف أمامها مباشرة ومحاولة جمع جوانبها في كل واحد . ما يجري في العراق الأن متمثلا بعمليات تمويل ضخمة لتوظيف المليشيات والإذاعات الدينية والفضائيات والمساجد والصحف والأشخاص وتهجير الأقوام غير المسلمة هو تأسيس لمسيرة جادة بإتجاه تصفية الإرث الثقافي الحضاري للعراقيين ضمن عملية تزييف هائلة للوعي، وتزوير للتاريخ بقصد واحد هو كسب شرعية الجلوس على كرسي السلطة الى أبد الآبدين .

وتغييب الوعي يستلزم قبل كل شئ تحنيط العقل ومحاصرة المنافذ التي تمده بالهواء وتحركه ،لأن حركة العقل هي أهم ما يخشاه الإسلاميون، والثقافة هي صنعة إثارة الأسئلة وتحريك الوعي ، لذلك فإن هدف الإسلاميين هو جر المجتمع برمته بقوة السلاح وإغراء رأس المال والتخويف بالنار المستعرة الى الركوب بقافلتهم التي ستدفع لاحقا الى مجاهل التاريخ وتضيع بين غبارالمخطوطات وجدل الفقهاء ومعمعات حدثني فلان عن علان حيث يكون صوت الخطيب مصدر ثقافه الفرد الوحيد، هذا الفرد الذي سيسجن ضمن قفص المحرمات التي سيزداد عددها كلما تقدم الإنسان وتطورت حضارته. ولا يغيب عن أصحاب المشروع الإسلامي الخلط المتعمد والساذج بين الثقافة الرفيعة والتحلل الإخلاقي فلا يفرقون متعمدين بين منتديات المثقفين وملاهي الرقص الخليع والمجون المرفوضة أصلا من قبل المثقفين الحقيقيين، لأن هذا الطريق هو الأسهل (وإن كان الأكثر خساسة) للوصول الى أهدافهم الرجعية .

تواجه شعوب كل البلدان ذات الأغلبية المسلمة المتخلفة المسحوقة، إرهابا دينيا من قبل المرجعيات الدينية على إختلافها هدفه النهائي السيطرة السياسية بإسم الدين، وتعتمد فلسفة الإسلاميين في كل مكان وعلى مختلف مشاربهم على أوهام تسوق على أنها حقائق تأريخية ليتم من خلالها تخدير المستضعفين، وإيهامهم بأن غدهم السعيد قادم، وأول هذه الأوهام هو: " أن البلاء والتخلف حل بالمسلمين نتيجة لإبتعادهم عن الدين فإنحط قدرهم وزالت حضارتهم "

دعونا الأن نعاين بعجالة العراق كمحور للحضارة طيلة 500 عام ، هل كانت الحضارة التي بنيت على أرض العراق نتيجة لتطبيق مبادئ الإسلام في أي يوم ؟ كلا مطلقا ، لم يكن العراق طوال تأريخه دولة دينية قط، بل على العكس تماما. ولم يدخل العراق (ولا الحضارة الإسلامية عموما) مرحلة الإنحطاط نتيجة لزوال دولة دينية مزعومة ، بل أن التاريخ يؤكد إنحطاط الحضارة الرومانية واليونانية بعد دخول المسيحية ونمو السلطة الدنيوية للكنيسة الى أن حلت المرحلة التي بلغت عندها معاناة أوربا الذروة من فضاعات محاكم التفتيش والوصاية على الناس بإسم السماء فوعت ضرورة الفصل بين المؤسسة الكنسية ومؤسسة الدولة فإنطلقت في رحلتها نحو التطور منذ القرن الثامن عشر فيما بقينا نحن ضيوفا على الحضارة ومن أكبر المستهلكين لنتائجها .

قبل الإسلام بآلاف السنين ، بنى العراقيون أولى حضارات الأرض، وفي وقت مبكر حين دخل الإسلام للعراق ساهم العراقيون في أول انتفاضة في التاريخ الإسلامي ضد الإستبداد المتشح بالدين في زمن عثمان بن عفان، ثم كان المجتمع العراقي بعد ذاك مصنعا هائلا لكل الأفكار الثورية والتغييرية التي إنطلقت من داخل الدين الإسلامي ومن خارجه والتي إزدهرت ما بين القرن التاسع والحادي عشر الميلادي، فمن العراق إنطلقت حركة القرامطة المسلحة بالفكر الإسماعيلي الداعي الى حرية التفكير، والحركة الأشعرية، والحركات الصوفية التي قالت بوحدة الوجود، وحركة إخوان الصفا في البصرة أما إذا توقفنا أمام مرحلة وصول العراق لقمة الحضارة العربية الإسلامية ، فقد كان ذلك في زمن المأمون المتعاطف مع المعتزلة وهم القائلون بان القرآن مخلوق، وفي كل مراحل التأريخ كان في العراق فرق المغنين والشعراء ودور اللهو والرقص وأماكن الشاربين الى جانب دور العبادة من المساجد والأديرة ودور العبادة الخاصة بالأديان الأخرى ، وعبر العصور كان المجتمع العراقي قادرا على إنتاج آلية الضبط الإجتماعي ، والموازنة اللازمة بين الديني والدنيوي دون حاجة الى قوانين ردع وتدخل شرطة ، كما لم تعرف المرأة العراقية تطرفا في الملبس أو السلوك بما يناقض أعراف المجتمع بل كانت مثالا للجدية وطرفا فاعلا في عملية تطور المجتمع .

الوهم الثاني الذي يراد منا أن نصدقه هو : أن أجدادنا كانوا يعيشون في مملكة إسلامية متحضرة عادلة سعيدة ، ويعرف كل من قرأ التاريخ ، حتى ولو بقليل من العمق أن المجتمع الإسلامي (كما هو مرسوم في أذهان رواد الإسلام السياسي الحاليين وبالشكل الذي يرومون تسويقه ) لم يوجد إطلاقا في الواقع في أية مرحلة ، فمجتمع الخلافة الراشدية قبل الفتوحات وأثنائها كان بدائيا مشحونا بالضغائن والإنشقاقات وحروب الردة حيث قتل كل من الخليفة الثاني والثالث والرابع وإتسمت الدولتان الأموية والعباسية فيما بعد بطابع الغنى الفاحش للحكام والتجار وبؤس الأغلبية العامة وقمع وإضطهاد الحركات الشعبية والفرق المذهبية المخالفة لمذهب الحكام عبر طرق بشعة . ولم تكن الدويلات التي نمت على أطراف الأمبراطورية الإسلامية المركزية أكثر عدلا من أمهاتها، ولم يزد بنو عثمان حين إستلموا الراية الخراب الا خرابا حيث إستكملوا بناء دعائم الدولة الإستبدادية العسكرية التي لم تحد عن ثقافة الخوازيق والفلقة.

أما ثالث الأوهام فهو: ...وبناء على ذلك فإن نهوض المجتمع لا يكون الا بإعادة الأسباب التي خلقت حضارته وهنا تطرح الأحزاب الدينية أنفسها متطوعة لإعادة الأسباب التي خلقت حضارة المجتمع ، وتكتمل الحلقة بهجمة نهمة على المناصب و"أوساخ الدنيا" التي ستحصدها النخب الحزبية تاركة البسطاء يلاقون جزاءهم عند ربهم حين سيسكنون جنات تجري من تحتها الأنهار..

وحين يجد الإسلاميون أنفسهم في السلطة ، يكتشفون سعة بحر الأوهام الذي صنعوه بأنفسهم ، حيث أن جوهر هذه الدولة الوهمية التي يقدسونها الإقتصادي والإجتماعي غير موجود وغير معرف الا في الإطار التأريخي لزمن معين هو زمن وجودها (مثلا دولة طور الفتوحات وتوزيع الغنائم ، دولة المستعمرات وضرائب الجزية والإتجار بالرقيق) وسرعان ما تكشف الأنظمة التي تحكم بإسم الإسلام عن عجزها عن حل مشاكل التنمية المعاصرة والتطور الإجتماعي ومعالجة مشكلة الفقر وتكشف عن نفسها كنتاج رث للنظام الرأسمالي العالمي بكل ما يتميز به من أزمات وبدون إنجازاته تماما ، لنتمعن في الحقيقة المفزعة :

- أن من بين 19 مليون نسمة من سكان السعودية هناك 5 ملايين من الفقراء !!! برغم من إنتاج السعودية (التي بقي إقتصادها إقتصادا ريعيا وغير إنتاجي) 9 مليون برميل يومياً بمعدل 70 دولار للبرميل.

- ووصلت نسبة البطالة لدى الشباب الإيراني بين سن 15-24 إلى 29.9% في المدن و19.4% في المناطق الريفية، بمعدل عام يبلغ 25.6%." وهو معدل أعلى بكثير من المعدلات في الدول الفقيرة التي لا تملك موارد نفطية ولا " إقتصاد إسلامي". وأوضح رئيس مركز الإحصاءات الإيراني "محمد مداد" أن التضخم ارتفع الى 24.2% في أبريل/ نيسان الماضي مقارنة بالفترة نفسها منذ عام ليضرب أفقر الطبقات الإيرانية. أما "علي عسكري" المعاون الاقتصادي لنجاد فيؤكد في حديث الى الطلبة في احدى جامعات طهران صراحة غياب العدالة في توزيع الثروة، حيث ان 60% من الدخل الوطني منحصر بيد ربع السكان كما قال.

- إنظرمن ناحية أخرى الى البراعة التي يتميز بها الإسلاميون في قلب الصورة : تشجع مصادر حاكمة بالإتفاق مع مرجعيات دينية معينة في العراق أبشع عملية إستغلال لمآسي الأرامل من قبل المسؤولين (الحفاة قبل 2003 وأصحاب الملايين الآن) بالترويج لزواج المتعة (الإستغلال الجنسي المؤقت مقابل تلبية الإحتياجات المالية للنساء المعوزات) . يتباهى الإسلاميون بهذا التصرف كإنجاز يهدف الى مساعدة المعوزات ، بدلا من الحل الأخلاقي العصري المتمثل بتشريع قانون ضمان إجتماعي يحمي أفراد المجتمع كلهم من العوز والذل والإستغلال .

النظام الإقتصادي والإجتماعي للدول الإسلامية الغنية بالنفط إذن وبعد عشرات السنين من إستلام الإسلاميين الحكم ، لا يعدو عن كونه رأسمالية مشوهة تابعة، تنطوي إضافة الى المساوئ المعروفة للنظام الرأسمالي على ما هو ثابت في حكم الإسلاميين على إختلاف مذاهبهم في السعودية، وإيران، والسودان وهو الإبداع في تطبيق مبدأ "الخضوع لولي الأمر" فهو الحاكم الملك ، مرشد الثورة ، الرئيس القائد ، شبيه الإله الذي يستمد سلطاته من الله ، وما يستلزمه هذا المبدأ من تعطيل كافة أشكال الإحتجاج وقتل حواس الإنسان والقبول بسياسة الرجم وقطع الأيادي والجلد .

إنها ثلاثة أوهام ، ينفق الإسلام السياسي المليارات سنويا من أجل تغيير أسماءها الى : حقائق رغم أنف التأريخ!
 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات