| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 24/1/ 2010

 

هل نحن امة سوية تحب الحياة

محمد حسن صبيح

ما ينطبق على الافراد والجماعات من الصفات والخصال يمكن سحبها على المجتمعات والامم ومثل ما يقال من ان فلانا كريم او محب للعمل نقول ان تلك امة محبة للعمل . المهم ان يعتمد هنا التوصيف مقاييس علمية موضوعية بعيدة عن الاهواء او المحاباة. لقد ساهمت اطراف كثيرة في تقديم صور ومواصفات للشخصية وللمجتمع العراقي مستخدمين مناهج مختلفة في البحث او اطلقوا العنان لاحكام اقل ما يقال عنها متسرعة ولا تخلو من نوايا. وهنا لا ننكر الجهود الكبيرة التي قام بها الكثير من الباحثين والمختصين ومحاولاتهم لتفهم المجتمع العراقي والوقوف على طبيعته . كما ساهمت عوامل داخلية وخارجية كثيرة في تعميم واطلاق نعوت ومواصفات عن الشخصية والمجتمع العراقيين . اعتمد الكثير من السياسيين والكتاب والاعلاميين تلك التوصيفات ودون عناء او مشقة بحث كل لغاياته . لقد كانت وكأنها مسلمات . وذهب البعض بعيدا ليبني رؤىً ومفاهيم لاغيا او مبالغا في تأثيرات التاريخ او الجغرافية او الثقافة وخصوصاً الموروث منها ، نتج عن هذا تضخيم لطبيعة المجتمع العراقي وجغرافيته وتاريخه وامكانياته .
التهويل الايجابي جعلنا نحلق بعوالم وردية فنطازية ونرسم عوالم لغد انتظرناه طويلاً وهو ليس على الابواب قطعاً ، ساهمت احلام اليقضة تلك في التخفيف من وقع الاذى الذى لحق بنا عبر سنين طويلة . لكنها حالة غير صحية جعلتنا نغفل الكثير من الحقائق خصوصاً تلك التي لا تروق لنا . اغرقنا تأريخنا بالامجاد والبطولات والمنجزات . نشرنا في وطننا ما لا يعقل من الثروات والخيرات. اطلقنا على وحدتنا وتعدديتنا شتى المواصفات , ونسجنا مستقبلاً جميلاً خالياً من العقبات . وكأننا امة خارج التاريخ .

وفي وضع مثل الذي نحن فيه ,انتشار الامية الواسع والطبيعة البدوية والرعوية لمجتمعنا, فقد ساهم الشعر الشعبي والغناء خصوصاً الوطني والسياسي منه في الزيادة في النفخ فينا والتعظيم غير المبرر لذواتنا او الجلد المبرح لانفسنا ومحاولاث زرع عقد لذنوب وجرائم وقعت على ارضنا ولسنا مسؤولين عنها بل العكس كنا من ضحاياها. الخراب الموروث هائل والخراب الحالي ليس بالقليل وما ينتظرنا من جهد لتقويم الحال ربما لا نقوى عليه لوحدنا والاستعانة بخبرات الأخرين وخصوصاً في مجالات البناء والاعمار ليس عيباً شرط ان نعتمد مبدأ الجودة اساساً في التعامل ويكفينا ترقيعاً ومضيعة للاموال .علينا مواجهة الذات ومشاكلنا بشجاعة استثنائية وعلى الاخر وخصوصاً السياسي منا الكف عن الخداع . مما يعقد المهمة هو تخلف ادواتنا وقلتها او انعدام البعض منها وخصوصاً البشرية ، ناهيك عن احاطتنا بجوار اقل ما يقال عنه انه غير محب او ودود . ولاجل هذا اصبحت الاستعانة بآخرين ومن خارج المنطقة يمتلكون المال والقوة والخبرة والتكنولوجيا المتطورة جداً ، اصبح هذا الامر مهمة وطنية ملحة ودونها لا ارى خيراً فيما نحصل عليه من جوارنا. والذى يجرى اليوم من اتفاقيات ومبادلات ليست سوى للاسترضاء او محاولات ابعاد شرورهم عنا . يجب ان نكف عن عداواتنا الموروثة للغرب او امريكا ونضع مصالحنا وحماية بلدنا فوق الكثير من الاعتبارات وخصوصاً تلك غير العائدة لنا ، حساسيات يجب ان نبرئ منها .

نواجة اليوم تحديات ومشاكل عويصة وفي انتظارنا غيرها .نحن امة مستهلكة ، انتاجنا متخلف ولا يقاس .عمدنا على استهلاك حصة غيرنا من الاجيال . البنية التحتية متخلفة ولا تتماشى مع تطلعات اي امة نفطية تريد الخروج من تخلفها ومواكبة عصرها . لقد تجاوزنا المحيطون بنا وبامكانيات اقل بكثير مما لدينا .اراضينا مهددة بالضم والمصادرة ونحن لا نقوى على حمايتها . اراضينا الزراعية تحولت الى سباخ وهجرها من يجب ان يرعاها . مياهنا في تناقص مستمر وهجرتها الاسماك والطيور .اكثر من نصفنا ، النساء ، معطل وامي ومشلول . شعوبنا منقسمة وتسعى لمصالحها دون الاخرين . احزابنا تقدم مصالحها على المصالح الوطنية . وبرامج اغلبها وان وجدت , متخلفة ولا تماشي العصر وضروريات النهوض .

شمالنا واخوتنا الاكراد يخططون للانفصال وهناك من في داخلنا من يشجع او يناصر او يعين . المعادلة عندنا ومن دون العالمين مقلوبة ، الاطراف تقرر والمركز يطيع ، الاطراف قوية والمركز ضعيف والحجة كما هي العادة ان نجلد بأسم الامس وبأسم التاريخ . ما لم يكن المركز اقوى واكثر عدلاً ونمواً وتطوراً مثل باقي الامم سوف لن يكون مركز جذب واغراء بل العكس ستنفره الاطراف وتبتعد عنه . هناك خلل في مسيرتنا القصيرة هذه ، لقد حققنا قفزات على الصعيد الديمقراطي دون ما يوازيه او يقترب منه ولو قليلا على المسارات الاجتماعية او الاقتصادية او الثقافية . وللاسف فإن العكس هو الصحيح في بعض المرافق مثل خدمات الماء والكهرباء والبريد والاتصالات والاعلام والادارة التي تتفشى فيها البطالة المقنعة والاهمال والرشوة والمحسوبية متربعاً على عروشها حزبيون وصوليون وغير كفوئين ولا مستوعبين للمرحلة الجديدة وطبيعة ما يجب ان تكون العلاقات مع المواطنين ، ويعاملون الناس بفوقية وازدراء متناسين انهم انما وجدوا لخدمتهم وحل مشاكلهم لا العكس . وحال التربية والتعليم هي الاكثر مبعثة للهم والقلق منبئة بتراجعات لا يستهان بها ولها انعكاسات مريبة على افقنا ومستقبلنا . لقد ترّبع على عرش هذه المؤسسة الخطيرة سياسيون وحزبيون اميون لا هم لهم سوى تعميم اديولوجياتهم الغيبية ونشر ثقافة تفرق بين الناس والاديان والاجناس ناهيك عن الترهل في اجهزتها الادارية وسوء المراقبة والمتابعة وقد اطلعت على بعض من هذا خصوصاً في مديرية تربية واسط . نائب مدير متعجرف متعال كسول والكل يتحدث عن فساده وعلاقاته النسوية ولا رادع ولا هم يحزنون ، ومدير يمضي جل وقته في استقبالات ما يسمى بوجهاء الناس من المسؤولين والسادة ورجال الدين ولكن دون العوام طبعاً مطلقاً سلطات استثنائية لموظفة مقربة متكبرة على الناس كثيراً ما تغلق الباب على نفسها ممتنعة عن تقديم الخدمات للمراجعين وكأنها منه . وجيوش من الموظفين والموظفات الزائدين عن الحاجة والمعرقلين لسير الامور وسلاستها .

اردت بذلك ان اخرج عن التعميم الممل وما قلته الا القليل في توصيف الحالة التى عليها مؤسساتنا . انه امر يبعث على الاسى والاحباط والغثيان . يبدو اننا امة تمّجد تاريخها وامسها وتضع هالة من القدسية حولهما وتغض النظر عن الجوانب غير المشرقة او المشرفة في ثنايا هذا الامس. كما اننا امة تبالغ في تمجيد رموزها وتنزههم من الاخطاء ونركل الى الكسل مانحين تلك الرموز سلطات لا حصر لها بما فيها سلطة التفكير بالنيابة عنا وحتى اتخاذ القرارات المصيرية والهامة وبغياب ارادتنا . لقد حمّلنا انفسنا وحمّلنا الاخرين خطايا وذنوب وحتى جرائم لم نقترفها او لم يكن لنا فيها رأي او قرار.

ان ذلك اثقل من كواهلنا وشل من قدرتنا على السير الى الامام كما افسد يومنا واضاع غدنا . ما لم نخرج من هذا الحال الذى لا نحسد عليه سوف لن نكون امة سوية تتطلع الى الغد ومحبة للفرح . .


لندن

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات