| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 23/8/ 2010



يا كاملنا الكامل

غانم حمدون

دعني هكذا أناجيك وأنت مسجّى تحت رمال النجف

أعرف نفورك من المديح والمبالغة .
فقسماً بصداقتنا، لم اعثر فيك على قصور يريحك من إكليل هذا الكمال .

توقعتُ ان ترثيني حين ارحل. كنت على ثقة أن أمامك حياةً عامرة بالعطاء المنير والمتعة طيلة ثلاثة عقود، او عقدين على الأقل .

ها انا عاجز عن توديعك برثاء كاملي الجمال بصدقه ورقته الحانية وإيجازه المعهود . فقد أذوت الشيخوخة ما عندي من قدرة، وهي متواضعة اصلا.

لا اظنك تعاتبني ، فانت ادرى بما لك في قلبي من منزلة، يا كاملنا.

يوم تفاقم العنف الوبيل، ورفضتَ الإقامة عند الرفيقين مفيد ورائد، وعزّ عليك المأوى الملائم لنشاطك ، وتلقيت منك نصا اشتهر بعدك عنوانه " عودة من المنفى " ارسلتُ إليك رسالة من عشرين كلمة، لعلها ما زالت في ذاكرة حاسوبك . قلت لك "عزيزي لا أستطيع تحمّل فقدانِك كأحب صديقٍ واثمنِ رصيد ثقافي لقضيتنا. فغادر للنجاة بحياتك إن يئست من تدبير سلامتك."

ثم جاء عزيزنا خليل الموسوي لزيارة عائلته. وصفت له محنتك فقال: يشرفنا كامل كضيف في"إذاعة الناس" . وسرعان ما غدوتَ بحضورك المشع من أحبّ أصدقائه طيلة حوالي ثلاث سنين. وكم حزن أهلُ بيتك ذاك لتغييبك عنهم.

ساعة الفاجعة بلغه خبرها فجاء مع حبيبته الصغرى مهى وامِها الرائعة آفازيه. بدا عليهما وجوم غير معتاد . ألحـّا ان أرافقهم للمبيت عندهم. فأعتذرت . إستدار الى الحاسوب فأستخرج "إذاعة الناس" وكانت تبث مقطعا حزينا من"بحيرة البجع". فرنّ هاتف من صديقنا فاضل السلطاني يستوضح خبرك . استدار خليل وهز رأسه بأسى: إي.. إستشهد..

لبثت مصعوقا، فتولى خليل الرد على الهاتف ، فيما راح يرسل على الإنترنيت توجيهات الى الإذاعة التي أعلنت الحداد عليك ثلاثةَ ايام . إعترضت آفازيه على بث موسقى باليه في هذه المناسبة. فطلب إستبدالها بتقاسيم رزينة على العود والقانون كنت تحبها وأهديت قرصها المدمج للإذاعة .. فيا لها من مفارقة مؤسية!

محبتنا لك يا كامل لم تنشأ فقط لإعجابنا بنتاجك المعرفي القيّم حقاً..بل لأن نتاجك انت معطّرٌ بسمو خلقك ، لا سيما تواضعَك الفائق ، نزاهتَك نادرةَ المثال في كل ما تفعل، تعففَك الصوفي عن الكسب، فلم تملك غير قبرٍ موحش في وطن موبوء بالفساد ، ذوقك الرفيع في كل شيء، أبوتك الجميلة لألياس، وحرصك على إنجاز ما تتولى من مهام بإبداعك المعهود

لقد تنامت هذه المحبة في ثنايا التعامل الطويل بيننا في الثقافة الجيدة. وكانت باكورتُها مساهمتَك، غداة العدوان على الكويت بتحليل مدهش بنضجه المعرفي ومتانة اسلوبه لتك الجريمة

راسلتـُك من دمشق، ثم تواصلنا على الهاتف والإنترنت من لندن ، وفيها إلتقينا اواسط التسعينات، اثناء زيارتك لشقيقك فيصل

كان لي شرفُ ترشيحك لمجلس تحريرالمجلة. فلعبت دورك البارز في تطويرها، وذلك ضمن سياق التجديد الذي يشهده حزبنا، منذ مطلع التسعينات. وتجلى إسهامك في هذا التجديد بعملك في لجنته الفكرية المركزية، وبما خدمت الثقافة الديمقراطية التي يسعى الحزب لإشاعتها ، ومن ثم بحضورك المشع داخل الوطن.

كم فرحت حين اخبرتني أنك اشرفت على دورة فكرية للكادر الشاب. وقد خرجتَ في برنامجها عن المالوف ، فدشنتَها أنت بمحاضرة حول إشكاليات الماركسية ، واخترتَ لها محاضرَين قديرين من اصدقاء الحزب، وإقترحتَ أن يختتمها الرفيقُ ابو داود بحوار مع الكادر حول اهم التساؤلات الفكرية التي طرحوها اثناء الدورة.

في زيارتي الثانية لبغداد إستضفتني في شقتك السابقة و في الزيارةالأخيرة اتسعت لنا معا غرفتك في بيت الإذاعة. وكنا معاً من ضيوف المؤتمر الثامن للحزب، وعند إختتامه سالت عن رأيك فيه ، فاجبت ورأسُك يهتز بسرعته المحببة: زين، زين ..ناجح حقاً .. فاعلنت رأيك هذا لمن شكّ في موضوعية تقييمي للمؤتمر

يوم عدتَ الى الوطن للنضال الثقافي ، فرحت بخطوتك الباسلة حقاً. .. و بعد اسابيع هاتفتُ الرفيق مفيد الجزائري فقلت :(دير بالك على كامل). اجابني ضاحكا ( يمعوّد هو خلي يدير باله عليّ !) إذ سحرته أخلاقك ولمس كفاءتك مبكرا فأصبحتما صديقين.

و خريفَ ذلك العام عقدنا اجتماع مجلس التحرير في بغداد وذلك بمناسبة الذكرى الخمسين لصدور المجلة
فسرّني تنامي حضورك في الساحة الثقافية ، ثم تابعتُ من هنا دورَك المحوري في التحضير المبدع لمؤتمر المثقفين الأول وتهيئة وثائقه في ما يزيد على عشر ورشات من العمل الجاد في مختلف جوانب الثقافة . ولولا تواصلنا لغاب عني دورك في نجاح ذلك المنجز الثقافي الضخم، وذلك لتواضعك ومناعتك ضد التباهي.

ثم حلّ على رأس وزارة الثقافة ضابطٌ قد إعتاد طاعة مرؤسيه من الشرطة ..وأعقبه وزير ما زال هاربا من حكم القضاء.. فرفعت راس محبيك لأنك فرضت عليهما إحترامَك.

فوق مشاغل لا تنتهي في الوزارة وغير ذلك من هموم ثقافتنا المشوّهة، أصبحتَ لولب المجلة ومحررها الأرأس حين عادت لتصدر في بغدادها، بعد ربع قرن من الفراق.
فيا لنكبتها بالحرمان من دأبك المبدع حين جاورت على عرش الخلود مؤسسَها رفيقنا صفاءالحافظ ، و معه أيضا كان لي شرف العمل في هيئة تحريرها خلال السبعينات.

انها نكبة البديل الديمقراطي الحق الذي كرّست لبناء ثقافته عطاءَك المعرفي وجهدَك الثقافي ومن ثمَ وهبته حياتـَك القدوة في شمائلها.

وهي قبل ذلك فجيعة أسرتك الكريمة، لا سيما أمك التي طال إنتظارها على غداء أعدته لك...

عديد من الكلمات الجميلة التي قيلت بحقك لم تغب عنها مرامي الذين ارادوا حرمان الوطن من حضورك النيّر المعطاء. إنهم الرابحون من خراب الظلامية والعنف والفساد والمحاصصة والإحتلال.

فليحبط شرفاء المثقين مراميهم السوداء بمواصلة المشوار لبناء ثقافة البديل الديمقراطي الذي ظل رائدك

أودعك أيها الحبيب وأنا مدين لك بصداقة حقيقية وبمتعة العمل المثمر معك حتى بلغتُ الثمانين فأمسيت عاجزا عن تخفيف اعباء التحرير عنك، وقد أراحني تفهّمـُك قراري بالتفرغ لكتابة ذكرياتي، فرجوت أن يحذف إسمي من مجلس التحرير . فلا َ موجب لبقاء من لا يشارك في التحرير فعلا

أيها الحبيب ، سأهدي لذكراك الغالية ذكرياتي وفيها عنك ما لا يتسع له المجال هنا ...
 


لندن 29 أيلول

كلمة القيت في الأحتفالية التي اقيمت في بغداد ،  والقيت في حفل منظمة الحزب الشيوعي العراقي -  في لندن في نفس اليوم




 

free web counter

 

أرشيف المقالات