| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الجمعة 23/4/ 2010



تأملات في أزمة الملف النووي الإيراني

زهير المخ
dr.zouhair.much@chello.at

سابقاً كانت أوصاف "المهارة" و"البراعة" و"الذكاء" تُسبغ على السلوك الإيرانيّ في ما خصّ "الملفّ النوويّ". الآن، تبدو الأمور مختلفة، فتطغى تعابير "القلق" و"التهديد" و"الإخلال المتعمّد بقرارات الأمم المتّحدة"، بعد أن بات ملفها النووي الأكثر سخونة على طاولة اجتماعات مجلس الأمن الدولي في نيويورك للنظر في إصدار عقوبات جديدة عليها.
فالنشاط النووي الغامض والملتبس يقرّب الدول الأعضاء غير الدائمين من موقف الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس، فيما يعلن المدير العام الجديد للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو، بالنزاهة التي يُسلّم له بها، عن قلقه وبرمه باستئناف التخصيب الإيراني. ومررْ، بهذا الخصوص، قراراً بالغ القسوة حيال طهران. جاء هذا بُعيد قيام البرلمان الإيرانيّ بـ"حضّ" حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد على تقليص تعاونها مع الوكالة الدوليّة. وما لبثت الحكومة المذكورة أن أجازت خططاً لبناء عشرة مواقع أخرى للتخصيب.
سلوك الرئيس الإيراني استفزازيّ بما لا يرقى إليه الشكّ. وربّما كانت حسابات القيادة الإيرانية أنّ طهران تستطيع، عبر الاستفزاز والتصلّب، تحسين مواقعها التفاوضيّة، إلا أن هذا السلوك يستحضر مقولة ماوتسي تونغ التي وصف السياسة ذات مرة بأنها "توسيع دائرة الأصدقاء وتضييق دائرة الأعداء". وما تفعله القيادة الإيرانية، اليوم، هو، تحديداً، توسيع دائرة الأعداء وتضييق دائرة الأصدقاء والأصدقاء المحتملين.
هذا السلوك الاستفزازي غذّى هواجس الدول دائمة وغير دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي تجاه حقيقة القدرات النووية الإيرانية، وأسفر عن تبنيها مزيد من العقوبات على إيران. ففي ديسمبر 2006، صدر قرار مجلس الأمن 1737 الذي يطالب الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة «بالامتناع عن تزويد أو بيع أو نقل... كلّ البضائع والموادّ والتجهيزات والسلع والتقنيّات مما قد يساهم» في البرامج الإيرانيّة الغامضة. ثمّ في مارس 2007، مرّر المجلس القرار 1747 الذي حاول ضبط تلك البرامج عبر منع التعامل مع مصرف "سيباه" المملوك رسميّاً، ومع 28 شخصاً ومنظّمة بعضهم موصول، على نحو أو آخر، بـ"الحرس الثوريّ". ومعروف أن استيراد السلاح من إيران ممنوع، فيما الدول الأعضاء مطالَبة بتجنّب بيعها أنظمة سلاحيّة مهمّة ومؤثّرة. كذلك يُفترض أن تقتصر القروض التي تعطى لإيران على الوظائف الإنسانيّة وأغراض التنمية وحدها. وفي مارس 2008، كان للقرار 1803 أن وسّع الرقابة على الحركة والسفر بحيث طاولت مزيداً من الشركات الإيرانيّة ومن الأفراد المتّهمين بصلة أو أخرى بالمشاريع الغامضة. وقد منع القرار المذكور بيع إيران السلع المزدوجة الاستخدام، أي المدنيّة والعسكريّة في وقت واحد، داعياً الحكومات الدوليّة إلى سحب دعمها الماليّ عن الشركات المتاجرة مع إيران، وتفتيش الناقلات التي تقصد ذاك البلد أو تأتي منه، ومراقبة النشاطات التي يتولاّها مصرفان إيرانيّان.
وإلى طبيعة النظام في طهران الذي لا يثير أي ارتياح، ولا تبعث، لدى الدول الـ 15 الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، على أية ثقة، سلك مسار المشكلة طريقاً تضاعف الريبة والشكّ. فما تفعله طهران جاء الإعلان عنه، صيف 2009، حين رفضت الاقتراحات الأوروبيّة معلنةً استئناف العمل في مجمّع بأصفهان، إضافة إلى السابقة القائلة إن طهران أخفت برنامجها للتخصيب طوال 14 عاماً. وحين أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أخيراً بموقعها القريب من قم، فعلت ذلك بعد أن تناهى الخبر للوكالة بوسائل أخرى. هكذا لم يحل الإخطار الإيرانيّ دون اتّهام عدد من أعضاء مجلس الأمن الدولي الإيرانيّين بتطوير موقع جديد "قد تكون له استخدامات عسكريّة".
وفي الغضون هذه، واجهت إيران بالرفض اقتراحاً روسيّاً مفاده أن تمضي في تخصيبها المدنيّ على أراضي روسيا. ترافق هذا، ويترافق، مع تصريحات لا تفاقم المخاوف فحسب بل تظهّر الطابع العدميّ لما يفعله المسؤولون الإيرانيّون، فضلاً عن اللغة الاستفزازيّة لهؤلاء المسؤولين اللتي اندفعت، في الفترة الأخيرة، إلى حدّها الأقصى.
من هنا، يمكن توقع تحوّل تدريجيّ في مواقف عدد من الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن بالمشاركة في جولة جديدة من العقوبات التي قد تواجه إيران وأنها تتجه تدريجاً، على ما يتوقّع مراقبون كثر، إلى تبنّي موقف شبيه بمواقف سائر أعضاء المجلس. لكنه يعني أيضاً حرمان طهران من دعم هذه الدول في معركة ديبلوماسيّة كتلك، وهو ما يضعف كثيراً القدرة الإيرانيّة على المراوغة.

لكن في معزل عن مشاركة بعض الدول الأعضاء في المجلس، أو عدم مشاركتها، لن تكون مواجهة العقوبات الجديدة المحتملة بالأمر البسيط: فالأطراف المرشّحة للمشاركة فيها ستضمّ، على الأقلّ، الولايات المتّحدة الأمريكية والدول الوازنة في الاتّحاد الأوروبيّ، إضافة طبعاً إلى روسيا والصين. كذلك يُقدّر أن العقوبات الجديدة المحتملة ستتركّز على التجارة النفطيّة الإيرانيّة أكان لجهة السلع البتروليّة المكرّرة والمستوردة من الخارج، أم لجهة شركات التأمين والناقلات، أي أن معظم التصدير والاستيراد الإيرانيّين المتعلّقين بتلك الثروة الحيويّة سيتوقّف تماماً. ونعلم أن الاقتصاد الإيرانيّ أحد أكثر الاقتصادات العالميّة أحاديّة في الاعتماد على مصدر بعينه.
وهو جميعاً ما يحمل على القول إن السعي إلى امتلاك القدرة النووية لن تثمر عن "النصر" نظراً إلى كثرة الباحثين عن نصر. واللعبة ستتواصل ما دام التشدد الإيراني إزاء المطالب الدولية سيظل قائماً، والعبث سيبقى متواصلاً، في ظلّ رايات ايديولوجيّة خفّاقة.



* كاتب وأكاديمي عراقي


 

free web counter

 

أرشيف المقالات