| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 23/4/ 2013

 

تآكل الشرعية الوطنية للدولة في الشرق الأوسط

د. فاخر جاسم

مثل وحدانية خيار التطور أمام البشرية، بعد انهيار تجربة بناء الاشتراكية، في بداية تسعينييات القرن الماضي، معضلة فكرية للباحثين والمفكرين المهتمين بدراسة تطور العلاقات الدولية، نتج عنها كثرة من الاشكالات منها: هل وحدانية خيار التطور الاجتماعي على الصعيد العالمي المتمثل بطريق التطور الرأسمالي، ينتج عنه ضرورة أخذ النموذج الأمريكي للديمقراطية مثالاً وحيداً للتطبيق في الدول غير المتطورة " المعروفة في الفكر السياسي سابقاً بالدول النامية" التي كانت تعيش على هامش خياري التطور الاشتراكي والرأسمالي؟. ومنها ماهو تأثيرالانتقال لوحدانية خيار التطور الاجتماعي على الصعيد العالمي على بناء الدولة الوطنية في المجتمعات التي تتخلص من الاستبداد؟ ومنها ماهي العلاقة بين العاملين الدولي/الخارجي والوطني /الداخلي في حسم الصراعات الاجتماعية على الصعيد الوطني ومن هو الحاسم فيهما؟ وأخيراً من يعطي الشرعية للسلطات الحاكمة في الدول الوطنية، هل الشرعية الانتخابية، ام الشرعية الديمقراطية وما هو الفرق بين الشرعيتين؟

هذه الموضوعات وغيرها يتناولها الباحث الدكتور لطفي حاتم في كتابه الذي صدر مؤخراً، بعنوان " التشكيلة الرأسمالية العالمية والشرعية السياسية للدولة الوطنية"، مواصلا أبحاثه حول تطور العلاقات الدولية في ضل نظام القطبية الواحدة وتأثراتها على بلدان الشرق الاوسط التي نشرها في كتابيه " آراء وأفكار حول التطور الراسمالي الذي صدر عام 2008 وموضوعات في الفكر السياسي الجديد الصادر عام 2010.

يناقش الباحث أفكاره في فصلين، ففي الفصل الأول" الدول ومصادر شرعيتها" تناول الشرعية السياسية للدولة عبر تطورها التاريخي وصولاً إلى تشكل نموذجين للدول في العصر الحديث ، الدولة الرأسمالية والدولة الاشتراكية، الذي أرتبط بظهور خياري التطور الاجتماعي، بعد الحرب العالمية الثانية. وبخصوص أسباب انهيار نموذج الدولة الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي وبلدان أوربا الشرقية، في بداية تعينييات القرن الماضي، يرى الباحث أنها تعود، بشكل أساسي، إلى ضعف الديمقراطية السياسية وانشار البيروقراطية في مؤسسات الدولة.

في هذا الفصل يرصد الباحث الإشكاليات الفكرية ـ السياسية التي نتجت عن انهيار تجربة بناء الاشتراكية وتأثير ذلك على البنية الاجتماعية للدولة الرأسمالية المعاصرة ، مشيراً إلى أن " الطبقة الرأسمالية أصبحت ذات سمات كسموبولوتية بفعل ترابطاتها الاقتصادية ـ المالية، المالية الإنتاجية، الخدمية والاعلامية ـ خلافاً لسمات الطبقة العاملة التي إنكفات إلى مواقع وطنية بعد سيادة الليبرالية الجديدة، بهدف الدفاع عن مكتسباتها الاقتصادية"
ص8.

وفيما يخص تأثير التطور السابق على الدولة الوطنية ، يتوصل الباحث إلى " ان القوانين الجديدة للرأسمالية المعولمة تحد من فعالية التناقضات الوطنية بسبب وحدة وتشابك المصالح الاقتصادية: الوطنية والدولية"
ص8.

في الفصل الثاني، يتابع الباحث تحليل التطورات الفكرية ـ السياسية المتعلقة بالدولة الوطنية، مركزاً بشكل خاص على طبيعة الدولة الوطنية في المنطقة العربية، بالارتباط مع تأثير قانون الاستقطاب الناظم لتطور التشكيلة الرأسمالية المعولمة، مشيراً إلى أن تفاعل هذا القانون في العلاقات الدولية أدى إلى بلورة أشكال جديدة لتعامل الدول الرأسمالية المتطورة مع البلدان العربية وفق قانون يطلق عليه الباحث " قانون التهميش والاقصاء" ووفق هذا القانون يجري" تكييف الدول الوطنية عبر ضغوط اقتصادية ، سياسية ، اجتماعية تؤدي لنقل تلك العلاقة من التبعية التي ميزت اقتصادها الوطني في مرحلة الاستقلال والتحرر الوطني إلى مرحلة الالحاق"
ص 116. وبناء على هذا القانون تصبح سمة عدم التكافؤ هي التي تتحكم بالعلاقة بين الدول الرأسمالية والدول العربية، وأهم نتيجة لهذه العلاقة هو عدم مراعاة المصالح الوطنية، الاقتصادية والسياسية، للدول العربية.

وفيما يخص تاريخ تطور الدولة الوطنية في البلدان العربية، قام الباحث بتحليل مسارات تطور الفكر القومي وتأثيراته على بناء الدولة، باعتباره الفكر السائد خلال مرحلة تكون الدول الوطنية بعد انهاء السيطرة الاستعمارية المباشرة في أغلب الدول العربية في بداية النصف الثاني من القرن العشرين، متوصلا إلى أن الاشكالية الرئيسية للفكر القومي، تكمن في غياب الديمقراطية في بنيته الفكرية، الامر الذي أدى إلى اعاقة بناء دولة حديثة، قادرة على مواجهة مشاريع الهيمنة الغربية ، وبنفس الوقت تلبية الحقوق السياسية والاجتماعية للمواطنين، مما أدى إلى فقدان السلطات الحاكمة والدولة معاً، الشرعية الوطنية.

ومن أجل اعطاء ابحاثه واقعية، انتقل الباحث من المجرد إلى الملموس، من خلال متابعة مسار تطور الدولة العراقية الحديثة التي تشكلت في عام 1921، مستعرضاً سماتها التاريخية المتمثلة، حسب رأي الباحث، باربع سمات، الأولى، احتكار السلطة من قبل قبل نخبة قليلة، والثانية، اللجوء للعنف السياسي ضد المجتمع، والثالثة، البناء الطائفي، والرابعة، المركزية الشديدة التي اعاقت حصول المكونات القومية للشعب العراقي على حقوقها المشروعة. إن تلك السمات هيات الظروف المناسبة، لقوى الاحتلال الأمريكي بعد عام 2003 لصياغة رسمية لاعادة بناء الدولة في العراق على أساس تقاسم طائفي ـ قومي للسلطات الثلاث، الرئاسة والحكومة والبرلمان، أصبحت هذا التقسيم لاحقا حقوق مكتسبة، باعتباره يمثل التنوع الطائفي القومي للتشكلية الاجتماعية للدولة العراقية.
في القسم الاخير من الفصل الثاني، تطرق الباحث إلى أسباب خفوت دور أحزاب اليسار الأشتراكي في البلدان العربية ، معزيا ذلك إلى تخلف بنيتها الفكرية والتنظمية وبالتالي عدم قدرتها على مواكبة الأحداث، بعد انهيار تجربة بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي وبلدان أوربا الشرقية. ويرى الباحث أن " تغييرات السياسة الدولية التي انتجها الطور المعولم من التوسع الرأسمالي تعمل باتجاه تحول روابط تبعية الدول الوطنية التي ميزت حقبة المعسكرين إلى ركائز لاندماجها بصيغة الالحاق". وبناء على ذلك يقترح الباحث ان تتحول أحزاب اليسار الاشتراكي إلى أحزاب يسارية ديمقراطية لـ " تشكل وريثاً تاريخياً لكل ما أخزنته التجربة الكفاحية للحركة الوطنية الديمقراطية العربية وفاعلا نشطاً في صيانة الدولة الوطنية من الالحاق والتهميش"
ص 210.

وفي ختام الكتاب، يقدم الباحث مجموعة من الاستنتاجات منها :
إن الاستناد على الشرعية الانتخابية للسلطات التي تقوم على آليات الديمقراطية، الانتخابات فقط، يضعف الشرعية الوطنية للدولة، لأن بناء الدولة الديمقراطية، يشترط توفير الضمانات الاجتماعية، التي تقوم على قاعدة التوازنات الطبقية للتشكيلة الاجتماعية الوطنية.

إن حل مشكلة الدول متعددة القوميات، يتطلب بناء الدولة الوطنية الديمقراطية، على أساس فيدرالي لضمان حقوق كافة القوميات، بهدف تعزيز وحدتها الوطنية.

تطوير المفهوم الديمقراطي للوحدة القومية على قاعدة التقارب الاقتصادي العربي المتمثل ببناء أسواق عربية مشتركة، تشكل في نهاية المطاف القاعدة السياسية لاتحاد كونفدرالي عربي واحد.

إن مقاومة نهج التهميش والاقصاء الذي تعتمده الدول الرأسمالية، يتطلب البحث عن أشكال جديدة للنضال الوطني، تقوم على اشراك جميع الطبقات والفئات الاجتماعية التي لها مصلحة في الحفاظ على السيادة والاستقلال الوطني واقامة دول تحترم حقوق الإنسان، السياسية والاجتماعية.

أخيراً، تعتبرالأفكار الواردة في الكتاب، خلاصة لجهد نظري ناقد ومتابعة مباشرة من قبل الباحث، لتطور العلاقات الدولية وتأثيراتها على الدول العربية، خلال العقود الخمسة الأخيرة، مركزاً بشكل خاص على نقد أفكار الباحثين في البلدان الغربية الذين يروجون لأفكار الليبرالية الجديدة، باعتبارها الوصفة النموذجية لاعادة بناء الدولة الوطنية في المنطقة العربية خلال حقبة نظام القطبية الواحدة.


اسم الكتاب: التشكيلة الرأسمالية العالمية والشرعية السياسية للدولة الوطنية.
المؤلف: الدكتور لطفي حاتم.
الناشر: الاكاديمية العربية في الدنمارك، كوبنهاكن.
عدد الصفحات: 212 من القطع الكبير.
 

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات