| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 22/10/ 2008


 

جدوى التوافقات السياسية

عادل أمين
Adelamin83@hotmail.com

تثير التقلبات في الوضع السياسي العراقي،حالات المد والجزر بين الكتل البرلمانية،انسحاب بعضها من الحكومة وعودة كتل أخرى اليها،الإتفاقات الجانبية،التنصل منها وخرقها والعودة اليها تارةً والتراجع عنها تارةً أخرى،الأصطفافات بين أعداء الأمس وأصدقاء اليوم والأنقلاب عليهم وإشهار السيوف بعضها على البعض ، وتعليق الموافقة على قرارات مهمة لأشهر طويلة وهلم جرا...في الوقت الذي تتمرغل البلاد في دوامة من الأزمات الأقتصادية، المعاشية ، الخدمية ، الأمنية والمشاهد المفجعة التي يشاهدها المواطن العراقي يومياً و حالة الضبابية السياسية في الرؤى والإتجاهات عن مستقبل البلاد ، وإنعدام ما يبعث على التفاؤل في النفوس عن قرب استرجاع العراق لعافيته ليفتح ذراعيه لأبنائه وانقاذهم من العذاب الذي يكابدونه منذ سنواتٍ طويلة ، يثير كل ذلك لدى البعض حالات من التشاؤم والإحباط وضيق الصدر عن ما يجري من التوافقات السياسية بين أطراف العملية السياسية ، والعوائق التي تعثر سيرها ، انعكست تلك الحالات على طروحاتهم سواء من خلال الأحاديث أو الكتابات هنا وهناك عن خطأ أو عدم جدوى التوافقات بين أطراف العملية السياسية ، وتشبيه ذلك بالمحاصصة سواء كانت طائفية أو قومية أو ما شاكلهما ، وبالتالي يجب رفضها ، أوعدم اللجوء اليها على أقل تقدير ، لأنها تؤدي الى بطء سير العملية السياسية وإلى إدارة الإمور من وراء ظهر الشعب ، وهي إسفاف للأستحقاقات الأنتخابية وتؤدي للحصول على المكاسب الحزبية الضيقة ...الخ من هذه الحجج ، وبالتالي الدعوة لترك الأمور، بما فيها الحساسة والخطرة والتي تمس مستقبل العراق سياسياً وإجتماعياً واقتصادياً الى البرلمان للبت فيها وحسمها بموجب الأغلبية والأقلية داخله ، لأنها من المبادئ الأساسية في الحياة الديمقراطية ، ومخرجاً لخروج العراق من أزماته ، وكفى الله المؤمنين شر القتال ، وهكذا يتم تجاوز هذه الدوامة بحلقاتها الطويلة ، المثيرة والمرهقة .
إن التوافقات السياسية بين الأطراف المنخرطة في العملية السياسية بتركيبتها المتنوعة في العراق اليوم ، وفي ظل الظروف السياسية الحبلى بمفاجأةٍ قد يكون من الصعوبة بمكان التنبؤ بنتائجها ، وفي ظل أوضاع تكاد أن تكون الفريدة من نوعها في عموم المنطقة ، هي عملية عقلانية وحضارية ، تستدعيها ظروف بلدٍ متخلف ليس بالمقاييس الديمقراطية الأوربية فحسب ، لا بل حتى بمقاييس الهامش الديمقراطي في بعض بلدان المنطقة ، مثل : لبنان ، مصر ، الأردن ، الكويت ، السودان ، اليمن ...الخ
إن التجربة الديمقراطية والحريات والممارسة الإنتخابية ، هي تجربة حديثة ، لم يسبق للشعب العراقي ممارستها ولا معايشتها ، لا منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في 23/8/1923 بكيانها الحالي، ولا عندما كانت ولايات تابعة للإمبراطورية العثمانية ، ناهيك عن التركة الثقيلة للحكومات التي توالت على حكم العراق منذ استقلاله ، والتكوين المتنوع للمجتمع العراقي دينياً ، طائفياً ، قومياً ، و سياسياً ، والأمتدادات الأقليمية لهذه المكونات ، ومحاولات تلك الأمتدادت التأثير على اتجاهات الوضع في العراق ، حسب مصالحها الوطنية ، وأحياناً تأخذ هذه المحاولات طابعاً عنفياً يطحن الجسد العراقي ، وأنعكست على النتائج التي تمخضت عن العملية الإنتخابية بالتشكيلة البرلمانية الحالية ، التي اُتخمت بالصراع لإثبات الوجود طائفياً وقومياً ، بدلاً من أن تكون صراعاً للبرامج السياسية ، والحالة معروفة لدى القاصي والداني عن الجهات التي شجعت و دفعت الأمور بهذا الأتجاه .
يضاف إلى كل ذلك الوضع الناجم عن تداعيات الحرب ، وسقوط النظام على أيدي قوات أجنبية ومن ثم الإحتلال ، وما آلت اليه من انهيار كامل للدولة ومؤسساتها ، وتبعات ذلك على نفسية الفرد العراقي ، والمقاومة المستميتة لأعداء التغيير وفاقدي الإمتيازات من أتباع النظام البائد ، وتحويل العراق الى ساحة لتصفية الحسابات الأقليمية والدولية ...الخ
كل تلك الأمور بذيولها وتفاصيلها ، أضفت على الحالة العراقية وضعاً خاصاً ، يتطلب التعامل العقلاني بين مفرداته و قواه الفاعلة ، والتي أفرزتها العملية الأنتخابية في ظل الظروف الآنفة الذكر ، وهي عملية صعبة بلا شك ومعقدة وحساسة للغاية ، في اتجاهات سيرها ، تحتاج الى التأني والنفس الطويل ، ولا يخفى على أحد من وجود أكثر من جهة فاعلة وذات وزن مؤثر في الساحة السياسية العراقية اليوم ، تروم الوصول الى الشاطئ الذي يرجح كفتها لضمان مستقبلها السياسي ، ولا تتوانى في سبيل ذلك من ربط الوضع العراقي بالأجندة الأقليمية ، قومياً أو طائفياً أو سياسياً ، ولا أشك بالدوافع الوطنية لتلك الجهات ، وهي تعتقد إن ذلك هو المخرج الصالح لضمان مستقبل العراق ، لذلك تسعى لدفع عجلة الأحداث بالإتجاه الذي يضمن لها ذلك .
إن الدعوة الى تجنب الأنخراط في التوافقات السياسية بين أطراف العملية السياسية ، وترك الأمور لأن تأخذ مجرياتها حسب الاستحقاقات الانتخابية ، الأغلبية والأقلية البرلمانية في القضايا الكبيرة والحساسة ، ولا أجد من الحاجة للخوض في تفاصيلها لأن نتائجها واضحة المعالم ، هي أشبه بالهروب للأمام لتجاوز رؤية الصراعات لحل المشاكل العقدية التي تواجه البلاد وتجنب رؤية مراحلها المؤلمة و مجريات سيرها البطيء .
قد تكون التوافقات السياسية تتعارض في جوانب منها مع مبدأ الديمقراطية، لكن هناك معضلات تواجه البلاد بحاجة الى الجهود الجماعية للتصدي لها وحلها ، والمساومة بين أطرافها بحيث لا يحصل طرف واحد على كل ما يريد على حساب الأطراف الآخرى ، وفي نفس الوقت لجم لأطراف تتطلع نحو حلول قد تضمن مصالحها السياسية القصيرة الأمد ، لكنها تضر بمستقل العراق على المدى البعيد.
العراق بلد كبير بمساحته ونفوسه ومكوناته ، يعيش وضعاً كما أسلفت معقداً ، ويواجه مهاماً كبيرة ، أقتصادية ، اجتماعية ، خدمية ، وطنية سيادية ، سياسية ، ومخاطر أقليمية من كل حدب وصوب ، وهو بحاجة الى الجهود المشتركة ومشاركة أطرافه المتعددة والمتنوعة ، ذات وجهات النظر السياسية المختلفة ، لمعالجتها وانجازها ، والسياسة كما قيل فن الممكنات ، والتوافقات شكل للممكنات ، وهي عملية للوي المعضلات وتمريرها بالشكل الذي يناسب جميع الأطراف ، وإذا مورست بشكلها الصحيح ، ستجنب بلادنا مشاكل كثيرة ، ويقصر الطريق لتجاوز المحن ، وهي الأسلوب العقلاني والحضاري الأنسب والأجدى لحل مشاكل بلادنا.
 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات