| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 22/2/ 2010

 

 أنا، وفؤاد سالم، وشهداء الطريق..

فالح حسون الدراجي
falehaldaragi@yahoo.com

بعد أن قدمت أول أمس إستقالتي، وغادرت العمل في مكتب مفوضية الأنتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحررت تماماً من قيود الإلتزام، (وكلبچات) القوانين، والشروط الأنتخابية (وغير الأنتخابية)، أصبح بمقدوري الآن أن أقول كل شيء بحرية، سواء في عرض رأيي الشخصي المتواضع،

أو في التثقيف لمن أراه مناسباً، وملائماً لمستقبل العراق دون أن يتهمني أي شخص، أو (شخصة) بالإخلال بضوابط العمل الوظيفي، أو يغمزني عبر قناة الإنحياز لهذا الحزب أو تلك القائمة. وأظن بأن إلتزامي الأخلاقي بشروط العمل في المفوضية، وصمتي الإضطراري، قد شجع عدداً من البعثيين والطائفيين والفاشلين، (والأصدقاء) الحاسدين إضافة الى مثلومي الشرف، الذين يبغون سدَّ عوراتهم الإخلاقية، والإجتماعية، والسياسية عبر تسقيط وتشويه سمعة الآخرين، نعم لقد شجع صمتي هؤلاء جميعاً للنيل مني عبر عدد من المقالات التافهة، والتعليقات، والإيميلات الأكثر تفاهة.. لكنَّ الأمر المهم لديَّ، أن كل هؤلاء مكشوفون أمامي، وأعرفهم واحداً واحداً رغم تخندقهم خلف جُبنِهم ، وخلف ستار أسمائهم المستعارة...
والأن دعونا نترك هذه الحثالة، ونمضي الى أشرف وأنقى المخلوقات، الى حيث الشهداء الأبرار، وأي شهداء، حين يكونوا من نوعية سلام عادل وفهد وجمال الحيدري وعايدة ياسين. وسأبدأ من الدعوة الكريمة التي تلقيتها ليلة أمس، فتشرفنا أنا وعائلتي بضيافة الصديق مالك عنيد وعائلته الكريمة، ومالك عنيد هو أحد المناضلين القدامى الذين عملوا في صفوف الحزب الشيوعي العراقي منذ أكثر من نصف قرن دون توقف، وقد أتيحت له فرصة التشرف بالعمل في جريدة إتحاد الشعب منذ أن كان شاباً يافعاً يوزِّع الجريدة في محلات بغداد، ومكتباتها، فتعرف على أغلب قيادات الحزب آنذاك، وكان في طليعتهم الشهيد الخالد سلام عادل، فنهل من خبرته، وتجربته، وبسالته الإسطورية. كما عمل (أبو أطياف ) أيضاً في جريدة طريق الشعب خلال السنوات الأخيرة، فكان مثالاً للشيوعي الحريص، والمتفاني، حتى صار فخراً ليس لأبناء طائفته الحبيبة من الصابئة المندائيين فحسب، بل فخراً لكل من عرفه ورافقه أيضاً. وإذا كان حديث أبي أطياف ممتعاً، ودافئاً، فإن حديثه عن سيرة أبطال الحزب، وشهدائه أكثر متعة ودفئاً وعذوبة. وفي وهج ذلك الوجد والإنفعال العاطفي الذي غمرني وأضاء كل مسامات روحي، قام أبو أطياف بوضع شريط غنائي في جهاز التسجيل، لينساب صوت فؤاد سالم الى مسامعنا هادئاً، ونبيلاً، وموجعاً، فيمتليء البيت بعطر الشهداء، وهو يغني لسلام عادل قائلاً :
سلام الحب على أحلى الأسامي
گبرك وين حتى أبعث سلامي؟

وما أن وصلنا هذا النداء المهيب، وأضطررنا لأن نستمع اليه خشوعاً الى نهاية الأغنية، حتى يفجعنا فؤاد سالم مرة أخرى، ليصرخ منادياً شهيدنا جمال الحيدري :
يجمال الغالي عذَّبنا الفراق ..
مدري نبچي إعليك مدري إعله العراق؟

وتتوالى الأغنيات عن الشهداء الخالدين واحدة بعد الأخرى، فتارة أغنية عن الخالد فهد، وأخرى عن البطلة الفذة عايدة ياسين، ومرة للشهيد جورج تلو، ومرة للشهيد حسن السريع، حتى يكتمل الشريط بأغنياته العشر، وقبل أن أجفف الدمع الذي غسل روحي، وقلبي قبل أن يغسل خديَّ، ألتفت لي أبو أطياف قائلاً :-
كيف كتبت هذه الأغنيات العشر يافالح، وكيف إستطعت أن تصف بدقة أشكال هؤلاء الشهداء، ومزاياهم، وتطلعاتهم، وكأنك عشت معهم، فصابحتهُم، ومسَّيتهُم، وتمعنت بوجوههم المضيئة واحداً واحداً، وكيف نقلت كل هذا الثراء، والروعة عن حياتهم، وصمودهم، وبسالتهم وأنت لم ترهم قط؟.. أحكِ لي يافالح قصة هذا الشريط المذهل والموجع، وكيف إجتمعتم أنت والفنان الكبير فؤاد سالم، وكيف تولدَّت الفكرة لديكما، فنسجتم الإبداع خيطاً خيطاً، أحكِ لنا يافالح، فهذا ليس ملكك فقط، بل هو مُلك الناس جميعاً، لإنه تاريخ حزب، وشعب، وهو سجل كواكب مضيئة، فيجب أن يعرفه الآخرون مثلما تعرفه انت، وسيحتاج الناس حتماً في يوم من الأيام لأن يتعرفوا على سر هذا النتاج الشريف، بخاصة وأني قد وجدت هذه الأغنيات على (اليو توب) دون ذكر لإسمك أو إسم الملحن، فقد وضعت هذه الأغنيات على (اليوتوب) دون تعريف! تفحصت وجه صديقي مالك عنيد فلمحتُ على وجنتيه بقايا من دموعه الوفية، وقلت له، سأتحدث لك يا صاحبي عن ظروف تسجيل هذا الشريط، وأنا واثق بأنك لو لم تعرف عنادي وصبري، لما صدقت ذلك قط، ولما صدَّق غيرك.. لكن المفرح أن شخوص هذه الرواية مازالوا طيبين، وأحياء يرزقون.. والحكاية تبدأ منذ عشر سنوات تقريباً، حين أقام أنصار الحركة الوطنية في ديترويت حفلاً صغيراً إحتفاء بقدوم الدكتور فائق بطي عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، ونجل الصحفي الكبير روفائيل بطي – أحد أعمدة الصحافة في العهود الأولى للصحافة العراقية.. وقد غنى في ذلك الحفل فنان الشعب فؤاد سالم بعضاً من أغنياته الوطنية الرائعة، ثم قرأتُ بعدها قصيدة عن الشهيد سلام عادل، فأعجبت الحاضرين، وأبكت بعضهم - وبعضهن – مما دفع الدكتور بطي الى أن يطلب مني تحويلَّ هذه القصيدة الى نص غنائي يقدَّم بصوت الفنان فؤاد سالم. وللحق فإن الفكرة أعجبت فؤاد سالم قبل أن تعجبني، فطلب مني تحقيق ذلك بسرعة، لأنه - أي فؤاد سالم - سيذهب الى لندن لإقامة حفلتين هناك،وبعدها سيذهب الى سوريا، وربما لن يعود أبداً الى أمريكا – وقد فعلها فؤاد فعلاً، فذهب ولم يعد حتى هذه اللحظة - !! المهم إن الحفلة إنتهت، وعدت الى بيتي، لكن تفكيري بالموضوع لم ينته قط، فشغلني تماماً .. وأثناء ذلك، قدحت بذهني فكرة كتابة شريط غنائي كامل عن شهداء الحزب، وليس أغنية واحدة فقط..لكن المشكلة التي شلتَّ تفكيري وقتها، كانت في فؤاد سالم، الذي سيغادر بعد ثمانية أيام الى لندن، ويقيناً أن ثمانية أيام لا تكفي لإنجاز مثل هكذا مشروع كبير. ناهيك عن صعوبة تحديد أسماء الشهداء بعشرة فقط، إذ من سنختار، ومن نترك، إذا كان لدى الحزب عشرات الآلآف من الشهداء الميامين الذين يستحقون الشكر والثناء؟ ولم أنتظر، فبدأت الكتابة في الساعة الواحدة من بعد منتصف نفس الليلة، وقبل أن تشرق شمس الصباح، كنت قد أكملت كتابة إغنية الشهيد فهد، وأغنية الشهيد سلام عادل. فذهبت الى فراشي صباحاً وأنا فرح لما أنجزت، وأقسم أني لم أنم وقتها غير ساعتين، أو ثلاث لأنهض من فراشي مسرعاً وأمضي الى فؤاد لأخبره بالموضوع، ولأجده فرحاً مثلي أيضاً، لكنه قال لي متسائلاً : هل تعتقد بأننا سنتمكن من تحقيق ذلك خلال هذه الأيام الثمانية؟
قلت له : أجل سنتمكن يا أبا حسن، وسننجح حتماً مادمنا مؤمنين به، وسيكون لهذا الشريط لاحقاً صدى عظيم، لاسيما وإننا أول من بدأ، ونفذَّ فكرة تقديم شريط غنائي كامل عن شهداء الطريق..

إقتنع أبو حسن بذلك، وقد إزدادا قناعة، وإيماناً بالفكرة .. لكن مشكلة أخرى واجهتنا أيضاً، فالشريط الغنائي يحتاج الى عازف موسيقي، ويحتاج الى إستوديو، وهذا يعني إننا سنحتاج الى مبلغ لا يقل عن ألفي دولار، خاصة وأن فؤاد مثلي لا يملك ربع هذا المبلغ .. مما دفعنا لأن نذهب الى الأخ نبيل رومايا، أحد أعضاء سكرتارية الإتحاد الديمقراطي العراقي في الولايات المتحدة، وما أن عرضنا عليه الموضوع، حتى فرح بالفكرة، وأعلن عن إستعداد الإتحاد لتحمل كافة مصاريف التسجيل .. كل هذا، وأنا لم أكتب بعد من الشريط سوى نصِّين إثنين فقط. وقد سلمت النصَّين الى أبي حسن، ليقوم بإرسالهما الى أحد الملحنين التقدميين في أوربا. ذهبت الى بيتي منتشياً، وحالماً بهذا المشروع الفني والوطني الجميل، وقبل أن أصل البيت، كنت قد أكملت كتابة أغنية الشهيد جمال الحيدري، وبعد ساعتين أو ربما أكثر بقليل إتصل بي فؤاد، ليخبرني بعدم تمكنه من الإتصال بالملحن طالب غالي، أو الملحن كوكب حمزة، أوغيرهما لأن الوقت في أوربا متأخر جداً، والناس هناك نيام.. ونظراً لقصر الفترة المتبقية، فقد قرر- فؤاد - تلحين جميع أغنيات هذا الشريط بنفسه!! وهكذا بدأ فؤاد سالم – مكرهاً - تلحين أغنيات الشريط...

بعد ثلاثة أيام فقط، كنت قد أنتهيت من كتابة أحد عشر نصاً غنائياً، لأحد عشر شهيداً، وبعد يومين على إكمال كتابة النصوص ( أي في اليوم الخامس )، كان فؤاد سالم قد أكمل تلحين كل الأغنيات، لنمضي بعدها في البحث عن الموسيقي الذي سيعزف موسيقى الإغاني، والأستوديو الذي تسجَّل فيه .. وبعد جهد غير قليل إهتدينا الى الموسيقي نوار العزاوي، الذي كان قد وصل الى ديترويت تواً، ولعل من الأمور التي أفرحتنا كثيراً، أن نوار العزاوي يملك أجهزة تسجيل جيدة، وإذا ما توفر لها مكان خاص، فسيمكن لنا تسجيل الشريط فيها، وفعلاً فقد تم الحصول على مكان مناسب، بمساعدة الأخ خيون التميمي عضو سكرتارية الإتحاد الديمقراطي، كما تم إستحصال المبلغ المطلوب من نبيل رومايا. وبدأ التسجيل، فكانت الأغنية الأولى للشهيد فهد، ثم أغنية الشهيد سلام عادل، ثم جمال الحيدري، ثم عايدة ياسين، ثم جورج تلو، ثم حسن السريع، ثم محمد الخضري، ثم هندال البصري، ثم أبو گاطع، ثم أغنية الشهيدين بيا صليوة، وفكرت جاويد، وقبل أن نصل الى الأغنية الأخيرة في الشريط، والتي تحمل رقم (11) والمخصصة لشقيقي الشهيد خيون حسون الدراجي انتهى للأسف وقت الشريط، ولم يعد فيه مجال لوضع الأغنية الحادية عشرة، حيث نفذت الدقائق الستون تماماً .. وهنا إقترح بعض الأخوة رفع أغنية ( أبو گاطع ) من الشريط، ووضع أغنية شقيقي خيون بدلاً عنها، على إعتبار أن أبا گاطع لم يستشهد، إنما توفي بحادث سيارة على الحدود الهنغارية، لكنني إعتزازاً بدور المناضل الفذ شمران الياسري (أبو گاطع) رفضت ذلك، وأصررت على أن أتنازل عن حقي في أغنية شقيقي خيون، لتبقى أغنية أبي گاطع، وفاء للرجل الذي نذر حياته للشعب، والحزب ووفاء لدوره الكبير في رعايتي ودعمي وإسنادي منذ مطلع حياتي السياسية والشعرية، والصحفية. على أمل أن نستكمل – في المستقبل – سلسلة أغاني الشهداء – فأضع أغنية شقيقي خيون في أول شريط قادم، لكن الأيام تصادمت، وتنافرت، فأبعدتنا الواحد عن الآخر بما فيهم فؤاد سالم نفسه، ولم نلتق حتى بعد سقوط النظام، فقد غاب أبوحسن في لجة السفر، والمرض، والمشاغل، ولم نستطع إكمال حلمنا في مواصلة السلسلة الإستذكارية لأقمار أنارت بدمها ليل العراق الطويل، فضاع الكثير من الأغنيات، والنصوص في سجلات النسيان ... ولعل من أهم الأشياء التي أسجلها هنا لفنان الشعب فؤاد سالم هو حرصه الكبيرعلى إكمال هذا الشريط، حتى أنه سجل أغنية ( أبي گاطع ) في الساعة الخامسة فجراً، وما أن أنتهى من تسجيلها حتى حمل حقيبته الى المطار حالاً، فسافر الى لندن دون أن ينام لحظة واحدة، كما إن فؤاد سجل الأغنيتين الأخيرتين من الشريط وهو يعاني من الأنفلونزا، وما كان لأي مطرب غير فؤاد أن يكمل ذلك قطعاً.. وقبل أن أكمل حديثي للعزيز مالك عنيد، وأروي له قصة شريط (شهداء الطريق)، فإني أردت أن أسجل للأخوين العزيزين عامرجميل، ونبيل رومايا دورهما في تحقيق هذا الشريط،إذ لولاهما لما تحقق هذا المشروع أبداً.


كاليفورنيا


ملاحظة من هيئة تحرير موقع الاتحاد الديمقراطي العراقي
للاستماع الى اغاني شهداء الطريق التي اشار اليها الكاتب الرجاء فتح الرابط التالي لموقع الاغاني الوطنية في صفحة الاتحاد الديمقراطي العراقي والاستماع للاغاني التي تقع تحت عنوان شهداء الطريق.
وقد تم توزيع الشريط بعد طبعه من قبل الاتحاد على سي دي يشكل واسع في كل دول العالم التي يتواجد فيها العراقيون ووصلت اعداد كبيرة من شريط شهداء الطريق الى العراق قبل وبعد التغيير
ونحن في الاتحاد الديمقراطي العراقي ننتهز هذه الفرصة لتقديم حبنا واعتزازنا وتقديرنا الى شاعرنا القدير فالح حسون الدراجي والفنان المبدع فؤاد سالم لانجازهم هذا العمل العظيم الذي سوف يخلد مع ذكرى شهداءنا الابرار
وسوف يتذكر زملاء اتحادنا وخاصة نبيل وعامر وخيون تلك الايام الصعبة التي ادت الى هذا الانتاج الرائع والتي اصبحت جزأ من تاريخهم وتاريخ الحركة الوطنية

للإستماع
http://www.idu.net/MUSIC/songs-home/songs-home-page.htm 

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات