| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الجمعة 22/6/ 2011                                                                                                     



غادرنا المناضل الشيوعي البطل فاخر على حين غرة‏

أحمد السيد علي

لم تكن له الرغبة في السفر الى ملاعب الاتراب صيفا، كان يذهب معتادا في الشتاء ، ولكنه القدر الأحمق الخطى ، حيثُ إتصل أهله من الحلة وأكدوا له ضرورة المجيء شخصيا وإكمال معاملته كسجين سياسي سابق في سجن (أبو غْريبْ)، رغم انه عمل وكاله عامة وخاصة لأخيه...

تثاقل كثيرا من هذه الدعوة وكأنه شعر بالنهاية ، لكن لا مفر من مقابلة قاضي التحقيق .

حزم أمتعته مكرها للعودة الى أرض السواد... عجيب هذه الارض كم التفعت أشلاءِنا وبَعد!

إستقبله أخوه ثائر وأبناءه الثلاثة في ساحة عباس بن فرناس وغادروا المطار الى الحلة ، وفي المحمودية أنقلبت سيارة أخية وكانت الكارثة ...

فقد أنطفأ قلب فاخر وأثنين من أولاد أخيه ... ولد وبنت... ونجت بنت ثالثة ... وكذلك أخوه لكنهما الآن في حالة يرثى لها.

كان ذالك في 7-6-2012

هكذا إنتهى المشهد وأُسْدِلَ الستار على أحد أبطال الحلة الذي كان عصيّاً على رجال الامن البعثيين الامساك به وإنتزاع اعتراف منه.

كان قد أعتقل فاخر في بداية الحرب العراقية الايرانية ، وحكم عليه بالمؤبد لإدانته بالعمل في تنظيم الحزب الشيوعي تنظيم الداخل وسٌجٍنَ على أساس تلك التهمة في أبي غريب.

في عام 1982 أصدر النظام المباد عفوا عاما عن 200 شيوعي تقريبا في ثلاث دفعات كنتُ أنا من الدفعة الاولى 19/6/1982 وكان فاخر في الدفعة الثانية 20/6/1982 وبالضبط قبل ثلاثين عام...

الثالثة كانت باليوم الذي تلاه.

وذلك للاسباب التالية :

1ـ التحضير لإنعقاد مؤتمر عدم الانحياز في بغداد، وكان رئيس كوبا قد سلم مفاتيح السجون للدكتاتور المقبور لتبيضها في كوبا في المؤتمر السابق وكان عليه ان يقوم بالمثل في بغداد.

2ـ زيارة المدان طارق عزيز الى موسكو من أجل الحصول على الاسلحة.

3ـ زيارة الرئيس الروماني السابق شاوشسكو الى بغداد.

كل هذه الاسباب أبدى النظام الدكتاتوري المباد مرونه في إطلاق سراح عدد قليل من الشيوعيين أما الاغلبية تم تصفيتهم وتغيبهم الى الابد دون اعلام ذويهم بمكان دفنهم تحت أرض السواد المُتخَمة بالعباد.

لم يثنٍ فاخر من العودة الى تنظيم الداخل للحزب الشيوعي العراقي والعمل في منظمة الفرات الاوسط ، وأستمر بالعمل ، وهو إبن مدرّس الانكليزية المعروف بالحلة ... عبد العباس منصور... حاول فاخر التمويه من خلال جني الحمام وتربيتها، ولكن حدث أن إعترف عليه أحد ضعاف النفوس، وتم إعتقال مسؤول الفرات الاوسط ... أبو رهيب... وغيّب َ الى الابد ...

بعدها داهم رجال الامن بيت فاخر وهو خارج البيت وإختبأا في حديقة البيت حتى عودته، وحينما عاد شكَّ بالامر وحاول الهروب ولكن بعد فوات الاوان...

أيقن فاخر في هذه المرة إنّ الاعتراف يعني التصفية الجسدية والموت بعد الاعتراف الذي جاء من... إبن تويج...، ولذا قرر في داخله تحمل التعذيب والتظاهر بالجنون...

هنا عليك أن تقنع رجال... الجستابو ... الامن... بأنك مجنون... تَحَمَلَ التعذيب وهو يضحك... تَبوّل على نفسهِ... تغّوطَ كذلك على نفسهِ... جعلهم يراقبوه وهو يأكل من برازهِ... حتى إعتقدوا إنه جُنّ... بعد مراقبة ليلاً ونهاراً وهو يكرر عمله بأكل برازهِ...

قرروا أن يبعثوه الى سجن مستشفى الشماعية للأمراض العصبية في أطراف بغداد...

حاول فاخر جهد الامكان أن لا يُظْهِرْ وجههُ للعاملين في المستشفى من خلال الجلوس ووضع كلتا يديه على وجههِ كما أطلق لحيته ، وكانوا في المستشفى يعالجوه بالكي الكهربائي وزرق الابر وهو يقاوم...

في الزيارات المتباعدة للأصدقاء بعث برسالة شفوية عن طريق أخت أحد الاصدقاء الى رفاقه في الحلة أن يأتي أحدهم في أول يوم العيد وأن يرتدي قميصين وسروالين وحذائين ويخبئ مقص وموس حلاقة ونظاره سوداء وعطر.

في اليوم الموعود وخلال الزيارة ذهبَ ثلاثة من رفاقه للمواجهة في مستشفى الشماعية وكان هؤلاء الثلاثة كلا من السيد عدنان شبر وعلاء وفؤاد.

أثناء الزيارة وفي دورة المياه،

دخل فاخر في زحمة الزائرين الحمام ومعه أحد الرفاق وأعطاه المطلوب وفي عجالة قص لحيته وحاول حلاقتها بالموس فكان الماء مقطوعا، فبال وحلق ببوله وغيّر ملابسه وكان قد تعطرّ من عطر أصدقاءه ولبس نظارات شمسية وخرج مع الزوار وبمعيته رفاقه الثلاثة من الشماعية مختلطين مع جموع الزوار الخارجين.

لم يشأ فاخر الصعود الى كردستان العراق دون قطع الخطوط التنظيمية المتبقية في الحلة بعد أن عرف من خلال التحقيق ان هناك مندسا سوف يُوقِعْ بالاخرين، وذهب الى الحلة وقطع هذه الخطوط وأخذ مجموعة من رفاقه وصعد الى كردستان العراق عند قوات الانصار .

كانت الادوية التي أخذها والكي الكهربائي قد أثرت جديّا في صحته وظلّ بقية حياته يعاني منها. لم يبقَ فاخر طويلا في كردستان العراق بعدها ذهب الى إيران في منتصف الثمانينيات من القرن الفائت ومكث هناك بضعة اشهر وسافر الى الدنمارك ليحط رحاله في كوبنهاكن العاصمة...

هناك تعرفّ بفتاة أمريكية من ولاية منيسوتا الشمالية المحاذية لكندا وتدعى رينيه وعاش معها وتزوجها وأنجبت ولدين هما ...أنجلو و أندريه في بداية التسعينيات وعاش معها مدة في أمريكا ومن ثم عاد ليستقر في الدنمارك.

تقلبت صحة فاخر النفسية والجسدية بسبب ما لحق به من تبعات وتراكمات سابقة من الصعقات الكهربائية والادوية المخدرة والحبوب المهدئة... أثرت كثيرا على حياته الزوجية وإنتهت بالانفصال بعد عقد ونصف تقريبا.

بعدها بفترة وجيزة تعرّف على فتاة روسية وتزوجها وأنجبت له بنت، ولم يدم هذا الزواج كثيرا... لهذا الطائر المحلق في الفضاء دوما...

أمضى وشالة عمره مع أبنهِ أندرية لاعب السلة الواعد ...

زار العراق مرات عديدة بعد 2003 وإلتقى بأبيه الذي يحبه كثيرا والذي تعلم منه اللغة الانكليزية... وقدم معاملة السجناء السياسيين وكان يستحقها بجدارة ولم يكن مع جوقة الكذابين والمدّعين بالنضال إلا أنّ سلطات وزاره الهجرة والمهجرين... قسم السجناء السياسيين... إتصلوا به وأخبروُه بضرورة الحضور الاخير...

لكي يموت في المحمودية وعيناه مشدودة الى حلته الفيحاء.

نم هادئِاً أيها... الشامخ العلي

نم هادئاً بعد رحلاتك الطويلة ألآسرة

نم غنيا النفس فمثلك تشهد له الرجال

سلاما بعيدا من هناك ... يا فَخْرَنا فاخر...










 

free web counter

 

أرشيف المقالات