| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 22/1/ 2013



افتتاحية المدى

هل ستغيّر الحركة الاحتجاجية قيادات مكوناتها وتضع الشباب في مقدمة المشهد..؟

فخري كريم 

صرّح ناطق مفوّه عن دولة القانون لا يكِلّ عن الظهور أمام الكاميرات، وهو يعقّب على مظاهرات الغربية واحتجاجات نينوى وبغداد "السُّنّية" وليس الحكومية المفبركة، بأن العديد من قادة العراقية لم يعودوا يمثلون قواعدهم الانتخابية، وان وجوهاً جديدة ستبرزها المظاهرات كممثلين لها في الانتخابات القادمة. لقد صدق في تخمينهم ونادراً ما يُصيب، لكنه اغفل، عن عمد أو عن عدم إدراك لطبيعة التحولات التي قد تفرضها المظاهرات، ما يمكن أن يترتب عليها من تغيرات في الوجوه والاتجاهات في الوسط السني.

وهي تغيرات في الاتجاه العام لا تصب لصالح ما كان يعمل له رجال دولة القانون، ولن تخدم السياسات التي يجري السعي لتكريسها كأمرٍ واقع.

وقد ظهر الناطق وعلى ملامحه ابتسامة ارتياح، كما لو انه سَجَّلَ نقطة إضافيةً في سِجلّ الانتصارات التي حققتها كتلته، وهي تدفع البلاد إلى أزمات متواصلة وتضعها على مفترق طرقٍ. ومن فرط ثقته، كما زملاؤه في دولة اللا قانون، تناسى ان رياح التغيير التي يراها من سطح الحدث إنما هي إعصار قد تخف سرعته أحياناً لكنه غالباً ما يعود بزخم واندفاعٍ جارف مع استمرار المنخفضات والتخلخلات فيه. وهو إعصارٌ كما يبدو سيكتسح القوة السياسية التي تكابر وتغامر ولا تريد تجنيب البلاد المزيد من الخسائر والتشرذم والأزمات .

لقد اتضح من تواصل المظاهرات في المناطق الغربية وبغداد خصوصاً، ان قيادتها تمكنت من السيطرة على الشعارات المرفوعة التي غابت عنها الى حد ما المقولات الطائفية، كما رفرفت فوقها الأعلام العراقية مزيحة أعلام النظام السابق وصوراً مشبوهة رفعت في الأيام الأولى. ولكن اللافت ايضاً بروز وجوه من خارج الدائرة القيادية المعروفة في مقدمة المتظاهرين، صارت تنوب عنهم في التفاوض وتحديد المطالب. واغلب هذه الوجوه هي من بين من كانوا ضحايا التمييز والكيل بمكيالين في الملاحقة او المساءلة غير العادلة، او من اهالي الضحايا وذوي قرباهم. وما يجمع بين اغلبهم هو البعد عن محيط امتيازات السلطة وفسادها وتواطؤاتها، وهذا بحد ذاته مظهر ايجابي قد يفرز قياداتٍ شابة لم تتسخ بعد بمفاسد السلطة ومناوراتها والتفافها على المطالب الحيوية للناس الملتاعين، والمساومات على المصالح الوطنية العليا. ومثل هذه الإمكانية إذا ما تحققت قد تشكل سابقة وأنموذجا للاحتذاء في الجنوب والفرات والوسط وبغداد، وتثير استنهاضاً بين الشباب والأوساط التي ترى وتسمع وتتعايش مع من يدعي تمثيلهم، وهم يعيثون في الدولة فساداً وخراباً ونهباً وتعطيلاً للمصالح وتبديداً لفرص الإعمار والبناء والتطور .

وليس ثمة شكٍ في أن هذا التحول في "جزئية" منه، يعود الفضل فيه إلى مبادرة التيار الصدري ثم المجلس الأعلى الإسلامي والقيادة الكردستانية بالدفاع عن المتظاهرين في الفلوجة والأنبار وسواهما من المدن، والتعاطف مع مطالهم المشروعة التي لا تتعارض مع الدستور، والتأكيد على أن التظاهر حقٌ يكفله لهم الدستور .

لكن الانعطافة في تأمين الحصانة للمظاهرات والمتظاهرين، واضفاء طابع عراقي عليها واحتضانها بأكثر الوسائل وضوحاً ، انعكس في مرجعية النجف التي نددت بالقائمين على الحكم ممن يزعمون تمثيل الشيعة، وارتكبوا المظالم التي يتسببون بها كما لو أنها تعبير عن إرادة شيعية، وهو زعم مغشوش وملفق لا يراد منه سوى تحقيق مكاسب انتخابية ومغانم سلطوية فاسدة. وقد أسس موقف المرجعية بأوضح الوسائل لمستوى جديد من الحراك والتصدي لسياسات التهميش والإقصاء وتكريس سلطة الفرد، من خلال مطالبتها التحالف الوطني، كإطار موحد، وليس أي فرد مسؤول او طرف منفرد من مكوناته، بمعالجة الأزمة الطاحنة التي تخنق البلاد وتعرض المسيرة الديمقراطية الى مخاطر وتحديات.

ان ما نشهده من حراك واحتجاج بوسيلة التظاهر وأشكال مباشرة من الضغط السياسي، بإمكانها ان تفعل فعلها وتتحول الى منطلقٍ لكسر الحواجز الطائفية والمذهبية بتوحيد المطالب وتعبئة الجهود في مختلف المحافظات والتركيز على كل ما من شأنه إجراء إصلاح سياسي جذري بالوسائل الديمقراطية المتاحة ، وتسليط الضوء على تطلعاتهم المشتركة في إنهاء معاناتهم من انعدام الكهرباء والماء الصالح للشرب والنقص الفاضح في الخدمات الضرورية للعيش الإنساني، واحترام الحقوق والحريات، وإرساء اسس دولة القانون والمؤسسات والحد من عسكرة المجتمع والدولة، وتحقيق مصالحة مجتمعية وطنية تمهد لانتقال تدريجي من الخراب السائد إلى دولة اللا طوائف، الدولة المدنية الديمقراطية والمواطنة الحرة ...


المدى
العدد (2706)  22/1/2013


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات