| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الخميس 22 / 8 / 2013



افتتاحية المدى

مثلث تجفيف منابع الإرهاب

فخري كريم  

تتخبط السلطة السياسية العراقية، في تدابير وإجراءات عشوائية الطابع، تفتقر الى رؤيا شمولية وستراتيجية توحد العناصر المكينة، وهي تتصدى منذ سقوط الدكتاتورية السابقة، لمحاصرة الإرهاب وتصفية المنظمات الإرهابية المسلحة، وتجفيف منابع إنتاجها.
فالمنطلق لكل القرارات التي اتخذت على هذا الصعيد، منذ هيمنة الإدارة الأميركية للاحتلال، حتى بزوع فجر السلطة القائمة منذ سبع سنوات عجاف واكثـر قليلاً، تُركز على عسكرة البلاد ووضع مدننا كما لو أنها في حالة حرب وشيكة. وتمثلت على الأرض في تضخيم غير مسبوق لقوام الجيش والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية والمخابراتية، وتحصين مناطق بكاملها كثكنات وقلاع مسيجة بكل أنواع الحراسات البشرية والأجهزة الكاشفة، وان كانت "فالصو"، ومحاطة بالجدران الكونكريتية والحواجز الثابتة او الطيارة، التي يستفيد منها احياناً بعض الخاطفين واللصوص.
وفي تدابير موازية، جرى ببراعة تخريب السياج الأمني الوحيد، الفعال والكفيل بردع الإرهاب، وتحقيق السلم الأهلي والاستقرار. وتَخَرّم ثم تآكل هذا السياج الواقي مع تصاعد الصراعات والتنافس على جني المكاسب السلطوية، والانخراط بلا رادع سياسي او أخلاقي او وازع من ضمير، في حُمّى الفساد المالي والإداري ونهب ثروات البلاد، عبر مختلف الصيغ التقليدية والمبتكرة.
وفي مجرى هذا الصراع المحموم، غفلت قوى العملية السياسية المقررة لوجهة تطور البلاد، عن ان تعميق الصراع وتدويره وفتح أبوابه على نهايات مبهمة، لن يجعل من الممكن استمرار الوضع على ما هو عليه، ولن يؤدي الى تسكين حالة الاستياء والتذمر الشعبي، وبالتالي لن يوفر القوى مجتمعة ومنفردة، من النتائج التي تتمخض عنها دون ادنى شك، ومهما تباطأ الزمن السياسي، وبدا في حالة تواطؤ وتعويم.

واذ يرى ساسة البلاد، لا فرق كثيراً بين من هو متسلط او مشارك سلبي، وبين من يتبادل المواقع والمواقف في الردح المعارض، شلل الإدارة العامة وعجزها عن تطويع الآليات الكفيلة بمعافاة الحالة الحكومية، المشمولة بحماية دستورية طائفية، فانهم يتغافلون عن رؤية المخاطر الاستثنائية للتدهور الأمني، وانفلات اذرع الإرهاب وعبثه بحياة المواطنين وممتلكاتهم وأقدارهم، في كل الاتجاهات. وان الإرهاب وأدواته ووسائله، لا تشكل منصات نجاة سياسية لأي منها، زعماً بإمكانية تطويقها ووأدها حال الانتهاء من استخداماتها في الصراع على السلطة، سواء في كسب التعاطف لمن هو صاحب القرار ويدعي استهدافه من الآخرين، او للرادحين في المعارضة غير المبالين بما يشكله تمدد الارهاب وتعدد مواقعه وأساليبه وأهدافه، التي تنوش في كل الحالات الناس الأبرياء المدعوين الى يقظة ووعي، ولو جاءا متأخرين.

ان انفلات الإرهاب وتحوله الى لاعب أساسي في الصراع السياسي، على طرفي المواجهة، لم يعد من حيث الأسباب والدوافع والمعالجة، خافياً على ابسط المواطنين ممن علمتهم الفطرة السليمة وتوالي النكبات على مر العهود والدكتاتوريات، السياسة وأساليبها الملتوية، وزلّاتها ومكائدها. وهم من ذلك يستخلصون اليوم ان المشهد السياسي المتكون، لا يجمعه مع مصالح كل المكونات المجتمعية العراقية جامع. ويدركون بهذه الفطرة الشعبية، ان القتلة بالمعنى السياسي، لا يحملون هَمَ الطائفة السُنّية ولا يعبرون عن مصالحها ومستقبلها، وان كانوا من حيث الانتماء المذهبي سُنّة، مثلما ان من يدعون التصدي لهم من موقع السلطة بالمعنى السياسي، ليسوا حملة الهمّ الشيعي او مدافعين عن المصالح الشيعية، بل هم مجرد مهووسين بكرسي السلطة وامتيازاتها ومباهجها. وبات كل عراقي وطني مهموم، منزه عن الدوافع الدفينة لهذا الصراع الملوث بالفساد، يعرف أن ما يُدار في سياق عمليات التصدي للإرهاب، لا علاقة له بما ينبغي اعتماده من أساليب ووسائل مكينة وقادرة على ردعه واجتثاث جذوره. وان مظاهر الاستنفار العسكري والأمني وخلافه من الأساليب البوليسية المنتهية صلاحياتها، لن تستطيع تحقيق سوى المزيد من الإخفاق والإحباط والتضييق على حياة المواطنين الآمنين اليومية، وتكريس ترويعهم، وهم يتلمسون كل لحظة سمعاً وبصراً ومتابعة، كيف ان الدولة بكل جحافلها وأجهزتها ومعداتها ووسائل إعلامها، تتحول في كل منازلة مع خفافيش الإرهاب، الى خرقة بالية وفزاعة مكشوفة، لا تأثير ولا قيمة لها.

الإرهاب المنفلت كما يرى الناس، يعيش على فساد ذمة الحاكمين، وإصرارهم على البقاء في مواقعهم. ومهما توسع قوام وعديد وعُدّة الجيش وقوات الأمن، فإنها عاجزة عن كسر شوكة قواه ومصادر استمراره، وتعزز مواقعه وحواضنه. لان المواجهة الحقيقية تبدأ وتنطلق من معالجة "مثلث" تدميره، المتمثل في إجراء مصالحة وطنية مجتمعية، وانعاش اقتصاد البلاد، بوقف نهب الثروات، وتصفية جذور ومظاهر ومصادر الفساد بكل تجلياته. وبتحقيق ذلك يمكن ان يصبح المجتمع بكل فرد فيه، عيناً وذراعاً وقوة مطاردة متحركة ضد الإرهاب. وحين يتعافى المجتمع، وليس عبر استدراج اللصوص والقتلة الى مرابض السلطة وفسادها، يصبح بالإمكان تحول الأدوات المطاردة، من الجيش "بأقل عددِ كافِ" والجهاز الأمني الكفوء، الى أداة قهر للارهاب وتنظيماته ومصادر تغذيته.

وسيظل الإرهاب خلافاً لذلك، طاقة تخريب وقتل تستمد القوة من تدهور حالة الناس المعيشية، وانعدام الخدمات الضرورية، ويتسلل الى مرافق الدولة وأجهزتها الخطيرة من البوابة المشرعة للفساد، واستفحال ظاهرة البطالة والنقمة الشعبية من أشكال التمييز والتهميش والإقصاء والتعدي على الحريات.

ومن الغريب ان يظل العمى يغشي ابصار وبصيرة أصحاب القرار، وهم لا ينتبهون الى ان كل تدابيرهم تصطدم بالاستحالات السياسية التي تحول دون التنفيس عن المجرى المتوسع للنقمة، التي تشكل بحد ذاتها اكبر خيمة وحاضنة للإرهاب، دون افتراض الانحياز اليه.

ثم هل يمكن حقاً إلحاق الهزيمة بالإرهاب، في دولة يخيم على ربوعها الظلام الدامس في الليل، والمرارة في اطراف النهار؟

هل يصدق عاقل ان هؤلاء جديرون بتحقيق سلم أهلي او خيمة امان دائم..؟


المدى
العدد (2872) 22/8/2013


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات