| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

                                                                                     الثلاثاء  21 / 1 / 2014

 

طه حسين قبل الرحيل (*)

مجيد الأسدي

"أودعكم بكثير من الألم وقليل من الأمل"
هذا ما قاله عميد الادب العربي للدكتور غالي شكري , بعد مقابلة اربعين ساعة ,استمرت ثلاثة أسابيع.تحدث فيها عن التراث والمعاصرة وعن الديمقراطية..ولم تمضي فترة طويلة على هذه المحاورة التاريخية حتى ودعنا العملاق الضرير.

وقبل الخوض في ماقاله نبدأ بالمقدمة التي كتبها محمد كامل الخطيب عن اللبرالية وطه حسين

1- مفارقة الليبرالية العربية
ان مأزق هذه اللبرالية ينحو منحيين اثنين :
أ- المنحى الموضوعي : باعتبارها تيارا فكريا تكون في ظروف انتشار وسيادة اللبرالية الاوربية التي مهدت لها ظروفها التاريخية بصعود مجتمعاتها الى الراسمالية وما لازم ذلك من تطور صناعي وعلمي وسوق مفتوحة عالميا في حين ظهرت هذه اللبرالية العربية في مجتمع ما قبل رأسمالي اذ ليست هناك ثورة صناعية او فكرية فبدت وكأنها راس بلا جسد وهذا ما سهل الانقلاب السريع عليهاسواء جاء عن طريق الجيش في الخمسينات او عن طريق السلفيين في السبعينات .

كانت اللبرالية العربية ضحية عالميتها ومحليتها معا ,ضحية مأزقها.. مأزق عدم وجود قاعدة اجتماعية واقتصادية وعلمية وثقافية وفكرية محلية حاملة لها ,انها ضحية تاريخها الخاص.

ب - المنحى الذاتي : وهذا يخص جانبها الثقافي فقد عجز هذا الجانب عن انجاز حركة اصلاح ديني(حركة تنوير وتفعيل وعصرنة الدين) وقد بدا محمد عبده مشروعه هذا ولكنه اخفق على يد من جاء بعده بدءا برشيد رضا وانتهاءا بجماعات الارهاب الديني الحالية .

اما فشل تيار لطفي السيد وسعد زغلول وعلي عبد الرازق وطه حسين فانه يعود الى ذلك المنحى الموضوعي الذي اشرنا اليه .
غير ان ذلك لا ينفي اهمية وريادة اللبرالية العربية ,والمقصود بذلك التيارات الفكرية والممارسات السياسية التي ازدهرت في النصف الاول من القرن العشرين والتي مهدت لها الافكار التي ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ابتداءا من رفاعة الطهطاوي مرورا ببطرس غالي وخير الدين التونسي وصولا الى الشيخ محمد عبده وعلي عبد الرازق وكامل الجادرجي .وبقيت قضاياها ومهماتها هي قضايا ومهمات المستقبل العربي فالعلمانية والاصلاح الديني والديمقراطية والعقلانية ما تزال السبيل الوحيد لدفع المجتمع الى الامام واحلاله مكانة كشريك مكافيء في هذا العالم الجديد حقا ,وربما كانت هي التمهيد والتأسيس للتفكير باشتراكية تأتي نتيجة اوضاع وتغيرات اجتماعية قاعدية وليس نتيجة انقلاب عسكر .

2 - طه حسين وكتاب في الشعر الجاهلي
قد صدر هذا الكتاب ضمن تيار ليبرالي تنويري عام بدأ صوته يعلو في المنطقة العربية ولعل ولادة هذا التيار حدثت على يد قاسم امين في كتابه (تحرير المرأة )الصادر عام 1899 كما شكل كتاب علي عبد الرازق (الاسلام واصول الحكم) تشريعا او فتوى بفصل الدين عن السياسة.

لقد حارب السلفيون طه حسين لأنه طرح قضية الشك في الاسس والأسس بالنسبة لهم هو الدين غير ان طه حسين كان يدعو الى الشك كمنهج فكري ولم يكن يدعو للشك في الايمان اذ ان الايمان مسالة غير قابلة للبرهنة حتى تكون عرضة للتشكيك. وقد قال الغزالي ان جوهر الايمان نور يقذفه الله في الصدور. غير ان المعركة احتدمت وقتها وأثار السلفيون المشاعر الشعبية - كعادتهم في كل زمان - مما اضطر مفكرنا للرد وتوضيح وجوه الخلاف بين العلم والدين ,وكأنه اراد ان يقول ان الايمان مسالة شخصية لا يحق مناقشتها فهي تتعلق بنوايا المرء وعلاقته بما يعتقد اما الدين فهو مؤسسة تاريخية اجتماعية وبالتالي فالخلاف مع المؤسسة الدينية ليس الحادا .

1- المحاورة
أ‌- الفكرة المصرية :
يطرح الدكتور غالي شكري السؤال هكذا :
من الافكار المحورية الهامة التي عرفتها بعض مراحل تطوركم ما يمكن تسميته بالفكرة المصرية في اطار حضارة البحر المتوسط .فهل لكم ان توضحوا الظروف التاريخية التي رافقت ميلاد الفكرة وإبعادها والمصير الذي انتهت اليه ؟

- لماذا يخيفكم البحر المتوسط كأنه ليس بحرنا ام انكم صدقتم انه بحر الروم انه بحرنا كما هو بحرهم وهو ليس عازلا مائيا بين الامم بقدر ما هو وسيلة اتصال ,فرنسا وايطاليا واليونان يخصوننا كما نحن نخصهم ,قرابتنا لهم قرابة حضارية ,فمن المستغرب ان يضمنا معهم شاط واحد و لا نتأثر بهم او نؤثر فيهم .الى ان يقول قد لا يكون بحوزتنا الان ما نعطيه ولكن المهم هو احتكاك العقل والضمير والروح .ويضيف انه ربما كانت اليابان والصين اكثر حذقا من الاوربيين في صناعة الالات والمكائن ولكن الحضارات الاسيوية لا تستطيع ان تؤثر في عقلي وروحي وان بنت اعلى العمارات وشيدت لي ارفع اجهزة اللاسلكي, ذلك ان توجه المصريين شطر اوربا من اليونان واللاتين حتى اندريه جيد وسارتر وكافكا هو توجه حضاري وثقافي تمليه اعتبارات الجيرة الروحية على شواطيء البحر المتوسط

ب - الليبرالية :
حول سؤال عن المنابع التي استقى مفكرنا منها هذه الفكرة وكيف تمكن من ايجاد التفاعل بينها وبين الواقع المصري وعن المكاسب والخسائر التي عادت على الفكر والوطن من ورائها .

يقول العميد:
اذا كانت أوربا وامريكا قد تنكرتا للحرية فلا ينبغي ان ننساق نحن في هذا التيار ونتنكر لها ,الاحتكارات ضد الحرية داخل المجتمع والاستعمار ضدها خارجه . هذه تجربة اسيفة ,لا يحق لنا ان نفقد الايمان بالحرية بسببهاواذا كانت الديمقراطية في مصر السابقة على الثورة قد اخفقت فلا يعني هذا ان الديمقراطية في ذاتها مخطئة والحرية كل لا يتجزأ هكذا تعلمت من اليونان الاقدمين ومن الاوربيين المعاصرين ومن ابطال الوطنية المصرية امثال احمد لطفي السيد ..المقياس الوحيد لأي تقدم او حضارة هو مدى حرية الوطن والمواطن اما المعرفة والصناعة والازدهار الاقتصادي والتفوق العسكري فكلها نتاج للحرية ابحثوا عن اروع واجمل وانبل ما في مصر تجدونه في ثمار الحرية اما اقبح واسوا ما في مصر فانه قد نبت وترعرع في غيابها .

ج - المنهح الديكارتي
سؤال الناقد غالي شكري: "كان لاستحداثكم للمنهج الديكارتي في تقييم التراث دوي هائل في العشرينات فهل لكم ان تتفضلوا بتقييم الاثر الذي احدثه المنهج ؟
- العميد : المهم ان تنبش تاريخا قديما اما الاثر الذي احدثه كتابي (في الشعر الجاهلي) فاني افترض انكم اعرف به مني ، او هذا ما ينبغي ان يكون! ثم يضيف :"موقف السلطة من حرية الفكر في كل زمان ومكان لا يدعو الى الارتياح تماما. انه موقف نسبي تمليه اعتبارات طارئة ولكن الذي يدعوني للانزعاج هو المناخ العام هو الرأي العام ,يخيل لي في صومعتي اننا عشنا انا وأبناء جيلي في مناخ اكثر سماحة وأرحب صدرا .

د - حول الأدب
هل كان كتاب (الأيام) ترجمة ذاتية كالمذكرات ام اتها عمل روائي محض وان اعتمد على السيرة الشخصية ؟
- لا أدري هل ترونها مشكلة حقا رواية او سيرة ذاتية وما الفرق؟! الادب كله سيرة ذاتية حتى حين يؤرخ الاديب لأحداث مضت او حين يرمز بالأساطير لفكرة معاصرة ,الادب ذاتي وتجسيده للموضوع موقف شخصي .

وفي رده عن سؤال حول الرومانتيكية في (شجرة البؤس) و(دعاء الكروان) و (أديب) يتساءل :
الرومانتيكية ؟ ربما ! هل تقصد بها الاسلوب الشعري الحزين؟ لا أدري اليست هناك(الواقعية التي تفهمونها وتحبونها في (شجرة البؤس) و(المعذبون في الأرض) .قد يؤدي بكم شغفكم بالتصنيف الى وصفها بالواقعية الرومانتيكية .لم اذكر لك اسم شكسبير لأنني أسالك أين نضعه هل هو كلاسيكي أم رومانتيكي أو واقعي؟

ويجيب عن سؤاله : "انه كل ذلك,لأنه فنان عظيم أو هو (فنان) وكفى.."ويضيف "الفن ليس كالأزياء ولا كالماكينات يتغير من عام الى اخر هناك فن او لا فن لا علاقة له بالزمن ,الفن لا يعرف الزمان والمكان ولا تفسير لذلك حتى الان ,لا تفسير للموهبة والعبقرية.

اما عن النقد فيقول "النقد يستعين بالمجتمع والتاريخ وبقية العلوم الإنسانية ويجتهد في التحليل والتعليل والتأويل وهذا كله مفيد بغير شك ولكنه لا يكتشف مطلقا سر الخلق الفني ,أكاد اقول ان هذا السر كلغز الوجود نفسه" ويستدرك قائلا"سر الإبداع أو سر الوجود لا يعنيان ان ثمة قوة مفارقة للطبيعة قد فعلت ما تراه وانتهى الامر, التفسير المادي كالتفسير الغيبي اعجز من ان يقيما البرهان والشهادة على الحقيقة الفنية او الكونية  .

هـ - هموم الثقافة
يقرر "يخيل الي ان الناس لم تعد تهتم بالثقافة الجادة ومن السياسة تأخذ القشور وعناوين الصحف والصور. هكذا اصبحت ثقافة العامة في زماننا هي ثقافة الخاصة في زمانكم. ما هو السبب ؟في الوقت الذي كثر فيه المدارس والجامعات وتعددت اجهزة الاعلام التي تخاطب الاميين كالسينما ودور التمثيل والاذاعة والتلفزيون" يرى ان هناك خطا ولا يجوز ارجاعه الى عصر السرعة "فاني اكره هذا التعبير المضلل سرعة الجهل شيء وسرعة الثقافة شيء اخر "ويصرح بالم" الان ينتابني الاسف حين اجد الصحافة تسرق خيرة ابنائنا وتغتصب ما لديهم من معرفة وقدرات تضعها في اقراص سهلة البلع والهضم في الامعاء الكسلى للقراء فقراء الفكر والشعور ,هكذا نخسر الثقافة ولا نربح الصحافة .

اما في ما يخص النقد الادبي فان طه حسين يرى ان ليس هناك نقد خارج نقد النصوص " فعصر المتنبي لا يعنيني , شعره هو الذي يعنيني .العصر قد يبرر دراسة الشخصية ,قد تنير عادات المجتمع وظروف البيئة ,وقيم الانسان قد تساعد على الفهم ,ولكن الفن الذي يرتبط بعصره وحده هو فن موسمي ومحلي وغير قابل للبقاء غير قابل للعطاء, ولذلك يبقى النص وحده خارج قيود الزمان والمكان, هو المعيار الوحيد للتقويم الصالح" ثم يدخل في التفاصيل فيقول"نقد النصوص ليس تهويما صوفيا حديثا ولا تشريحا لفظيا قديما انه رؤية القصيدة من داخلها ولكن هذا الداخل نفسه مليء ومتخم بعناصر الفن الاكثر سموا من اللغة ,كمصطلحات تعبيرا او تفاهم. اللغة في الفن تتحول الى عنصر جديد لا علاقة له بمعظم المفردات ودلالاتها القريبة من التناول في الحياة اليومية ,اللغة في الفن تصبح فنا او عنصرا فنيا يتكامل نحوه مع بقية ادوات الصياغة , نقد النصوص يخترق حجب العادي المألوف والمرئي بالعين المجردة الى دنيا كاملة رآها الفنان بعيون مغمضة او مفتوحة لا يهم هي دنيانا الاكثر حقيقية من الحقيقة ولكن الفنان يراها ببصيرة تختلف عن البصر العام .وينهي حديثه بقوله"اكتشاف هذه الدنيا من خلال النص هو عمل الناقد ووظيفته الكبرى قل وظيفته الوحيدة .

أما فيما يخص استنكار البعض لتحول طه حسين الى (النبش) في التاريخ الاسلامي يجيب بهذه الكلمات التي تقطر الما ومرارة : "لست أفهم لماذا أصبح (طه حسن) حين أعالج حياة وشعر أبي العلاء والمتنبي ,ولا أكون (طه حسين) حين أعالج الرسول ورسالته وصراع الخلافة من بعده ؟! يا ناس ارحمونا وارحموا نفسكم يرحمكم الله. انني في آخر أيامي ..أودعكم بكثير من الألم وقليل من الأمل.." ويكمل"الغالبية كانت ترزح في تلقيها الاسلام تحت اثقال التفسيرات غير العلمية للمشايخ وجئنا نحن بروح فدائية حقيقية نقتحم هذا الميدان المغلق عليهم..أتيناهم في عقر دارهم لنوقظ المسلمين على تاريخهم الحقيقي لم نتخل عن مناهجنا التي درسنا بها الشعر وغير الشعر ولكننا طبقناها على تاريخ العقيدة التي تدين بها الاكثرية الساحقة .قل ان الاسلام كان مدخلنا الجديد لترسيخ المنهج وقل العكس .كان المنهج مرشدنا الى اقتلاع الخزعبلات من جذورها من ارواح العامة ونفوس ابنائهم.

 

(*) نشرت هذه المحاورة أول مرة في مجلة (الثقافة العربية) - ليبيا السنة الأولى العدد التاسع / يوليو1974. ثم نشرت بعنوان (هكذا تكلم طه حسين لآخر مرة) عن وزارة الثقافة السورية العدد32/2006







 

free web counter

 

أرشيف المقالات