| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

                                                                                الجمعة 21/10/ 2011

 

- ترجمة شبه كاملة وبتصرف نسبي, مع الحفاظ على نص وجوهر افكار الكاتب (1)
- المصدر: جريدة الانفورماسيون lnformation اليومية الدنماركية بتأريخ 14 تشرين الاول 2011 (2)
- الرابط على الانترنيت:
http://www.information.dk/282176
 

هادي المهدي - كان مستعدا للموت من أجل احلامه

انتون جيست (3) Anton Giest

موقع الناس - خاص


هادي المهدي في الاستديو الاذاعي

كان من المفترض ان يكون يوم 9 ايلول في حياة الصحفي والمسرحي هادي المهدي بداية جديدة له كنجم في الربيع العراقي ((تيمنا بما يسمى بالربيع العربي)), مستلهما تجربة النظام الديمقراطي في الدنمارك التي عاشها اثناء منفاه. ولكن وبدلا من التطلع الديمقراطي والذي كان هادي في مقدمة صفوفه, تحول ذلك اليوم الى وقفة استذكارية له شخصيا.

كان هادي يعلم بالمخاطر التي تواجه حياته حين سار في درب الاحتجاجات, فمن حياة هادئة كلاجئ غير معروف في مدينة نيكوبنج فالستر
Nykobing Falster - مدينة تقع في نفس الجزيرة التي تتواجد فيها العاصمة الدنماركية كوبنهاجن, والى الجنوب منها ضمن مقاطعة لولاند فالستر- الى عودته للعراق وموقعه ضمن منتقدي السلطة البارزين, ليصبح بحد ذاته رمزا للربيع العربي في العراق. مستلهما حركة الاحتجاجات في شمال افريقيا والشرق الاوسط, حيث انتفض هادي ضد رفاقه القدماء في حزب الدعوة ومنهم رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي, وشارك جمعة بعد اخرى في مقدمة التظاهرات الاحتجاجية في ساحة التحرير ببغداد.


هيوا الابن الاكبر في البيت وصورة امه ميديا معلقة على الحائط

في الاسابيع التي سبقت يوم التاسع من ايلول حيث كان مقررا ان تنطلق مظاهرة كبيرة, و هادي كان احد منظميها, تعرض فيها الى العديد من التهديدات عبر الفيسبوك ورسائل الهاتف النقال -الموبايل- من مصادر مجهولة تطالبه بالتوقف عن المشاركة في احتجاجات ساحة التحرير وان يبتعد عن الحياة العامة, اذا كان حريصا على حياته.

كتب هادي في الثامن من ايلول اليوم الذي سبق تظاهرة التاسع منه في صفحته على الفيسبوك, بأنه يعيش حالة من الرعب, وفي ذات اليوم بعث برسالة عبر هاتفه النقال -الموبايل- الى ابنه هيوا ذي التسع عشر عاما والمقيم في الدنمارك. ((مرحبا حبيبي)) هكذا كتب هادي الى ابنه ولم يزد عن ذلك. تعودا معا على التواصل عبر رسائل الموبايل, ولكن هيوا كان مشغولا ذاك الصباح, حيث كان يغير سكنه الى غرفة في القسم الداخلي في مدينة هيرلو
Herlev القريبة من مركز كوبنهاجن. كان ينوي الرد على رسالة والده في وقت لاحق في نفس اليوم. لم يكن يعلم ضرورة الرد مباشرة حال استلام رسالة ابيه.

شنق الاخ في ملعب لكرة القدم
من الصعب معرفة اي حدث معين يشكل شخصية الانسان, ولكن وفي حالة هادي شكل شنق اخيه حدث كبير في حياته.

ثلاث سنوات قبل حكم البعث الثاني في العراق عام 1968 ولد هادي في كنف عائلة متعلمة في جنوب العراق, وترعرع هناك وكبر كصبي فطن.

في ذات الوقت الذي اصبح فيه هادي صبيا في عمر الخامسة عشر, تمكن صدام حسين من احكام قبضته على السلطة بشكل كامل بعد ازاحة البكر الرئيس الاسبق, ودشن فيها حكمه المطلق بتصفية العديد من رفاقه في حزب البعث ومنهم اعضاء في القيادة القطرية, وحملات الاضطهاد لقوى عديدة في المجتمع العراقي وصولا الى الحرب مع ايران والتي كلفت البلدين ثمان سنوات من الدمار.

كان الاخ الاكبر لهادي نشطا في حركة المعارضة السرية بالضد من صدام حسين, وقد كلفه ذلك حياته بعد اعتقاله حيث شنق مع اخرين موتا في ملعب لكرة القدم, وكان هادي شاهدا على هذا الحدث المروع والذي شكل بداية لوعي سياسي وايمان راسخ بالديمقراطية.

انسان ذو رسالة في الحياة

يتجه العديد من المثقفين في ظل الديكتاتورية الى تبني الفن كاحد اشكال التعبير عن الافكار والمواقف. وهذا ماحدث مع هادي حيث وفي مبكر شبابه كتب مسرحية بعنوان (الوداع – ايها العالم الغريب القديم). المسرحية بنيت بوحي من كتاب الامير لميكافيلي, وتضمنت نقدا مبطنا للنظام القائم. عرضت المسرحية في مهرجان عام على الرغم من عدم الحصول على موافقة رسمية بعرضها من اجهزة السلطة, وقد كلف ذلك هادي وسبع من زملاءه السجن لستة اشهر والضرب اثناء التحقيق.

تجربة السجن لم تجبر هادي على ترك عالم المسرح, حيث وفي سن الثانية والعشرين حصل على القبول في اكاديمية الفنون قسم المسرح, الى جانب العديد من زملاءه الفنانين. وفي الوقت الذي كانت اوزار الحرب مع ايران مشتعلة وسياسة الاضطهاد الداخلي وضرب المناطق الكردية بالاسلحة الكيمياوية تجري على مسمع من الجميع, كان هادي واصدقاءه يحلمون بعراق ديمقراطي تحترم فيه حقوق الانسان وتسود فيه العدالة.

يكتب احد اصدقاءه عنه مايلي (( كان انسانا ذو رسالة وموقف من الحياة, كان عاشقا للنساء والسكائر والنبيذ. قليل النوم ومغرما بالحياة. كان حالما ومؤمنا بالمثل النبيلة مما قاده الى الاحتجاج حيثما وجد انعداما للعدالة. اصدقاءه كانوا عارفين بالمتاعب التي ستواجه هادي)).

صديق اخر هو الصحفي والكاتب واصف شنون المقيم في استراليا يصف هادي ايضا بالحالم ويضيف (( امتلك هادي اخلاقية المقاتل, وامن بقوة بشعبه ووطنه, ولم يكن حتي متخيلا ان الاشرار سينتصرون)).

الانتفاضة ضد صدام

في اواخر الثمانينات وفي اكاديمية الفنون في بغداد التقى هادي ميديا الفتاة الشابة من كردستان بشعرها الطويل الغامق وجمالها, الطالبة في قسم التمثيل لآب كاتب معروف. احبا الاثنان بعضهما بالرغم من الاختلاف القومي والمذهبي, وتمكنا في النهاية ياقناع عائلة ميديا بمباركة الحب والزواج.

لم تكن الحياة مع هادي سهلة دائما, ولاسيما بعد تحوله من مبدع شاب الى مسرحي معروف, يفوز بالعدبد من الجوائز القيمة والمشغول دائما بمشاريع جديدة. كان قادرا عند الكتابة على النهوض الرابعة فجرا ومواصلة الكتاية حتى وقت متأخر من المساء, لا بل وعند خلوده للنوم كان يرافقه الورق والقلم كي يضمن تسجيله لافكاره حال صحوه منه.

تقول ميديا ان من الصعوبة بمكان الدخول الى اعماقه, حيث وعلى الرغم من انه كان صاغيا جيدا ومشجعا للحوار, ولكن وفي نهاية المطاف يتبع دائما حدسه الخاص.

في اعماله المسرحية ظهر بوضوح موقفه الناقد للسلطة, وفي نهاية حرب الخليج الاولى شارك هادي بفعالية كمثقف في الانتفاضة الشعبية ضد نظام صدام حسين. الانتفاضة قمعت بقسوة ووحشية, مما اضطر هادي وميديا للهروب الى دمشق, والتي تواجد فيها حينذاك العديد من المثقفين العراقيين.

الحياة في نيكوبنج فالستر
Nykobing Falster

يظهر هادي وميديا سعيدان في الصورة التي تعود الى فترة الاقامة في سوريا. رزقا بصبي وكان ثمرة لحبهما واسمياه هيوا, والذي يعني الامل باللغة الكردية. بالرغم من هذه السعادة كانت الاقامة في سوريا صعبة لظروف المعيشة التي لا
يكفيها العمل في المسرح, مع ان ميديا حصلت على عمل في المسرح الوطني.

هادي بدأ الكتابة في احدى صحف المعارضة وارتبط بشكل ما مع حزب الدعوة والذي كان سريا وممنوعا من العمل في العراق, ومدعوما من ايران. نوري المالكي كان احدى الشخصيات القيادية في الحزب في سوريا والذي يشغل الان منصب رئيس الوزراء في العراق, واصبح لاحقا هدفا لانتقادات لاذعة من هادي, في حين انه ولفترة معينة شاركه السكن في سوريا.

الى جانب الكتابة في الصحافة اصدر هادي عدد من الكتب عن المسرح والادب, لكن ومع مرور الوقت زاد انشغاله بكتاية المواد السياسية حول السلطة والنظام في العراق.

تمكنت العائلة وعبر الاتصال مع احد الدبلوماسيين العاملين في منظمة اللاجئين في سوريا من الحصول على موافقة الهجرة الى الدنمارك في عام 2000, وكانت مدينة نيكوبنج فالستر واحدى الشقق السكنية فيها هي محطتهم الجديدة.

العودة الى الشرق و الحرب

في الساحة المقابلة لشقتهم في هذه المدينة الدنماركية الصغيرة لعب هادي كرة القدم مع ابنه هيوا, كما علمه سياقة الدراجة كباقي الاطفال الدنماركيين, وكان مرافقا له في ايام المدرسة الاولى. تمكن هادي من نسج علاقات مع بعض الاصدقاء في كوبنهاكن, كما كان مأخوذا بالديمقراطية وحقوق الانسان في الدنمارك. مع هذا لم يكن هادي سعيدا في اقامته الجديدة في الدنمارك. في بغداد ودمشق كان شخصا معروفا في الوسط الثقافي وحياته مليئة بالعمل, في حين ان محطته الجديدة جعلته يعيش على الهامش وبدون وقت مفعم بالعمل الثقافي والصحفي كما كانت ايام الشرق. لا
احد يتصل تلفونيا لطلب سيناريو ولا احد يسأله عن موقفه من الاحداث السياسية وتطوراتها.

شكل هادي وميديا مجموعة مسرحية, ونجحا في تقديم عمل مسرحي في مدينتهم الصغيرة, ولكن ومع هذا النجاح اصبحت الحياة لا
تطاق لهادي. لم يجد مكانه هنا واتخذ قراره بالعودة الى الشرق وخباياه وهمومه. حدث هذا في عام 2002, وبعد وقت قصير من قدوم نالي الصبي الثاني للعائلة وبعد سنتين من الاقامة في الدنمارك.

لم تكن العائلة مجمعة على قرار العودة الى الشرق, حيث ان ميديا كانت ترى غير ذلك ولاسيما لمصلحة ابنائهم هيوا ونالي, وفي وقت كانت نذر الحرب القادمة عام 2003 تلوح في الافق. هادي لم يغير قراره واتفق الاثنان على الانفصال. كان انفصالا غريبا وغير مفهموما للكثير من معارف هادي وميديا لمعرفتهم بقوة العلاقة بينهما. لم يتمكنا ببساطة من الاتفاق على مكان عيش مشترك.

الفترة اللاحقة في حياة هادي كانت صاخبة, حيث تنقل فيها بين دمشق وبيروت وعمان, وقبل فترة قصيرة من الاحتلال الامريكي للعراق, تمكن هادي بمساعدة الحزب الديمقراطي الكردستاني من الانتقال الى مدينة السليمانية في شمال العراق, والتي كانت, ومنذ حرب الخليج الاولى, خارج سيطرة صدام حسين, وتحت الحماية الجوية الامريكية والبريطانية. في السليمانية عمل هادي كمستشار ثقافي لمحطة تلفزيون كردية.

الضغط من الاعلى - من السلطة

بعد احتلال العراق بقيادة الولايات المتحدة الامريكية عام 2003 ونهاية صدام حسين نفسه الى المشنقة, والذي تحت سلطته شنق الاخ الاكير هادي. من موقعه الهادئ نسبيا في كردستان ترقب وتابع هادي الصراعات الطائفية التي عانى منها وسط وجنوب العراق في السنوات اللاحقة للاحتلال.

في ذات الوقت التي تأججت فيها الصراعات الطائفية, تقلد فيها نوري المالكي رئاسة الوزراء عام 2006 وبدعم امريكي. ذات الشخص الذي عرفه هادي من فترة سوريا, اصيبح في مقدمة من يفترض قيادتهم للعراق نحو مستقبل ديمقراطي سلمي.

لا يعرف بالضبط متى بدأ هادي بموقفه النقدي الواضح من نوري المالكي, ولكن ومن المؤكد انه وخلال عام 2007 بدأت تظهر عدد من الدلائل التي تشير الى تبني نوري المالكي لمنهج طائفي, تمثل في انشائه لقوة خاصة لها من السلطة ما يوقف قرارات متخذة من قبل الوزارات, وفي كثير من الحالات اوقفت التحقيق في جرائم منفذة من قبل الميليشيات الطائفية. مضافا لذلك فضائح الفساد التي تقاضت السلطة عنها بل وتشير بعض الدلائل على تورط الحكومة فيها, ومنها تمويل الميلشيات الطائفية.

في ظل هذه الظروف قرر هادي في عام 2008 الانتقال من مكانه الامن في السليمانية الى مركز القرار والسلطة في بغداد, حيث استأجر مسكنا صغيرا في احدى مناطق بغداد المعروفة بالكرادة , كما قرر العودة ثانية الى عالم الصحافة, الملئ بالمخاطر في العراق, حيث تم اغتيال ما يقارب 258 صحفيا منذ حرب 2003.

في بغداد حصل هادي على برنامجه الاذاعي الخاص, والذي يقدم ثلاث مرات في الاسبوع, والذي تميز بالنقد اللاذع للوضع السياسي -
الصورة في بداية المقال تبين هادي في عمله الاذاعي -. كانت السلطة هدف نقده الرئيسي, وفي مقدمة اهتماماته كان فضح الفساد في مؤسسات الدولة. صور هادي رئيس الوزراء نوري المالكي كديكتاتور جديد في العراق, وطالب بأزاحته من منصبه. احد اصدقاء هادي والذي تابع برنامجه الاذاعي عن قرب يؤكد ان هادي لم يكن ناقدا فقط للحكومة كجهة وحيدة مسؤولة عن ما آل اليه العراق.

يقول هذا الصديق (( انتقد هادي الجميع من سياسيين ورجال دين الكبار والميليشيات. لقد رأى المجتمع الاوربي, ووقف بالضد من كل من يقف عائقا لتحول العراق الى بلد ديمقراطي, وبهذا الموقف الجرئ ازداد عدد اعداءه)).

على النقيض من ذلك زاد عدد مستمعي ومتابعي برنامج ومواقف هادي, حيث اصبح البرنامج من البرامج الشعبية, وغدا هادي بذلك احد الناقدين الرئيسيين للوضع السياسي, حتى ان صدى البرنامج وصل الى خارج العراق واشارت اليه صحف معروفة مثل النيويورك تايمز والواشنطن بوست.

الى جانب عمله الاذاعي واصل هادي كتابة النصوص المسرحية, وكان بشكل خاص مشغولا باعداد جديد لمسرحية هاملت, ذات المحتوى المتضمن لموضوعات السلطة والعدالة, والتي استخدمت كثيرا بمضامين سياسية. في عام 2010 تمكن هادي من تقديم المسرحية في ساحة التحرير ببغداد تحت جدراية جواد سليم نصب الحرية, والتي انجزت كتحية واشادة لثورة الرابع عشر من تموز 1958 التى انهت النظام الملكي المدعوم من بريطانيا.

يقول احد اصدقاءه المشاهد للمسرحية ((حققت نجاحا كبيرا وكشفت اللثام عن الفساد في السلطة,وعدم العدالة في المجتمع والروح الثورية لشباب العراق)), ويضيف ((كان هادي مأخوذا بشخصية هاملت, ومن المؤكد انه نظر اليها كنموذج مستعد للسير نحو الموت مضحيا بالحياة من اجل مايؤمن به)).

من اليأس الى الامل

كون ان هادي في خطر كبير في بغداد كما كان امير هاملت الدنماركي في قصر كرونبورج (4)
Kronborg, لم بعد شيئا خافيا عن الملاحظة. البرنامج الاذاعي تلقى التهديدات عبر رسائل الانترنيت وفي يوم ما وضع التهديد في عتبة باب مسكنه وبنص يقول ((سنقتلك ونقطع رأسك)).

امام هذا لم ينحني هادي او يتراجع بل واصل نقده الصحفي, وازدادت شعبية برنامجه الاذاعي, والذي تبنى كاحدى الموضوعات الرئيسة له تزايد الفارق بين النخبة التي تزداد غنى والناس العاديين واللذين يزدادون فقرا. تشير احصاءات 2010 ان نسية من يعيشوا تحت مستوى الفقر قد ازداد في العراق من 17% عام 2000 الى 54%, وأن مابين 25 الى 50 بالمائة من قوة العمل العراقية خارج سوق العمل وتعيش معاناة البطالة, اضافة الى تراجع القطاع الصحي ومستوى التعليم في العراق.

مع الانتفاضات الشعبية في تونس ومصر والتي انطلقت في اواخر 2010 وبداية عام 2011 تحول اليأس الى الامل, مما جعل هادي متحمسا, ومتابعا طوال اليوم وعبر الفيسبوك لهذه الاحتجاجات, وما شكل علامة على بداية نهاية الانظمة السياسية الفاسدة.

سافر هادي الى مصر وشارك في التظاهرات في ساحة التحرير في القاهرة, وحين عاد الى العراق, شارك بفعالية في تنظيم الاحتجاجات السلمية الاسبوعية كل جمعة في ساحة التحرير في بغداد والتي انطلقت في شباط 2011. مثل الخامس والعشرون من شباط 2011 قمة الاحتجاجات في مدن عراقية عديدة ومنها العاصمة بغداد بالضد من الفساد والفقر والتطرف الديني وانتهاك حقوق الانسان وسمي ذلك اليوم بيوم الغضب.

يشير تقرير لاحق لمنظمة مراقبة حقوق الانسان
Human Rights Watch في احد مقاطعه الى ان هادي المهدي ظهر كاحد قياديي الاحتجاج وممن جمع الناس المشاركين في صفوف, حين تشابكت قوات الامن مع المتظاهرين, كي يمنع تزايد اللجوء الى العنف وحفاظا على سلمية التظاهرة.

بعد انتهاء التظاهرة وتفرقها في بغداد جلس هادي مع ثلاث صحفيين من زملاءه لتناول الطعام في مطعم قريب, وحينها هاجمهم خمس عشر من الجنود, وضربوا هادي وزملاءه باسلحتهم, وعصبوا اعينهم واجبروهم على الصعود في سيارات بأنتظارهم.

في وقت لاحق وبعد اطلاق سراحه اخبر هادي منظمة العفو الدولية بتفاصيل عملية اعتقالهم, ويذكر تقرير المنظمة الخاص بتظاهرات يوم الغضب في 25 شباط, بأن هادي وزملاءه اقتيدوا الى وزارة الدفاع حيث جرى التحقيق معهم وتعرضوا للتعذيب. تم ضربهم وصعقهم بالتيار الكهربائي في ارجلهم كما هددوا بالاغتصاب في اليوم الذي سبق اطلاق سراحهم بدون اية تهمة قانونية موجهة لهم.

تحت المراقبة

اذا كان اعتقال هادي هو لغرض اسكاته فقد فشل هذا المسعى, بل وعلى العكس قام بفضح ذلك امام منظمات حقوق الانسان الدولية وامام الرأي العام العراقي. غدا هادي بعد هذا احد رموز الربيع العراقي, وواصل بفعالية المشاركة في تنظيم التظاهرات السلمية. في تظاهرة الرابع من اذار اقترب شخص منه وابلغه ان سلطات الامن تراقب تحركاته واخبره بكل اتصالاته التلفونية التي اجراها نفس يوم التظاهرة.

الاصدقاء كانوا قلقين عليه وعارفين بالخطر المحيط به ومن جهات عديدة, وليس فقط من قبل الحكومة او المياشيات الطائفية القريبة منها, ولكن ايضا من مناهضي الحكومة ومعارضيها والقادرين على اتهام الحكومة في حال تعرضه لاي مكروه.

في احدى رسائل هادي, لميديا ولثلاث من اصدقاءه المقربين من زمن دراسته في اكاديمية الفنون, يتوقع انه قد يفقد الحياة ويقول (( ايها الاصدقاء ... سأواصل طريقي ولن اهرب ... لن اهتز او اخاف. هذه المرة لن اصر على الغناء, بل سأبشر بالحرية تحت نصب جواد سليم. من المحتمل ان اتعثر تحت الى قبري وانام في سلام. هناك تحت نصب الحرية سأضطجع بهدوء وأنام )).

بالرغم من ان هادي كتب كونه غير خائفا, لكنه كان يخشى على حياته, وهذا مايتفق عليه كل اصدقاءه. كتب ابنه هيوا (( لم يكن راغبا بالموت. بالطيع كان خائفا, لكن ماهو اكثر اهمية له هو مواصلة طريقه مقارنة بخيار الاستمرار في العيش)).

في اثناء هذه الفترة العصيبة اتصل هادي مرارا بأبنائه هيوا ونالي في الدنمارك. يقول هيوا (( كان يكرر دائما حبه لنا ويسألني ان كنت اذكر كيف كان يقبلني حين كنت صغيرا, ويوصيني بمساعدة والدتي وأخي نالي)).

المطالبة بعراق افضل

عبر الفيسبوك كتب هادي الى ميديا, عن تسلمه دعوة لزيارة فرنسا من اجل القاء محاضرات في نهاية العام 2011, وانه يفكر في الاقامة في المنفى في اوربا, وستكون بلجيكا محطة اقامته, حيث له علاقات جيدة هناك, وسيكون بالتالي قريبا من ابناءه هيوا ونالي.

سمى هادي يوم التاسع من ايلول ((باليوم الكبير)), والذي خطط فيه مع الاخرين لتظاهرة ستكون الاكبر في العراق, وكما جرى في يوم الغضب 25 شباط سيخرج الكثير من العراقيين في كل انحاء العراق الى الشوارع للاحتجاج ضد السلطة.

قبل حوالي شهرين من ذلك التأريخ توقف هادي عن تقديم برنامجه الاذاعي. اخبر اصدقاءه انه لا يجرأ على تقديم المزيد, ولكنه واصل بفعالية المشاركة في تنظيم التظاهرات, وعبر الفيسبوك ارسل دعواته محفزا على المشاركة في ((لا للفساد والنهب والفشل والخيبة والخيانة, نعم للمطالبة بعراق افضل وسلطة افضل, من اجل احزاب سياسية افضل وقيادات افضل)).

تزايدت التهديدات لهادي مع اقتراب يوم التاسع من ايلول, وقبل اسبوع من التظاهرة التقي بصديق من فترة الاقامة في سوريا. ((تحدثنا معا عن التهديدات التي يتعرض لها هادي)) يتذكر صديقه عمار الشابندر, والذي يشغل الان رئيس فرع العراق لمنظمة اعلامية مدنية للمركز الاخباري للحرب والسلام, ويضيف ((العديد من الناس يتعرضون للتهديدات في العراق, وفي غالب الاحيان تكون تهديدات زائفة, ولكن وفي حالة هادي الذي استلم حقا الكثير منها, مما جعلني اخبره بضرورة تغيير برنامجه اليومي وروتين حياته وضروروة انتقاله الى سكن اخر في بغداد او يسافر الى خارج العراق لبضعة اسابيع)). رفض هادي الاستجابة لذلك ولم يرغب الاخذ بنصائح الصديق واجاب (ان هؤلاء الخنازير لن يجعلوني اترك سكني وبيتي).

عانى هادي في الليالي اللاحقة من عدم القدرة على النوم, وبدلا لهذا اخذ وعبر الفيسيوك الحديث والكتابة مع اصدقاءه. في صباح اليوم السابق لتظاهرة التاسع من ايلول كتب على موقعه في الفيسبوك ((في الايام الثلاث الاخيرة عشت حالة من الرعب. هناك من يحذر من ان المتظاهرين سيعتدى عليهم ويتم اعتقالهم. وهناك من يقول من ان الحكومة ستقوم بهذا وذاك, وبأن البعض سينشأ عددا من مواقع الفيسبوك الزائفة لغرض تهديدي)).

في نفس الصباح تحادث هادي وعبر الفيسبوك مع صديقه واصف شنون المقيم في استراليا ((لا تكن قلقا)) كتب هادي واضاف ((قل للاستراليين باننا بحاجة لدعمهم))

(كلنا هادي المهدي)

على الساعة العاشرة وثمان وخمسين دقيقة من صباح الثامن من ايلول كتب هادي الى ابنه هيوا رسالته القصيرة عبر الموبايل, والتي سيندم هيوا دائما في عدم الرد المباشر عليها, وعدم القدرة من الرد عليها ابدا.

بعد ساعات قليلة وبين الواحدة والثانية ظهرا, اتي شخص مجهول الى سكن هادي وارداه قتيلا باطلاقتين خلف الرأس وفي الغالب من مسدس كاتم للصوت. هذا ما صرحت به المصادر الرسمية الحكومية الى الاعلام.

وجد هادي قتيلا في المطبخ, ولم يسرق أي شئ. حاسوبه النقال - اللابتوب - بقي مفتوحا على طاولة الطعام, وهاتفه النقال (الموبايل) وجد الى جانبه. كانت عملية اغتيال خالصة.

عمار الشابندر كان من اوائل من جاءوا لمكان الجريمة, ورأى هادي بفانيلته الصفراء ولباسه القصير الازرق على ارض المطبخ المحمرة بالدم.

عدد اخر من اصدقاء هادي هاتفوا ميديا في الدنمارك عبر هاتفها النقال, حيث كانت تساعد هيوا في ترتيب غرفته في القسم الداخلي.

تظاهرة التاسع من ايلول انتهت الى ان تكون استذكارا لهادي, فقد سار المئات من الناس في مسيرة حزينة من بيته الى ساحة التحرير, حيث تجمع الاف المتظاهرين, وهتف الجميع (( كلنا هادي المهدي))

حقائق

جريمة اغتيال هادي المهدي لا زالت قيد التحقيق ولم يكشف عن الجناة لحد الان. هذا المقال اعتمد على عدة مصادر منها الحديث ومقابلة الاشخاص اللذين ذكروا فيه, واللذين كانوا اصدقاء لهادي او نشطاء في حركة الاحتجاجات. العديد منهم يتواجدون في العراق ولاسباب امنية فضلوا عدم ذكر اسمائهم الصريحة.

اعتمد المقال ايضا على تقارير من منظمة العفو الدولية, الامم المتحدة ومنظمة مراقبة حقوق الانسان, مضافا للعديد من الاخبار في وكالات الانباء لمنطقة الشرق الاوسط و للوكالات العالمية حول جريمة الاغتيال, كما توفر لجريدة الانفورماسيون فرصة الاطلاع على رسالة هادي في الفيسيوك الى عدد من اصدقاءه.

(1) الاقتباسات المترجمة اصلا في المقال من العربية الى الدنماركية تمت ترجمتها ثانية الى العربية اعتمادا على نصها الدنماركي, والذي يحتمل الاختلاف عن النص العربي الاصلي وهنا نقدم العذر مسبقا من قائليها وعسى اننا حافظنا على جوهر المعنى فيها.

(2) جريدة الانفورماسيون اليومية الدنماركية تعد من الصحف البارزة والمعروفة في الدنمارك وتتميز بخطها الصحافي الرصين. تأسست الصحيفة في عام 1945 كجريدة مستقلة عن تأثير الاحزاب السياسية والمصالح الاقتصادية. تميزت الجريدة بموفقها النقدي لحرب 2003 في العراق وللاحتلال الامريكي وسياسته اللاحقة في العراق.

(3) انتون جيست صحفي يعمل في صحيفة الانفورماسيون منذ عام 2006 ويختص بكتابة مايمكن تسميته بالصحافة الباحثة.

(4) كرونبورج قصر بني في عام 1420 ويقع في مدينة هيلسنجور شمال جزيرة شيلاند والتي تضم العاصمة الدنماركية كوبنهاجن, وضم القصر ضمن المواقع في قائمة اهتمام منظمة اليونسكو الدولية. كتب وليم شكسبير مسرحيته الترجيدية هاملت – تراجيدية هاملت امير الدنمارك- والتي صدرت للمرة الاولى في عام 1603 وتخيل وقوع احداثها في قصر كرونبورج.


قصر كرونبورج اين تخيل شكسبير احداث المسرحية التراجيدية للامير الدنماركي هاملت


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات