| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 21/2/ 2012                                                                                                   

 

هل لسعدي يوسف آراء جديرة بالنقاش ؟

د. مجيد القيسي

ما أن انتهى عام 2011 وأشرقت السنة الجديدة التي نطمح أن تكون سنة سلام ووئام على بلادنا وشعبنا الذي طالت محنته وتعقدت أزمته حتى ظهرت فاتورة حساب مفاجئة على رجل قد جاوز الثمانين دون عجز إنه الشاعر سعدي يوسف الغريب الجريح الذي لا يهدأ. ما بين المكابدة والهجوم تتصاعد أبخرة الشعر لتبلغ مؤخرة السحاب الهارب مع الريح. ليس جميع اللحظات متشابهة وليس كل ما قاله سعدي يوسف كان نائيا عن الحقيقة حول خفايا الاحتلال وتقاسم الغنائم رغم الموقف المغاير لآرائه التي تبدو غريبة ومثيرة للبعض. إن تلك الإثارة قد تبدو مبررة من قبل البعض إذا كان الشاعر قد سدد سهامه اعتباطاً لأجل الإثارة فقط. لقد نظر سعدي يوسف إلى الناس فوجد حوله عالماً آخر مقطوع الصلة تماماً بالماضي القريب, بعلاقات وطبائع كان يألفها قبل وبعد الغربة التي فرضت عليه والتي امتدت معه عبر القارات. لقد رأى, وهو غير مصدق, كم من الكائنات تشوهت وكم من الجلود تبدلت عند اقتحام الغزاة وتساقط الطغاة, بصرف النظر عن ظمأ الشعب العراقي للحرية والتخلص من الديكتاتورية. بالأمس كان بعضهم يتظاهر بالمبادئ والقيم الجميلة واليوم آثروا موائد أكثر دسماً فانقلبوا أو فضلوا الجلوس على التل وربما في الموقف الأخير ضرر قليل. تلك الحالة المؤلمة دفعت الشاعر المكتوي بنار الغربة أن يخرج عن المجاملة فيتجاوز "حدود الكلام" بحق أو بغير حق الأمر الذي جعله عرضة للنقد الذي قيل عنه أو سيقال. رأى الشاعر وهو مقتنع بما يرى بأن الاحتلال كان غزواً, وهو ليس رأيه فقط , بل أن هناك الكثيرين ممن يتبنون ذلك الرأي , وحتى وأن كان هذا الرأي خاطئاً فليس هناك ضيٌر من مناقشته, خاصة و إن هناك مجموعة كبيرة من تلك التي ذكرناها أعلنت صراحة وفي كل مناسبة موقفها المؤيد لأمريكا و للحرب واليوم ,وكأنها نسيت ما صرحت به بالأمس, تحتفل بخروج أمريكا. وحتى رأي سعدي يوسف في ما يسمى بالمقاومة يمكن مناقشته أيضاً. لأنه من الخطأ الخلط بين المقاومة والإرهاب ولا أظن أبدأ أن الشاعر يستهدف هذا الخلط. لكنه بالتأكيد لم يلتزم الصمت إزاء الاحتلال. فقد تفاعل مع الأحداث بقوة وانفعل بشدة فأطلق دون تريث أو ربما عن قصد نباله فأصابت تلك السهام بعض أصدقائه وهو شيء مألوف لدى الشعراء.

تقول الكاتبة والصحفية العراقية السيدة فاطمة المحسن والتي حذرت الشاعر من "ثارات" الآخرين الذين تلقوا نباله: " في كل مرة يكتب سعدي يوسف كلمات هجاء أضع يدي على قلبي. لا خوف على من يهجوهم, بل خوفا عليه, خوفا على الشعر الذي يكتبه..." أنها ديباجة جميلة وقد تكون خالصة المشاعر ولكنها في ذات الوقت مقدمة لهجوم لاذع لشاعر وصفته بأنه: "يعبث بالوقت الضائع من عمره الشعري". أن الكاتبة لم تقف عند الحدود التي أعابتها على الشاعر, بل وقفت فوقها على أقل تقدير, أو ربما تعدتها بعض الشيء قائلة: "الشيوعي الأخير يرمي حجارته على الكل مثل طفل عابث لا يعرف تبعات من يبصق على السماء فترد بصقته على وجهه" فهل أن سعدي يوسف يلهو حقاً مع تاريخه الشعري وأنه يتجاهل في حديثه وشعره "حدود الكلام " و "يتجاوز أدب الأخلاق" ؟ بالتأكيد إن الكاتبة رمت بسهمها , لكنها لم تصب أعماق الشاعر فيما يبدو وإن كانت قد وضعته في دوامة التفكير, في حالة صمت ومراجعة وكشف لحسابه ما بدر منه . على أية حال لم يصدر منه شيء إلى الآن, لكن الكثيرين ممن اطلعوا على الرسالة النقدية التي تناولت الشاعر يعتقدون إن ما جاء فيها هو وجهة نظر شخصية يختلف معها عدد غير قليل من المواكبين لسيرة الشاعر ونتاجه الأدبي ومواقفه الإنسانية. إن الشاعر ليس من المحترفين في قول قصائد الهجاء, لكن الأحداث تختلف في وقعها على الناس فمنهم من يهضمها ويستسيغها بكل سهولة وبدون عناء ومنهم من يغص بها على الفور, فيردها على المتفرجين والمستفيدين من مصائب الآخرين. إن الشاعر كما ُنقل عنه لا يقصد بالذين "يعيشون على موائد الأجنبي" أولئك الذين يتمتعون "باللجوء السياسي" فهذا أمر مشروع لكل المضطهدين والملاحقين في بلدانهم وأن الشاعر لم ينكر أنه أحد هؤلاء. فإذا اقتنعنا بذلك نستطيع أن نقول وليس دفاعا عنه, بل من خلال التجربة والغربة أيضاً أن هناك طفيليات تجاوزت في العيش سقف المطابخ , والمأكولات التي اعتادت عليها, بل انفتحت شهيتها على موائد أخرى تفوق حتى مطالب مواطني بلدان اللجوء نفسها, مطالب تجاوزت رغيف الخبز والحساء العراقي والهندام المحترم, حتى أن بعض هؤلاء لم يتوان عن خرق قوانين بلد اللجوء بحثاً عن مصادر مالية مشروعة وغير مشروعة في الداخل وفي الخارج. لقد حصل امتزاج غريب في "الموائد" و في الوظائف." موائد" تجتمع فوقها أنواع العملة, إنها كما يقول بعضهم نعم الاحتلال وأموال البلاد. إن هؤلاء يقيّمون ما يحصل انطلاقا من مصالحهم وأحيانا دون خجل انتقاما من تاريخهم الذي كان سببا عن ابتعادهم عن تلك الموائد في الأيام الخوالي. أنها فرصة ذهبية. أنها رقصة الغنائم التي قد لا تتكرر. من هذا المنطلق تعددت الآراء واختلفت التصورات في استيعاب ما يحدث من نصب واحتيال وقتل وإثراء في بلاد أصبح كل شيء مستباح وبمعزل عن "الحب" أو "الكراهية" أن يكون لشاعر عاش نصف عمره غريبا عن بلده الذي مزقته الحروب وحكومته الديكتاتورية لفترة طويلة بدعم من المحتل ذاته, موقف, وأن يقول رأيه في هذه الأحداث وإن لم يكن على حق في كل ما يقول. إنه تفاعلَ مع الحدث بطريقته, سواء كانت تلك الطريقة تعجبنا أو لا تعجبنا. لقد رأى في بعض المفاهيم وسائل قمع وإرهاب. فكم من المآسي حصلت باسم "الديمقراطية وحقوق الإنسان". لا لكونهما "بضائع إمبريالية" كما يردد بعض الجهلاء, بل بسبب توظيفها لأغراض أخرى. للأسف إن تلك المفاهيم الجميلة يفترض أن تكون آلية جيدة لتحقيق السلام بين الشعوب لكنها أضحت في ممارسات بعض الدول المتسلطة آلية للحرب والتجويع ونهب ثروات البلدان. فما أن انتهت حرب حتى بدأت أخرى بذات الوسيلة وعلى نفس القياس, فليس من السهولة إقناع الناس, بأن تلك الحروب هي دفاعا عن "القيم النبيلة" حروب تحرير الشعوب من الديكتاتوريات. والحقيقة إن ما كتبته السيدة فاطمة المحسن عن الشاعر سعدي يوسف ونظرته للأحداث أو رميه لبعض الأصدقاء ليس غزلاً أو رثاء, بل هو الهجاء بعينه. وإذا تركنا الغضب والهجاء جانبا وتتبعنا المواقف نجد أن الكاتبة والشاعر, كما عرفناهما مازالا يسيران على طريق واحد هو طريق "الانتصار للإنسان والحياة".
 

برلين/ 20/ 2012
 

free web counter

 

أرشيف المقالات