| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 21/7/ 2010

 

مراجع الدين بين الثابت والمتغيرات

صفاء ابراهيم

ابتداءا اعترف أن المتصدي للكلام في هذا الموضوع كالداخل في عش الدبابير لا يأمن من لدغها بأي حال  .
وذلك لان ساحة المراجع معصومة عند البعض إلى درجة لا يقبلون معها أن يشار إليها بنقد أو انتقاد ولا حتى بعتب أو لوم ولو من بعيد , وهي أيضا مستباحة عند البعض الآخر إلى درجة يحملونهم فيها وزر كل مصائب الدنيا ومشاكلها ويعتبرونهم السبب في كل ما تعانيه الناس من مشاكل وأزمات.
وبالتأكيد فان كلا الرأيين موغل في التطرف والبعد عن الحقيقة ولكي أجد مدخلا ادخل منه إلى ما أنا بصدده ولكي لا يكون القارئ فكرة مغلوطة من مجرد قراءته لعنوان هذا المقال فإنني اعبر هنا عن عميق احترامي لمراجع الدين واعترف بأهمية دورهم المحوري والمؤثر في الحياة العامة لكني مع ذلك لا اتفق مع أصحاب الاتجاهين أعلاه.
فانا احترم المراجع لكني لا أقدسهم إيمانا مني بأنهم بشر غير معصومين ومن الممكن أن يبدر منهم الخطأ والسهو والغفلة مع شدة تحريهم للدقة في استنباط الأحكام الفقهية من أدلتها التفصيلية وبالتالي فانا لا اعتبر الراد عليهم كالراد على الله كما يذهب إلى ذلك الكثير من أصحاب هذا الاتجاه .
ومن جهة أخرى فاني لست ممن يدفعهم التحلل من الالتزامات الدينية أو يحركهم النفس الطائفي البغيض أو يستفزهم الغضب تجاه ما يعتقدونه من دور للمرجعية في دعم جهات سياسية لا يناصرونها من اجل تحقيق مكاسب لا تستحقها في العملية السياسية ولهذا ما زلت اعتقد أن أصحاب كلا الرأيين متطرفون .
ومن الأمثلة التي تحضرني هنا أني كنت شاهدا على عراك نشب بين شابين في باص ممتلئ بالركاب وذلك لان احدهما وفي معرض حديثه مع صاحبه قد أبدى تذمره من سوء الأداء الحكومي وسوء الخدمات الناجم عن فساد الوزراء وعدم كفاءتهم فرد عليه محاوره : ولكنهم من القائمة التي دعمها السيد وحثنا على انتخابها فقال له الأول : وهل السيد معصوم ؟ فانتفخت أوداج الثاني واحمرت عيناه وصاح به بغضب : وهل تزعم أيها الأحمق أن السيد يخطئ؟ فقال الأول : المعصومون أربعة عشر فهل السيد منهم؟ فأجابه الثاني: لا ولكنه لا يخطئ .... وانتهى شجارهما إلى هذا الحد بعد أن تدخل أهل الخير الذين لم يعرف احدهم ولا أظنهم عرفوا إلى الآن كيف أن السيد لا يخطىء مع انه ليس من المعصومين!!!!!
وفي حوادث أخرى رأيت أناسا يسبون مراجع الدين كلما انقطع التيار الكهربائي أو تأخر مجيئه ولا اعرف ما علاقة مراجع الدين بمحطات التوليد وأبراج الطاقة وساعات القطع المبرمج أحيانا والعشوائي في اغلب الأحيان وأعود فأقول إن أصحاب كل من الرأيين المتقدمين متطرف في رأيه .

إن مراجع الدين يمثلون الزعامتين الدينية والسياسية لأتباع أهل البيت , ذلك لان المذهب الجعفري يختلف عن التشيع كفكرة سياسية فالمذهب الجعفري أو الامامي أو الاثنا عشري كما يسمى أيضا هو مذهب فقهي يستوحي أحكامه ومبادئه الأساسية من فقه أهل البيت وفقهائهم وهم الأئمة الاثنا عشر إذ لا يؤخذ من سنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ولا من تفسير كتاب الله إلا ما ورد عن طرقهم أو ما نقله من كان موثوقا به من قبلهم من أصحاب رسول الله أو من أصحابهم وبسند صحيح وهم يتشددون في مسالة قوة السند هذه أيما تشدد وحجة الامامية في التعبد بما ثبت صحة وروده عن طريق أهل البيت لا سواهم أنهم يعتقدون أن أهل البيت اعرف بمقاصد الشرع بسبب قرابتهم من رسول الله وبنوتهم الصلبية من وصيّه وباب مدينة علمه علي ابن أبي طالب , ومن الجدير ذكره أن الاختلافات في الفروع الفقهية بين الامامية وبقية مذاهب المسلمين الأربعة قليلة ولا تكاد تذكر , بل أن هناك تباينا بين المذاهب الاربعه في بعض المسائل أكثر بكثير مما بينها وبين مذهب الامامية في المسائل نفسها ولهذا سأل الشيخ عبد الحسين شرف الدين شيخ الأزهر في وقته سليم البشري : لماذا جاز أن تكون المذاهب أربعة ولا يجوز أن تكون خمسة؟ ولماذا لا يعتبر مذهب الامامية مذهبا خامسا من مذاهب المسلمين؟ فكان بعدها ما كان من الفتوى الشهيرة للشيخ البشري التي نصت على أن التعبد بمذهب أهل البيت مبرئ للذمة .
أما التشيع فهو فكرة سياسية تقوم أولا على ا ن أهل بيت رسول الله أحق بمقامه في الأمور الدنيوية أيضا وان عليا أحق بالأمر من بعده ويوردون في هذا الشأن نصوصا من آيات وأحاديث ليس هذا محل ذكرها وتقوم ثانيا على مناصرة أهل البيت ورفض الظلم الواقع عليهم وما نالهم من قتل وتشريد واقصاء .
إذن التشيع كفكرة سياسية ليس هو نفسه المذهب الفقهي المسمى بالمذهب الجعفري أو المذهب الامامي مع أن التقارب بين المفهومين شديد جدا لارتباط وتعلق كل منهما بعلي والأئمة من أبنائه عليهم السلام لكن مع هذا يوجد شيعة لايتعبدون بالمذهب الجعفري ومن أبرزهم الزبدية في اليمن والإسماعيلية في الباكستان والهند .

وبعد أن عرفنا هذا من الممكن أن نعرف أيضا كيف أن مراجع الدين يمسكون بأزمة المذهب الفقهي والاتجاه السياسي في آن معا أي أنهم يتولون إدارة الأمرين الثابت والمتغير معا لان الفقه كما هو معروف بالضرورة من الثوابت باعتبار أن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة وان الاستنباط الفقهي حتى في المسائل المستحدثة يقوم على نفس الأسس القديمة من دون تغيير ويمسكون أيضا بأزمة المتغير ألا وهو الاتجاه السياسي باعتبار أن السياسة هي فن الممكن وبالتالي فلا ثوابت فيها وتتبدل المواقف السياسية بتبدل الأوضاع ولهذا نجدهم في مسالة المشاركة السياسية والعمل السياسي وإدارة الدولة يختارون من المواقف أكثرها تحقيقا لمصلحة الاتجاه السياسي الذي يتزعمونه ويتولون إدارته (التشيع)  ويؤثرون في الأحداث الواقعة بما لهم من مكانة واحترام وكلمة مسموعة في كلا الأمرين معا وربما أصبح الأمر شديد التداخل بين المذهب الفقهي وبين الاتجاه السياسي الشيعي إلى الدرجة التي يسمع ويطيع فيها بعضهم أو يرفض ويعاند البعض الآخر في أمر لا يعلمون هل هو من الدين فيجب إتباعه أم من السياسة فيجوز تركه خصوصا وان مراجع الدين لا يجدون أنفسهم ملزمين بان يبينوا لأتباعهم ومقلديهم ذلك ونجد التاريخ الحديث منذ أكثر من أربعة قرون حافل بكثير من المواقف والآراء والاتجاهات الصادرة من مراجع الدين بخصوص الكثير من القضايا المهمة التي يختلط فيها الدين بالسياسة ومن أمثلة ذلك الحروب الطاحنة التي جرت بين الصفو يين والعثمانيين وانتفاضة المطالبين بالدستور في إيران الذين أطلقوا على أنفسهم (المشروطة) والدور الكبير الذي لعبته المرجعية في ذلك والفتوى الشهيرة للشيرازي بخصوص تحريم التبغ نكاية في المحتلين البريطانيين وشاه إيران والثورة العراقية الكبرى عام 1920 التي تزعمها وأدارها مراجع الدين وموقف المرجعية من مسائل من قبيل الحروب التي شنتها الحكومات العراقية المتعاقبة ضد الأكراد في الشمال والثورة الإسلامية التي قادها السيد الخميني ضد نظام الشاه ووصولا إلى ما يتعلق بعصرنا الحالي من قبيل التصويت بنعم للدستور ووجوب المشاركة في الانتخابات والحث على انتخاب قائمة بعينها على اختلاف كبير بين مؤكد لذلك اشد التأكيد وناف لذلك اشد النفي وفي كل حال فان الأمثلة أعلاه وغيرها كثير تبين الأوجه العملية لتأثير تدخل مراجع الدين في الحياة العامة والأحداث السياسية والاجتماعية للناس بكلتي صفتيهم , أي كمراجع دين للفقه الجعفري وزعماء سياسيين للشيعة من دون تمييز بين ما إذا كان ذلك نابعا من الرأي الفقهي الذي يوجبه المذهب الامامي وبين المصلحة السياسية التي تصب في خدمة التشيع واعتقد جازما أن هذا التداخل بين الثابت الفقهي والمتغيرات السياسية سيبقى إلى أمد بعيد وسيبقى المراجع يمارسون كلا الدورين وفي كل الأحوال سيظل دورهم كبيرا وحيويا ومؤثرا إلى حد بعيد  .





 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات