| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 21/6/ 2010

 

ذكريات قريبه إلى النفس في أربعينية الراحل رحمن الجابري

ثائر الحيالي
alhayat59@yahoo.de

كان صباحا الاثنين، السابع عشر من أيار الماضي حزينا فقد  تجمعنا نحن أصدقائك ومحبيك في مقبرة المدينة لإلقاء النظرة الأخيرة عليك. كان يوم وداعك يا رحمن وكان القلق يملا عيون مودعيك ، قلق وتساؤل لم ألحظه في تلك العيون من قبل ، فقد ضمنا المكان ذاته لنودع أحبة واصدقا آخرين، تذكرت  في تلك اللحظات كل السنوات التي قضيناها معا، أكثر من ربع قرن من الذكريات مرت وكأنها  ومضة حلم، تساءلت بداخلي هل يمكن للحظة أن تختصر سنين تلفت حولي أتلمس جوابا ما ولكني فوجئت بان الجميع يتساءل مثلي، عندها أحسست أكثر بفجيعة الفقدان.

أتذكر لوحتك التي أهدينها لوالدتي،  أم فقدت ولدها أثناء حرب الدكتاتور الأولى كانت هذه إلام تسال الله لماذا ؟؟؟؟؟؟

تعرفت عليك في القرن الماضي في نهاية عام 1982، هو العام الذي شهد ولادة  أبنك فلوريان (نورس )، ورغم حداثة عهدك بالمحطة الثالثة أو الرابعة من منفاك، لكن  استقبالك لنا كان  مليئا بحنان الأخ والزميل الكبير، سألتني حينها عن أحوالي ودراستي كم كان  فرحك كبيرا، عندما عرفت أني أدرس الطب و شجعتني على المثابرة و إكمال دراستي كي أخدم بلدي بعد سقوط الدكتاتور، كان تفاؤلك حينها كبير.

 في لقاءاتنا الأولى , كنت تحدثتا عن مشاريعك الفنية وما تطمح لتحقيقه بعد أن استقر بك المقام في ألمانيا وكانت رغبتك ملحه، ولكنها متواضعة،  كنت تحلم بمرسم خاص يمكنك أن ترسم فيه بهدوء وطمأنينة، كان ذلك ما تريد وأنت الفنان المبدع، ربما كان تواضعك سبب في عدم انتشارك بالشكل الذي تستحق.

كم أعجبني آنذاك تفاؤلك ورؤيتك  الايجابية لمستقبل العراق، وإننا سنرجع يوما للوطن الحبيب لقد غادرتنا يا رحمن ولا يزال العراق بعيد.

مرت الأيام، كنا مجموعه ناشطة نتحرك بكل أحاسيسنا على المنظمات والأحزاب الألمانية للتعريف بمحنة شعبنا و وحشيه النظام السابق , وكانت عيون النظام ومخابراته منتشرة في كل بقاع ألمانيا، حينها لم يكن عملنا سهلا  فأصدقاء النظام الدكتاتوري و مرتزقته كثر في شرق الأرض و غربها  وكان الدعم يأتيه من كل حد وصوب و الكل يتجنب إغضابه، الا نحن ضحاياه كنا نصر على السباحة ضد التيار هكذا كنا ولإنزال يا رحمن.

كنا نعود من هذه الفعاليات متعبين لسيرنا على الإقدام فأحوالنا الماديه ضعيفة و ليس هناك من يدعمنا، كان قلبك وبيتك مفتوحا لنا، فأنت الوحيد الذي كان يسكن شقة واسعة ، كنا نتناول ما أعددت لنا  من طعام سويه، ثم نحتسي الشاي  ونناقش ما انجازناه ذاك اليوم كنت تصغي لنا رغم انشغالاتك ومشاريعك الفنية الكثيرة.

كانت لحظات جميله تلك التي أرقبك فيها وأنت ترسم أحدى لوحاتك و موسيقى موت زارت, بتهوفن ترافقك وأحيانا أخرى أغاني لفكتور جارا ، كنت اجلس صامتا ومأخوذ وأنا الشاب الذي لا يميل إلى السكينة، كانت عيونك معبره ، ذات جاذبيه أنسانيه ومتفائلة ولكني كنت الحظ الحيرة فيها، كنت تحدثنا عن بيكاسو، دافنشي, فان كوخ، لقد جعلتني اهتم بهؤلاء الكبار وأعشق فنهم.

أنت يا رحمن أعطيتني لونا خاصا في حياتي, هذا اللون الإنساني بكل زخرفاته وأطيافه، يجعل الإنسان يرتقي بكل أحاسيسه. نفس الألوان موجودة في أعمالك، كنت متوحدا مع ذاتك.

أتذكر البوسترات اللتي سهرت من اجلها الليالي لكي تكتمل, أتذكر سهراتنا سويه لكي تكمل  شعار إتحاد ألطلبه العام في الجمهورية العراقية هذا الشعار الجميل الذي كان يتصدر نشاطاتنا  في ألمانيا من شمالها إلى جنوبها

أتذكر العديد المهرجانات  "الكيمناده" في مدينه بوخم وأنت ترسم الكاريكاتير لوجوه زوار المهرجان كانوا يضحكون بفرح طفولي  عندما يستلمون صورهم وقد نالها عبث جميل من أناملك الذكية،  كم كانت أيامنا بسيطة و جميله المحزن إنها لن تعود.

كنت تشجعني على قراءه الأدب, الفن والسياسة بالعربية و ألألمانية تدفعني لأجرب  ألكتابه والاستمرار بالمتابعة، لم أصبح إعلاميا ولا كاتبا ولكني لا زلت اقرأ الكثير

كنت تفرح عندما استغل استراحات مؤتمرات جمعية الطلبة العراقيين  للقراءة، كنت أحس حينها وكأنك أخي ,اهلي  الذين لم أرهم منذ سنين، لقد  كنا كالعائلة الصغيرة.

 لا استطيع اليوم أن أقول لك هل تذكر ، عندما كنا  ذاهبين الى المدينة و شاهدنا بالصدفة أمرآة طاعنة  السن ممدة على الأرض فهرعت  نحوها وقلت لها: جدتي  هل نوصلك إلى المستشفى ؟ كم كان وجهك حينها حزينا وكأنك تخاطب والدتك

أجابت: شكرا انأ بخير هل بإمكانك إيصالي إلى المدينة؟، عندها عرفت إن الغربة وخصوصية الفنان كما يدعون لم تنل من شهامة ألإنسان فيك.

أتذكر سفرتنا إلى ايطاليا مع الشاب الليبي الطيب الذي جاء للعلاج في ألمانيا، يومها  سألنا صاحب المقهى الايطالي في مدينتنا : كم تبعد مدينه ميلانو من هنا؟أجاب: 600 كم تقريبا: جمعنا  أمتعتنا بشكل مفاجئ وبعد دقائق كانت السيارة تسرع بنا نحو ميلانو،  طلية الطريق كنا نستمع إلى المغني الايطالي  الاوبرالي الرائع (بافاروتي)، اتذكر  أغنيه ياشمسي (أو سوله ميو) والتي كنت ترددها بمتعة و طلاقه:

كم هو جميل اليوم المشرق

الهواء النقي بعد العاصفة

مؤثرا وكأنه احتفالا

لكن هنالك شمس أجمل، هي شمسي

تشرق من وجهك الشمس

.............................

بعد وصولنا إلى ميلانو كانت رغبتك كبيره لزيارة الكاددرائيه المشهورة ببنائها المعماري الخلاب و الذي يصعب علي وصفه لروعة الجمال الذي يفوق الوصف،  عند خروجنا منها كان وجهك يشع بالراحة والسعادة و الطمأنينة، بدأت تصف جمال اللوحات وزخرفات الشبابيك الملونة وكأنها أمراه بارعة الجمال

رحلنا بعدها إلى بحيرة الكاردا في شمال ايطاليا واستقر بنا  المقام هنالك أربعه أيام أمضيناها بالانتقال من معرض لأخر، كنت سعيدا تعيش مرحك الطفو لي، ومرت الذكريات والأيام   

أردت زيارتك في المستشفى قبل رحيلك بأربعة أيام، كنت أدور بالسيارة حول المستشفى عدة دورات، هناك من قال إن وضعك لا يسر الصديق، استجمعت قواي وقررت أن أراك، كان لقائنا الأخير قبل رحيلك بساعات   

اللوحة التي أهديتها لوالدتي  بحوزتي فقد سبقتك  هي الأخرى في الرحيل، سأحتفظ بها وسأضل أتذكرك صديقا وزميلا وأخا كبيرا و فنان رائع، لقد أعطيتني الكثير وتعلمت منك الكثير:  الحنان وحب الإنسانية، إن في داخلي شيء منك أيها الغائب الحاضر دوما.

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات