| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 21 / 8 / 2013



افتتاحية المدى

حول مواقفه من مصر: مفهوم "الحرية" و"النزاهة الموضوعية" و"الحرفية المهنية" في الاعلام الغربي..

فخري كريم  

في أشكال حرية التعبير والرأي وأدواتها، تحتل الصحافة ووسائل الإعلام في الديمقراطيات العريقة موقع الصدارة في تميّزها، وتُدَرّس أشكالها وقيمها ونماذجها في المعاهد والجامعات المتخصصة بالصحافة والإعلام، وكذلك في الفصول الأكاديمية المعنيّة بالنظم الديمقراطية، والقوانين والمعايير الأممية حول حقوق الإنسان والحريات، وتتشعب اكثـر من ذلك لتشمل مواقع التواصل الاجتماعي والوسائل والأدوات التكنولوجية التي أصبحت جزءاً من النشاط الحيوي للإنسان المعاصر.
وما يُقال عنها لا يُجانب الحقيقة من حيث الجوهر او الأشكال المعبرة عنه. فالمعايير العامة التي تتحكم في الإعلام والصحافة في الولايات المتحدة وأوربا، تتطابق مع المفاهيم والقيم الديمقراطية وفقا للنظم الاجتماعية الاقتصادية التي تؤطر البلدان المذكورة

واذا ما اخذنا، على سبيل المثال وليس الحصر، "عينة واحدة" من النظام الاقتصادي الاميركي "النيو ليبرالي" تتعلق بالموقف من "الكومشن" او العمولة، او بمفهوم اوسع ما تقوم به "شركات الوساطة" وهي تتشعب لتشمل مجالات واسعة، تدخل في السياسة والتجارة والقانون، فانها تُعتبر نشاطات واعمالا مشروعة يحميها القانون وفق ضوابط ومحددات. مع انها، او جوانب منها، في بلدان اخرى من أوربا الديمقراطية، تدخل في باب الرشوة التي يطالها القانون. ومنظمة الشفافية العالمية تلاحق الظواهر الخاصة من هذه الممارسة في نشاط الشركات الاميركية والاوربية في امرار العقود وصفقات المبيعات، مع حكومات وشركات بلدان العالم الثاني والثالث.
ليست هذه المعالجة معنية بهذا، إنما هي اشارة الى ان القيم والمبادئ التي يجري التبشير بها وتدريسها والتأكيد عليها في كل الاحوال، لا تنسجم او تتوافق دوما مع التطبيق العملي في البلدان او النظم الديمقراطية المتطورة نفسها. ومنذ التفجير الإرهابي لمركز التجارة الدولي في نيويورك، جرى التجاوز على هذه المفاهيم والمبادئ بحيث نالت حتى من الحريات "الشخصية الضيقة" للمواطنين، وعرضّت الكثير من "خصوصياتهم" وشؤونهم الفردية والعائلية إلى التدخل غير المرئي .
وتطبيق معايير ومفاهيم الحرية والديمقراطية والأدوات المعبرة عنها، يختلف ويجري تطويعها وفقاً للمصالح الحيوية للدول الحاملة لهذه القيم والمفاهيم، بمجرد ان تعبر المحيطات والقارات، وتتباين اللغات التي تجسدها والأنظمة التي تستهدفها او تدور حولها. وفي عالم السياسة العربية والشرق أوسطية، يصبح في غاية الوضوح قياس تطبيقات هذه المفاهيم والمبادئ، بأضيق معانيها او أكثرها وسعاً على الصراع العربي الاسرائيلي والحراك الفلسطيني لنيل حقوق الشعب الفلسطيني في مواجهة الكبائر التي ترتكبها الدولة العبرية. وفي الدلالة عليها مظاهر وممارسات يومية وانتهاكات لحقوق الانسان. وفي وجه صارخ من وجوهها، الموقف من الترسانة النووية الإسرائيلية، والتصدي لمحاولة الاستخدام النووي السلمي لدى غيرها، دون نسيان التحفظ على نوايا هذه الدولة او تلك.
ان حرية الصحافة والإعلام في الغرب تحولت الى حق مكتسب للمجتمع، وبات الدفاع عن سويتها من كل فرد فيه دفاعاً عن الوجود والمستقبل، وتدفق المعلومات والوصول إلى مصادرها فرضا دستوريا. وبكل هذه المعاني تُعتبر المديات التي بلغتها الصحافة ووسائل الاعلام والاتصالات منجزاً انسانياً لا يرقى اليه الشك، ونموذجاً يحتذى لسائر البلدان. لكن ذلك لا ينبغي ان يوهم احداً، بانها كظاهرة، لا تعيش تناقضات داخلية تتعارض مع جوهرها، كلما تصادمت مع مصالح ونزعات وتوجهات تمس صميم النظام العالمي "المعولم" الذي يتميز بتسّيد النظام الرأسمالي، وتفّرُد العسكرية الأميركية "النسبية" فيه، وما يفرضه ذلك من سياسات ونزعات وإرادات على العالم.
وعلينا ان نأخذ بالاعتبار طبيعة المواقف المتخذة من حوامل الديمقراطية الغربية، في الإعلام والصحافة، مع ادعاءاتها "بالحياد المهني" والموضوعية في المعالجة والشفافية في إيراد الوقائع والحقائق والتقييم، عند النظر لما يحيط بنا من دمار وخراب ومآسٍ، وكذلك ما يُفرض علينا من خيارات في الحكم او توجهات لفرضها من الخارج، او إعاقة إرادتنا لتغييرها في مواجهة حكامنا، بوضعها في موازين القوى الخارجية ومصالحها، حتى حينما تبدو الإرادات والاطراف المتصارعة شديدة التناقض "شكلياً" مع تلك القوى. وقد تجتمع إرادات متناقضة في المصالح خارجياً، على خط مشترك في التعامل مع إرادتنا.
وتظهر الأحداث العاصفة في مصر، منذ التغييرات الثورية التي فرضها الشعب المصري في ٣٠/ يونيو الفائت، التناقض الصارخ بين ما تقدمه وسائل الاعلام والصحافة الاميركية والاوربية، والقيم والمبادئ التي تدعي حملها.
فالانحياز الى الاخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسي التكفيري، الحامل للسلاح، دفع هذه الوسائل، كما لو انها تحتكم لمركز قرارٍ واحد، الى تشويه الحقائق وتغيير الوقائع، وتوجيه منصات بثها نحو مشهد واحد، تُظِهرُ فيه الاخوان وأنصارهم كضحايا، همهم الدفاع عن الديمقراطية وشرعيتها الانتخابية المثلومة، في مواجهة انقلاب عسكري دموي، يفرط بإرادة الشعب الذي انتخب "الاخواني" محمد مرسي عبر صناديق الاقتراع. وهي اذ تعرض ذلك، لا تتوانى عن اعتماد "عيون" قناة الجزيرة الإخوانية الهوى والانتماء، وتبث تلفيقاتها المفضوحة، فلم تتردد في ان تبث على الهواء، حوارا مع امرأة تدعي أنها أمٌ لضابط وتزعم ان الجيش قتله حين رفض ضرب الإخوان، ثم لا تنشر تكذيب الابن الذي فضح كذب القناة وادعاءها، وأثبت أن المرأة لم تكن أمه.
ويبدو واضحاً، التنسيق والتلازم بين ما تنشره وتبثه الصحافة ووسائل الإعلام الاميركية والاوربية، والنشاط الذي تقوم به حكومات البلدان المذكورة، في الانتصار للإخوان ومحاولة تدويل الأحداث في مصر، وعزل الحكومة الانتقالية والتشكيك في صدقية التكليف الشعبي الذي استند عليه في عزل مرسي والتصدي للإخوان.
ان ما هو اصرخ من ذلك كله، المعيار المزدوج لمفهوم الإرهاب الذي تروجه هذه الوسائل وهي تعالج الاوضاع في مصر، اذ هي تركز على ادانة العنف المفرط من جانب الشرطة والقوات المسلحة، وتتغاضى عن استخدام مختلف انواع الاسلحة التي يحملها الإخوان ويواجهون بها المواطنين العزل، وأفراد الجيش والشرطة. كما يظهر طابع الاستهداف المقصود، الذي لا يجمعه جامع مع الموقف المهني، غض النظر (او أحياناً الاهتمام الثانوي) الذي تبديه بحرق المعابد والكنائس، والمباني الحكومية، والتعدي على الممتلكات الخاصة وقطع الطرق بما يُشبه المتاريس العسكرية، في حين كانت تخصص برامج لأيام، عند التعدي على كنيسة او مواطن قبطي ايام حكم المعزول مبارك.
ولكي لا نُصدم او نشعر بالاستغراب، كما لو ان هذه المواقف هي تعبير جديد إزاء التحولات الجارية في مصر، فلا بد من التذكير والتأكيد، على ان الصحافة ووسائل الاعلام الاوربية كانت منذ سقوط مبارك، وبل وقبل ذلك وارتباطاً باللقاءات السرية مع الاخوان المسلمين، حَشدت في اميركا واوربا لدعم حكم الإخوان، منطلقة من تقييمها لهم كبديل "وسطي" واداة لتفكيك التنظيمات الارهابية المتشددة، (بالاضافة الى انها تلتقي مع الاخوان في نهجين اضافيين: المشاركة في رؤية دينية الى العالم والحياة والنهج النيوليبرالي في الاقتصاد) وهي اذ اعتمدت هذا المعيار لم تأخذ بالحسبان، ارادة الشعب المصري بأكثريته، ولا المآل المأساوي الذي تنتهي اليه الأوضاع في الدول العربية التي تخضع لحكم الجهالة الإخوانية، وما انكشف خلال سنة واحدة من حكم مصر. وليس السلوك العام لوسائل الاعلام المنحازة للاخوان، حالة اعتراضية جانبية، انما هو تعبير عن ازدواجية المفاهيم والمبادئ مع المصالح التي تتحكم في النهج والوجهة التي تعتمدها.
لم يعد ينفع تقييم أداء وسائل الإعلام والصحافة في الغرب، بعين الرضا الدائم، بوصفه نموذجا يحتذى، كحامل للمبادئ والقيم الديمقراطية. فاذا كان صحيحاً أنها لا تخضع، من حيث الملكية الى مركز القرار الشكلي للحكومات واجهزتها، فهي في نهاية المطاف ترتبط بشبكة مصالح، ليس أصحابها او القيمون عليها خارج دوائرها والقرارات التي تتطلبها.
وهي بهذا المعنى مرآة متكسرة لمنظومة قيم ومصالح وانحيازات، تتجسد في معايير مزدوجة كلما تصادمت فيما بينها. والانحياز، كما التحالفات، يكون للمصالح التي تتسم بالثبات على حساب القيم والمبادئ.
في استرجاعٍ ذي مغزى، انتبهت وانا في لندن أتعالج في مستشفياتها عشية احتلال الكويت عام 1990، ان جميع وسائل الاعلام والصحافة البريطانية لم تنشر كلمة واحدة، او تتعرض لما كان يجري ذلك اليوم في العراق! تساءلت يومها هل يعني هذا تغيراً في الموقف البريطاني من النظام القائم، او هو مصادفة تُجمع فيها الصحافة ووسائل الاعلام على موقف موحد..؟
في اليوم التالي علمت ان الموقف الإعلامي ذاك لم يكن سوى انعكاس لموقف رسمي اتخذته لندن، وقد اخبرني قيادي في المعارضة العراقية يومذاك على علاقة وثيقة بالخارجية البريطانية، ان علينا ان نأخذ بالاعتبار مواقف جديدة ازاء المعارضة وتوجهاتها قد ينعكس سلبا عليها اذا لم تتعامل معه بجدية وهو يقتضي تدقيق بعض جوانب نشاطنا وأساليب عملنا وتحالفاتنا!؟


المدى
العدد (2871) 21/8/2013


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات