| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 20/7/ 2008

 

هل يحتاج العراق إلى جامعة من الطراز العالمي؟

ا. د. محمد الربيعي
alrubeai@gmail.com

يؤكد تقرير اليونسكو والبنك الدولي عام 2000 على أهمية التعليم العالي القصوى لاقتصاد المعرفة، مثلما التعليم الابتدائي ضروري للاقتصاد الزراعي، والتعليم القانوني ضروري للاقتصاد الصناعي. إلا إن التعليم العالي يواجه مشاكل كبيرة في البلدان النامية عامة وفي العراق خاصة، ويتطلب تحسينه استخدام نظام متعدد الرؤى يتناول بنية وعمليات مؤسسات التعليم العالي في إطارها الكلي من الجامعات البحثية حتى الكليات المهنية. ولعل المشكلة الرئيسية التي تعوق فعالية مؤسسات التعليم العالي هي الإدارة. يؤكد ديفيد بلوم في كتاب الجامعات والعولمة (
ترجمة عبد العزيز البهواشي واخرون، 2006) على مجموعة من المبادئ التي لابد من توافرها لمعالجة هذه المشكلة مثل: الحرية الأكاديمية والاستقلالية والرقابة والمحاسبية.

وهناك اتفاق عام بان الجامعات في الدول العربية أصبحت اشبه بالمصانع القديمة التي بنيت في غير الموقع المناسب لها، والتي زاد إنتاجها الكمي، وقل إنتاجها النوعي، دون ان يطرأ عليها تغيير يذكر (
سعيد التل واخرون، 1997) وهذا بالتأكيد ينطبق على الجامعات العراقية أيضا. ولعله من المهم الاشارة الى دراسة عدنان مصطفى (1995) التي تؤكد على ان الجامعات العربية تواجه جملة من التحديات الداخلية، اهمها:

1- الجامعات العربية معظمها جامعات حكومية، ومسيَّرة بقرارات الانظمة السياسية الحاكمة، الامر الذي ادى الى وجود قرارات فوقية، تقلل من الاستقلالية وديمقراطية الحياة الجامعية.
2- الجامعات العربية امتداد للجامعات الأوربية والأمريكية، الا انها لم تحذو حذوها في التقدم والتطور والرقي مما جعلها تنحسر في أدائها ووصلت إلى ثبات يكاد يقارب صمت القبور.
3- معظم اعضاء هيئة التدريس في الجامعات العربية تخيم عليهم التقليدية في ممارسة المهنة، وهم لا ينمون مهنيا واكاديميا بالصورة التي يتطلبها مجتمع المعرفة.
4- ضآلة موازنة الجامعات بشكل عام، وعدم مقابلتها للأعداد الغفيرة من الطلاب.
5- الافتقار إلى سياسات واضحة وبرامج محددة تتعلق بتطوير وتنمية أعضاء هيئة التدريس مهنيا.

ومن المناسب الاشارة الى قانون الخدمة الجامعية الجديد في العراق الذي استند روحا ومضمونا على القانون القديم، فأضاع فيه المشرع فرصة ذهبية لكي يعالج بايجابية وبما يتناسب روح عصر مجتمع المعرفة ويستجيب لمتطلباته بوضع أساليب وطرق تحديث معارف الأستاذ الجامعي وتحويله الى متعلم دائم التعلم لينمو مهنيا في مجال عمله. يؤكد احمد حسين الصغير في كتابه التعليم الجامعي في العالم العربي (2005) على ان ضآلة النمو المهني للاستاذ الجامعي وعزوفه عن المساهمة في الاصلاح والتجديد التربوي بالجامعات اصبح سمة من سمات التعليم الجامعي في الوقت الراهن. ويشير الصغير الى ان الجامعات كمؤسسات لم يعد تتوافر لديها فلسفة اجتماعية ولا منهجية علمية ولا خطة واضحة تحدد معالم وطرائق العمل في مجالات خدمة المجتمع. هذا الواقع كرسه قانون الخدمة الجامعية الجديد الذي اهتم برواتب ومخصصات الأستاذ الجامعي واهمل تطوره التربوي والعلمي.

هناك اتفاق عام حول ضرورة التغير والتطوير لكي تصل الجامعات العراقية الى مستوى أقرانها في العالم الصناعي المتطور. فهذا ما أشارت اليه معظم البحوث المقدمة الى المؤتمر العالمي للتعليم العالي في العراق والذي انعقد في الفترة من 11 الى 13 كانون الاول 2007 خصوصا بما يتعلق بتحسين الجودة وتطوير الادارة الجامعية. الا ان هذا التطوير بالرغم من انه لا يصل الى مستوى الدعوة الى الاصلاح الشامل يحتاج الى اموال هائلة وامكانيات لا تستطيع الدولة توفيرها في الوقت الحاضر لا بسبب عدم توفر الاموال، بل بسبب انعدام الخبرة، وضعف الموارد البشرية والتراكيب التحتية، وهجرة العقول، بالاضافة الى صعوبات ورواسب الازدواجية ورسوخ الممارسات النمطية، لذلك فأن التعليم الجامعي في العراق شأنه شأن الدول العربية يواجه تحد يتزايد يوما بعد يوم لتحقيق الكفاءة العالية والانتاجية والجودة. ويعتبر احمد حسين الصغير ان التحدي الحقيقي الذي يواجه الجامعات العربية هو انخفاض نوعية التعليم، بمعنى ان مخرجات التعليم الجامعي ليست على المستوى المطلوب، او بالمواصفات التي يتطلبها سوق العمل (
التعليم الجامعي في الوطن العربي، 2005).

الا ان العراق يمكنه من الاستفادة حالا من ادخال تعليم عالي متميز الجودة. والتعليم العالي ذات الجودة العالية ليس لكل الطلاب فهو للصفوة أو النخبة من الطلاب ذوي المستوى الفكري العالي والذين يستحقون رعاية خاصة، وهذا النوع من التعليم متوفر في كل بلدان العالم المتطورة ولا يعتمد على الامكانيات المالية للطالب فهو لا يفرق بين الفقير او الغني. هذا النوع من التعليم تقدمه جامعات متميزة تدعى بالجامعات ذات الطراز العالمي.
يتفق عموما على ان الجامعة ذات الطراز العالمي لها ثلاثة مزايا مهمة هي الجودة العالية للتعليم والتفوق في البحث العلمي ونشر المعرفة والمساهمات المتميزة في الثقافة والعلوم والحياة المدنية للمجتمع. وتشير دراسة الى عدد من خصائص الجامعة ذات الطراز العالمي، أهمها: (
Alden and Lin, 2004)

1- ذات اعتبار عالمي في البحث العلمي،
2- ذات اعتبار عالمي في التدريس،
3- تمتلك عددا من الباحثين المتميزين عالميا،
4- معترف بتفوقها من قبل الجامعات العالمية الاخرى ومن المؤسسات خارج منظومة التعليم العالي،
5- تمتلك عددا من الاقسام العلمية ذات المستوى العالمي المتميز،
6- بالتركيز على البحوث الرائدة التي تتميز بها الجامعة تستطيع احراز الأسبقية في هذه المواضيع،
7- تبتكر أفكارا رائدة وتنتج بحوثا أصيلة وتطبيقية بكثرة،
8- تجذب افضل الطلبة وتنتج افضل الخريجين ،
9- تنتج بحوثا رائدة وتحصل على افضل الجوائز العالمية ،
10- يمكنها جذب افضل الاساتذة والباحثين العالميين للعمل فيها ،
11- تجذب اكبر الاعداد من طلبة الدراسات العليا ،
12- تجذب اكبر الاعداد من الطلبة الاجانب ،
13- عالمية في سوقها وعملها الاكاديمي من حيث الارتباطات العلمية وتبادل الاساتذة والطلبة والزائرين العلميين ،
14- تحصل على أموال عالية من جهات عديدة فيما عدا الدولة كالقطاع الخاص والصناعي والخيري ،
15- توفر لطلبتها واساتذتها بيئة اكاديمية وعلمية صحية و بأرقى المستويات
16- تمتلك قيادة ادارية تمتلك رؤية استراتيجية وخطط تطبيق ،
17- تخرج طلبة يحصلون على مستوى عالي جدا من الوظائف ذات النفوذ في الدولة والمجتمع ،
18- بصورة عامة لها تاريخ طويل من الناتج ذو المستوى المتميز ،
18- تقدم مساهمات متميزة للمجتمع وللحياة العصرية ،
19- تقارن دائما بنظيراتها من الجامعات ذات الطراز العالمي المتميز ،
20- عندها الثقة الكافية لوضع مشاريعها وخططها بدون الاعتماد على جهات خارجية .

ويوجد اليوم عدد من جداول تحديد مستويات الجامعات تعتمد معظم او بعض الخصائص اعلاه كمعيار لوضع مدرج للجامعات والمقارنة بينها، منها جدول ملحق التعليم العالي لجريدة التايمس اللندنية، وجدول جامعة شنغهاي جايو الصينية. ولو نظرنا الى تدرج الجامعات في هذين الجدولين لراينا تشابها واختلافا في نفس الوقت في توزيع الجامعات فبينما يعتمد جدول جريدة التايمس بالأساس على السمعة الدولية اخذا بنظر الاعتبار التقييم العلمي من قبل اكاديميين وفنيين محترفين واحصائيات تتعلق بعدد الطلبة الاجانب واهمية البحوث وانتشارها، يختلف جدول شنغهاي باستخدامه مؤشرات اكثر موضوعية كمستوى أداء اعضاء هيئات التدريس والباحثين ويتضمن عدد البحوث واهميتها ومعدل الاشارة اليها والجوائز العالمية كجائزة نوبل. يلتقي هذين الجدولين في اختيارهما للجامعات الامريكية والبريطانية لتصدر الجدولين فنجد في الصدارة جامعات كهارفرد وكمبردج وستانفرد وكاليفورنيا واكسفورد، بالاضافة الى بعض الجامعات الاخرى من خارج هذين البلدين كجامعة بكين، والجامعة الوطنية الاسترالية، وايكول نومال سوبرير الفرنسية، والجامعة الوطنية السنغافورية، وجامعة طوكيو. ولو نظرنا الى جدول آخر، يسمى بتدرج "وبمترك" لجامعات العالم والذي يتضمن تسلسل اكثر من 14 الف جامعة، لوجدنا جامعة الملك فهد للبترول والمعادن تتصدر جامعات الدول العربية بتسلسل 637 تليها الجامعة الامريكية في بيروت بتسلسل 1382 ثم الجامعة الامريكية في القاهرة بتسلسل 1691 ومن ثم جامعة الإمارات بتسلسل 2029.

وجاءت دراسة ليفن وزملائه التي القيت في مؤتمر جمعية التربية العالمي عام 2006 لتؤكد عدم اكتمال معايير ومقايس الاداء لغرض الحصول على ترتيب مثالي للجامعات خصوصا بالنسبة لجامعات البلاد التي لا تعتبر الانكليزية لغتها الأساسية، وهم يقدمون نتائج نلخصها بما يلي:

1) يعتبر البحث العلمي والمنشورات والاستشهادات والمنح والجوائز معايير مهمة لقياس تطور مؤسسات التعليم العالي تأخذ عادة بنظر الاعتبار عند التقييم، في حين ان قياس جودة العملية التربوية ليست كذلك. ومن ثم، ليس من المستغرب ان نرى التركيز على البحث العلمي في المعايير والدراسات الاستقصائيه وإهمال متعمد لقياس وتقييم نوعية التدريس والنشاطات التربوية. والواقع أن هناك افتراض ضمني هو انه اذا كانت الجامعة تنافسية للغاية في معدلات وشروط القبول فأنها لابد و أن تكون ذات مستوى عالي جدا، حتى من دون الاخذ بالاعتبار قياس معايير الجودة الأخرى. ومع ذلك، فان شدة المنافسة في القبول قد يكون مستندا الى السمعة المرموقة للجامعة والذي يرجع الى حد كبير الى مستوى البحث العلمي فيها وليس الى مستويات التدريس العالية.
2) رغم التأكيد على ان التدريس وخدمة المجتمع والبحث مجتمعة هي المعايير الاساسية التي تحدد مستوى الجامعة، تشير نتائج الدراسة الى ان السمعه تعتمد الى حد كبير على مستوى البحث العلمي في الجامعة.
3) فيما عدا الجامعات العشرة الاولى هناك تباين واسع النطاق وخلاف على مراكز الجامعات الاخرى.
4) لجامعات البلدان الناطقة بالانكليزية ميزة ترفع من مراتبها بحكم كون الانكليزية لغة البحث والنشر العلمي. الانجليزيه اصبحت اللغة السائده في الاوساط الاكاديميه في جميع انحاء العالم، وهذا قد أدى ايضا الى ميزة للجامعات التي تعتمد الانكليزية في جذب المواهب الاكاديمية من مختلف أنحاء العالم.
5) عندما ينظر الى الاقسام في اطار جامعة ما في الولايات المتحدة، يبدو ان سمعة الجامعة لها تأثير كبير يتعدى مستويات الاقسام كل على حدة. لذلك فأن القسم العلمي في جامعة مرموقة يكتسب درجة تقييم أعلى مما يستحقه بالمقارنة مع قسم افضل مستوى في جامعة غير مرموقة.

يقدم جمال سلمي (2007) منسق التعليم العالي في البنك الدولي محاولة لتوضيح الاسس التي يستند عليها الجدولين الرئيسين في ترتيب الجامعات والمنطلقات الاساسية لتميز الجامعات في قمة الجدولين فيؤكد أن ذلك يعود الى ثلاثة عوامل مجتمعة هي:

1) تجمع كبير للقابليات الفذة: للجامعات من الطراز العالمي قابلية كبيرة لجذب افضل الطلبة واحسن الاساتذة والباحثين وهذا واضح جدا بالنسبة لجامعات كمبردج واكسفورد وهارفرد بالاضافة الى جامعات جديدة تتطلع الى الوصول الى اعلى درجات السلم كالجامعة الوطنية السنغافورية وجامعة سنغ هو الصينية التي يمكن ان تكونا مثالا تحتذي به الجامعات العراقية. على سبيل المثال، لنتصور ان جامعة بغداد قررت ان تصبح جامعة من الطراز العالمي في فترة 10-20 سنة فما عليها الا أن تنتقي ما يقارب من 50-100 طالب في كل عام من المتفوقين في كل محافظة بالاضافة الى فتح القبول امام الطلبة المتفوقين من خارج العراق. الا ان المشكلة تكمن في صعوبة الانتقال من محافظة لمحافظة أخرى ووجود قوانين تحدد من قبول الطلبة من محافظات خارج مركز الجامعة. كما ان الجامعة في كثير من الاحيان تعتمد على خريجيها في ملئ برامج الدراسات العليا. ومن المهم للجامعة ذات الطراز العالمي ان تبقى عدد طلابها ثابتا بدون تغير كبير، فعلى سبيل المثال، استطاعت جامعة بكين من المحافظة على عدد الطلبة المقبولين بما لا يزيد عن 30 الف طالب بالرغم من الطلب الهائل عليها. اما معاهد التكنولوجيا الهندية فلا تقبل اكثر من 4 آلاف طالب من بين 250 الف متقدم للدراسة مما ساهم ذلك في تصدرها المرتبة الثالثة في جدول جريدة التايمز اللندنية بالنسبة للمدارس الهندسية بعد معهد ماسوشيست للتكنولوجيا وجامعة كاليفورنيا بيركلي.

2) المصادر الهائلة المتوفرة لدى الجامعات ذات الطراز العالمي: والتي تعتبر ضرورية جدا لتغطية المصاريف الهائلة للبحث العلمي والمعدات والتجهيزات العلمية. وتشمل مصادر التمويل ميزانية الدولة وعقود البحث العلمي والارباح التي تاتي من استثمار اوقافها وبراءات اختراعها واجور الدراسة. وهنا نلاحظ المأزق الذي ستقع فيه اية جامعة عراقية او عربية اذا ما ارادت تطوير مستواها العلمي. فالتمويل الجامعي يعاني من ازمة، فهو لا يتماشى مع الازدياد الهائل في الطلبة، ويعزي ذلك الى عدد من العوامل (
انطوان حبيب رحمة، 2000) منها:
أ- الاعتماد على التمويل الحكومي للجامعات بشكل رئيسي، وزيادة اعباء الحكومات مما دفعها الى تثبيت مبالغ الانفاق على التعليم الجامعي، او زيادتها بنسب ومبالغ اقل من احتياجات التوسع والتطوير.
ب- الاقبال الشعبي على التعليم الجامعي وتصاعده ودعم الحكومات له بسياسات التوسع فيه والمحافظة على مجانيته، مما تطلب زيادات كبيرة في مبالغ الانفاق فاقت قدرة معظم الدول على توفيرها.
ج- مشروعات التطوير في التعليم الجامعي، التي استدعت اضافة مبالغ كبيرة من الاموال الى موازنة الجامعات، ولم تحظ بالموافقات الحكومية الا على جزء منها، الامر الذي ابرز النقص في التمويل والقصور في كفايته. ويشكك عد كبير من التربويين العرب في مدى قدرة الجامعات على الاستمرار والنمو ومواكبة التطور العلمي والتكنولوجي اذا استمرت تعمل في ظل الميزانيات الحكومية على ضغطها وعدم كفايتها (
احمد حسين الصغير، 2005). ويؤكد المصدر الاخير على وجود اتفاق عام في كثير من الدراسات حول التعليم المختلط لانه يأتي كحل وسط ما بين التمويل الحكومي والتمويل الخاص. ويؤكد كاتب هذه السطور على ضرورة إعادة بناء نظام التعليم الجامعي لغرض تطوير الجامعة بحيث تصبح اكثر جاذبية للسوق وبتنويع مصادر التمويل وبناء نظام اداري فاعل وكفوء بخلق ثقافة تجارية ترتبط بسوق العمل. وتظهر اهمية انشاء الجامعة من الطراز العالمي في ظل سيطرة الجامعات الاجنبية على السوق في الدول النامية بظهور ما يسمى "التعليم عابر الحدود القومية" حيث يمكن للجامعة المحلية ذات الطراز العالمي من منافسة هذه الجامعات والاستفادة من الاجور التي يدفعها الطلبة المحليين والاجانب لتمويل البحوث المناسبة وتوفير الخدمات التي يتطلبها المجتمع، وهذا سيحرر الجامعة من هيمنة الدولة ويساعدها في تحقيق الاستقلال الذاتي وترسيخ مفهوم الحرية الاكاديمية.

ان توفر المصادر المالية الهائلة يحرر الجامعة من قيود الدولة ومن بيروقراطيتها بحيث تسمح للجامعة من جذب احسن الاساتذة وقيادات البحث العلمي المتوفرة في العالم وذلك بتوفير الرواتب العلمية العالية وتخصيصات البحث العلمي الفائقة. لذلك نلاحظ ان من بين اعلى الجامعات الامريكية العشرين يوجد اثنتين فقط تمول من المال الحكومي العام وهما جامعتي ولاية ميشيكان وكاليفورنيا بيركلي. وتظهر الاحصائيات ان الجامعات الاهلية في الولايات المتحدة تدفع رواتب لأساتذتها بدرجة بروفسور بمعدل اعلى ب 30% من الجامعات الاخرى. السؤال الذي يطرح هنا هو، هل يمكن لجامعاتنا ان تتحرر من القيود التي وضعها قانون الخدمة الجامعية وتدخل السوق الوطني والعالمي في البحث عن افضل الأساتذة وتقدم لهم عروضا تتناسب مع خبرتهم ورواتبهم في الدول الغربية؟ على سبيل المثال يوجد عدد كبير من الاساتذة العراقيين والعرب في المهجر حيث يتبؤون مراكز علمية مرموقة في جامعات غربية، فهل من الممكن ان تقدم لهم الجامعات العراقية عروضا مغرية من رواتب تعادل رواتبهم في الغرب ومختبرات مجهزة باحدث وارقى التجهيزات العلمية؟ اذا استطاعت الجامعات العراقية ان تنافس الجامعات الغربية في العروض فاننا نتوقع مستقبلا باهرا ستصل به هذه الجامعات الى المستويات العالمية. وهذا الاسلوب ليس بالغريب او الجديد على البلدان العربية او النامية فهو يحصل فعلا في بعض الجامعات كجامعة الفيصل السعودية التي بدأت تقدم عروضا مغرية لغرض تشكيل هيئة من الاساتذة عالية المستوى واطلاق تسمية الاساتذة المؤسسين عليهم. وقبلها تبنت هذا الاسلوب الجامعات السنغافورية فجذبت اليها اساتذة وباحثين متميزين من كل انحاء العالم مما ادى الى ارتفاع مستويات هذه الجامعات بحيث بدات بمنافسة الجامعات الامريكية والبريطانية ذات الطراز العالمي.

3) بيئة إدارية واجتماعية وسياسية ملائمة: في دراسة لمجلة الايكونمست (2005) اشارت الى التعليم العالي في الولايات المتحدة بأنه افضل نظام تعليم في العالم وعزت اسباب ذلك الى استقلاليته النسبية عن الدولة وروح المنافسة التي تعترى مفاصله والى قابليته في جعل العمل الاكاديمي ونواتجه ملائمة ومفيدة للمجتمع. وتظهر المقالة اهمية دور البيئة التي تعمل الجامعة في ظلها والتي تشجع المنافسة ولا تضع قيودا على البحث العلمي والتفكير الحر الانتقادي والابداع والاختراع. والابعد من ذلك ان الجامعات المستقلة (أي تلك التي تتمتع بالحكم الذاتي) تتمتع بالمرونة القصوى لأنها لا تخضع الى التسلط البيروقراطي وقيود الدولة وقوانينها التي تعرقل التحديث والتغير السريع لمسايرة تطورات السوق العالمي. وهنا لا يسعني الا ان اذكر مثالا لما يمكن ان يحدث لجامعة عراقية اذا رغبت في تعيين عالم مرموق فأنها ستواجه بقوانين الدولة التي تضع سقفا لراتب الاستاذ وتحدد واجباته ومؤتمراته العلمية ونشاطاته الاكاديمية ومصاريفه على البحث العلمي بحيث يصبح من المستحيل اجتذاب الخبرة العلمية الملائمة من الخارج لغرض انتشال الجامعات من مأزقها الاكاديمي ومستوياتها المتردية. ولعله من الغريب جدا ان نجد الجامعات العراقية غير قابلة على تعيين أي اكاديمي برتبة استاذ (بروفسور) مهما كان مستواه العلمي او حتى كان حاصلا على جائزة نوبل.

لماذا لا تتمثل الجامعات الفرنسية والالمانية في قمة جداول المستويات العالمية بالرغم من قوة اقتصاد البلدين؟ لعل الجواب يكمن في انعدام المنافسة بين الجامعات بشكل عام وفي شروط القبول بشكل خاص، فالشرط الاساسي لمعظم هذه الجامعات هو شهادة الثانوية العامة، كما هو عليه الحال في العالم العربي، فالجامعات تعامل بالتساوي من قبل الدولة بالنسبة لتمويلها وتوزيع القوى البشرية الاكاديمية، ولكون الجامعات مؤسسات تابعة للدولة فهي مقيدة بقوانين التوظيف الحكومي والبيروقراطية. ولعل ما يزيد تعقيد النظام الفرنسي هو وجود المدارس الهندسية ذو المستوى العالي (
غراند ايكول) التي لا تجري الا القليل من البحث العلمي بينما تجذب افضل الطلبة ليتبوأ بعد تخرجهم افضل الوظائف الهندسية ونتيجة لذلك فأن مقاعد الدراسات العليا في فرنسا يشغلها الطلبة الاقل تفوقا اكاديميا على خلاف ما نجده في بريطانيا والولايات المتحدة واليابان.

لماذا تتمثل الجامعات العربية في اسفل جداول المستويات العالمية؟ الجواب يكمن في النقاط المذكورة في أعلى هذا المقال والمقتبسة من دراسة عدنان مصطفى (1995). وتعتبر مشكلة تمويل مؤسسات التعليم العالي من أهم المشاكل التي تواجه الجامعات العربية. وهناك اتفاق على ضرورة زيادة الدعم الحكومي بزيادة مبالغ الانفاق وفقا لمتطلبات التطوير وتحسين النوعية بالرغم من ان بعض الدراسات تؤكد على ضرورة التمويل المختلط للتعليم الجامعي وتنويع مصادره كحل عملي. ولعل معاناة الجامعات العربية تتشابه لحد كبير بمعاناة عدد كبير من جامعات العالم في بلدان تتحكم فيها الدولة بكل صغيرة وكبيرة بما يجرى في الجامعات، على سبيل المثال لا تتمثل جامعة ساو بالو البرازيلية بين الجامعات المتفوقة عالميا بالرغم من انها من اكبر الجامعات العالمية وتنتقي افضل الطلبة المتميزين لكنها مقيدة بالنظم البيروقراطية للدولة وتفتقر الى الروابط الدولية، كما ان جل هيئتها التدريسية من خريجي الجامعة نفسها، ولا يسمح للجامعة من التعاقد مع الاساتذة الاجانب، كما لا يسمح بكتابة رسائل الدراسات العليا بلغة غير البرتغالية، ولربما يكمن أهم سبب في تخلفها النسبي هو انعدام الرؤية الصحيحة، والتطلع نحو الافضل، وتحدي الواقع وتحويل الجامعة الى حاضنة للعقول المفكرة (
شوارتزمان، 2005).

كيف يمكن انشاء جامعة من الطراز العالمي؟
هناك عاملان أساسيان لابد من أخذهما بنظر الاعتبار عند الشروع بتأسيس جامعة من الطراز العالمي وهما أولا، ما يتعلق بدور الدولة والموارد المالية والبشرية التي توضع تحت تصرف الجامعة، وثانيا ما يتعلق بدور الجامعة نفسها في تغير خططها وسياساتها واستعدادها لتطوير نفسها الى مستوى الجامعات العالمية المتميزة.
ويبدو ان دور الدولة في تأسيس مثل هذه الجامعات في العالم العربي لهو دور رئيسي ومهم فهي الوحيدة التي يمكنها من توفير الظروف الملائمة والدعم الكافي لتغطية التكاليف الهائلة للتعليم ذات الجودة العالية، اما الممول المحلي او العالمي فهدفه الاساسي تقديم تعليم يحقق له ربحا لذا يهتم بالمواضيع التي لا تتطلب تأسيس بنية تحتية كبيرة كالادارة والمحاسبة وتكنولوجيا المعلومات. وبالرغم من أن معظم الجامعات من الطراز العالمي لها تاريخ طويل وتمويل هائل الا ان ذلك لا ينطبق على جميعها فعلى سبيل المثال تمكنت جامعة شيكاغو في بداية القرن العشرين من الوصول الى القمة في خلال عشرين عاما وبكلفة 100 مليون دولار. وتقدر كلفة انشاء جامعة من الطراز العالمي في يومنا هذا ما يقارب من 500 مليون دولار.
من الضروري للعراق ان تكون له جامعة من هذا المستوى حتى ولو كانت التكلفة باهظة بهذه الدرجة فمن خلالها يرقى بمستوى التعليم الجامعي ليواكب العصر بالاضافة الى تبوئها دور قيادي ورائد في تحقيق التقدم وتمنح الطلاب المتفوقين فرصا لصقل مهاراتهم وكفاءاتهم، ولابد ان تستجيب لاحتياجات سوق العمل وتستطيع المنافسة عالميا مع الجامعات الاخرى من الطراز العالمي. ان انشاء جامعة بهذا المستوى ليس بالعمل السهل فحتى في الولايات المتحدة لا يوجد اكثر من 30 جامعة بهذا المستوى من اصل 5000 جامعة، وعشرة جامعات في بريطانيا وخمسة في اليابان. والمشروع البديل ذا الكلفة الاقل هو تطوير جامعة بغداد الا ان ذلك سيتطلب تجديد للتراكيب التحتية وقوى بشرية جديدة ونظام لضمان الجودة وادارة عالية المستوى ولوائح تعليم متميزة واستقلالية كبيرة ومراكز بحوث بالمستوى العالمي، وهذا الاسلوب اتبعته الصين منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي. ولربما من المهم الاطلاع على التقرير الحكومي حول اصلاح التعليم الجامعي وتطوير الجامعات الصادر في عام 1993 والذي اقرت فيه الدولة الصينية بأنشاء حوالي 100 جامعة رئيسية تتميز بالمستوى العالي للدراسات المتخصصة، وفي عام 1998 اعلن عن هدف انشاء جامعات من الطراز العالمي تهتم بتطوير العلوم والتكنولوجيا، ولذلك ارتفعت مصاريف الدولة على التعليم العالي الى ما يقارب من 10 مليار دولار في عام 2003. وهناك مشكلة اخرى تتعلق بتطوير جامعة كجامعة بغداد هي الصعوبة في تغير هيئة التدريس والتخلص من الاساتذة الاقل كفاءة او من لا تتوفر لديهم القدرة للتغير بالاضافة الى الصعوبات المتعلقة بتغير اساليب التنظيم الاداري والعمليات المالية والاكاديمية وتحويل البيئة التقليدية الى بيئة تنافسية تعتمد الجودة العالية مقياسا للتطور.

ان احتمالات نجاح مشروع تطوير جامعة عريقة كجامعة بغداد الى جامعة من الطراز العالي لهو احتمال قليل، ولعل مقارنة بسيطة بين تجربة ماليزيا وسنغافورة يساعد على التوضيح. نشأت الجامعة الوطنية السنغابورية بالاساس من رحم جامعة ملايه التي كان لها موقعين احدهما في كوالو لامبور والثاني في سنغابورة، وهي اليوم بعد 28 عاما من انفصالها تقع في المرتبة 19 في جدول ملحق التعليم العالي لجريدة التايمس بينما تقع جامعة ملايه في الترتيب 192، ويعود هذا الفرق في المرتبة الى العوامل المعيقة التي واجهت جامعة ملايه ومنها سياسة الحكومة الملايزية في منع الجامعة من انتقاء طلبتها وفرض سياسة التمييز الايجابي لغرض إعطاء افضلية للطلبة الماليين على حساب الطلبة الصينين والهنود (ماليزيا تتكون من ثلاثة قوميات رئيسية هي الماليه والصينية والهندية)، كما تحدد الدولة الماليزية عدد الطلبة الاجانب التي يمكن للجامعة من قبلوهم بما لا يزيد عن 5% مقارنة ب20% للطلبة الاجانب المقبولين في الدراسات الاولية و43% لطلبة الدراسات العليا في الجامعة الوطنية السنغابورية، هذا بالاضافة الى تفوق الامكانيات المالية للجامعة السنغابورية والتي تقدر بضعف الامكانيات المالية للجامعة الماليزية. وتخضع الجامعة الماليزية الى نظم الدولة التي تمنع منح مخصصات اضافية وعروض مغرية لاجل تشغيل اساتذة عالميين متميزين بينما تتمتع الجامعة السنغابورية بحرية كاملة في التعاقد مع أي استاذ عالمي ودفع رواتب توازي تلك التي تدفع في امريكا واوربا.

لربما يكون الطريق الافضل هو تأسيس جامعة جديدة حيث تستطيع من التعاقد مباشرة مع افضل العقول المتوفرة وان تعتمد سياسة اختيار افضل الطلبة وان تعتمد استراتيجية عالمية للبحث العلمي في ظل اطار تنظيمي واداري لا يختلف كثيرا عما هو عليه في الجامعات الاخرى من الطراز العالمي، كما ستتمكن هذه الجامعة من بناء وتطوير بيئة تنافسية تعتمد الجودة العالية مقياسا للتطور. ولربما يكون تأسيس معهد التكنولوجيا الهندية افضل مثال على نجاح هذا الاسلوب فقد استطاع هذا المعهد من تسلق اعلى درجات السلم للوصول الى اعلى المستويات في خلال بضعة عقود من الزمن.

من هذا نستنتج ان الدولة تلعب دور اساسي ومهم في تطوير التعليم العالي فيجب عليها تشريع قوانين تنظيمية ومالية مساعدة لتشجيع الجامعات بدخول سوق المنافسة مع الجامعات الاقليمية والعالمية وعلى اساس المعايير العالمية في الجودة، ولغرض تسهيل هذا الطريق تمنح الدولة استقلالية للجامعة في اختيار طلبتها واساتذتها وفي مقررات دروسها وبحوثها او باعتماد نظام مالي تفضيلي يعتمد على مستوى الاداء وتشجيع الشركات والمنظمات والافراد من تقديم المنح والمساعات المالية للجامعات.

للدولة في تطوير التعليم العالي وتأسيس جامعات من طراز عالمي دوراساسي ورئيسي في الدول النامية كما اكدنا سابقا لانعدام المصادر المالية الكافية التي يمكن ان يوفرها القطاع الخاص الا اني اشك في ان الدولة ستتخلى بسهولة عن ادارتها المباشرة للجامعات.

لعله من المفيد تقديم مقارنة بين التعليم العالي وكرة القدم وهو درس مقتبس من سلا مارتن (2006): هل يمكن تصور كيف سيكون مستوى فريق مانجستر يونايتد او برشلونة اذا ما فرضت عليهما القيود والقوانين المفروضة على الجامعات؟ ماذا سيحدث اذا ما كان اللاعبين موظفي دولة وبرواتب تحددها الدولة؟ وماذا سيحدث اذا طلب منهم ان يلعبوا يوميا دون الاخذ بنظر الاعتبار مستواهم في المباريات الرسمية واثناء التدريب؟ وماذا سيحدث اذا ما انعدم الارتباط بين مدخولات النادي ونتائج المباريات، واذا لم يستطع النادي ان يدفع اعلى المبالغ لاحسن اللاعبين، او لم يستطع من التخلص من اسوء اللاعبين؟ وماذا سيحدث اذا ما قررت استراتيجية اللعب من قبل الدولة وليس من قبل المدرب؟ اليس مثل هذه الاجراءات ستؤدي بسقوط هذين الناديين الى اسفل الدوري وضياعهما بين النوادي الصغيرة؟ واذا ما اتفقنا بان مثل هذه الاجراءات غير حكيمة وغير صحيحة فلماذا نسمح لجامعاتنا الاستمرار تحت ظل مثل هذه الظروف؟ ان هذا يدل من دون شك على اننا نهتم بكرة القدم بدرجة اعلى من اهتمامنا بتعليم اجيالنا الصاعدة.

وهناك حاجة لاعادة التفكير في الدور الذي يمكن للدولة ان تلعبه في تطوير التعليم العالي. السؤال هو، هل نظام التعليم العالي في العراق يتناسب والتطور الحاصل في الاقتصاد المحلي والعالمي باعتبار التعليم العالي خدمة من خدمات التجارة او سلعة يمكن المتاجرة بها وهو في ظل العولمة سوقا يدر اموالا كثيرة ويزود الاقتصاد الوطني بالموارد البشرية المطلوبة (
العولمة والتعليم الجامعي، ترجمة عبد العزيز البهواشي واخرون، 2006). اذا كانت القوانين لا تسمح للجامعات بالمنافسة فيما بينها لماذا لا يسمح لها بالتنافس مع الجامعات الاجنبية؟ ألا يمكن لهذه المنافسة ان تساعد الجامعات في تطوير قدراتها الذاتية؟ فهذا ليس ضرب من المحال، فالجامعات لديها من الادوات والامكانات وخاصة ما يتعلق بالطاقة المتمثلة بالقابليات والاحلام والطموحات والحماسة اللازمة لتطويرها الى مستوى الجامعات العالمية اذا ما توفرت الامكانات المالية والدعم الحكومي اللازم والخطط الصائبة. ولمنع تعرض الجامعات العراقية الى التهميش في ظل البيئة العالمية للمنافسة يتطلب منها التفكير في كيفية الاستجابة للتحديات التي تفرضها المنافسة وذلك بمعاملة الطلاب كزبائن وتحقيق التعاون مع البيئة التنافسية العالمية عن طريق الشراكة بين الجامعات.

لا ريب في انه، وفي ضوء الانفتاح على العالم والدعوة الى تحويل الجامعات الى مجتمعات للتعلم المستمر وان المعرفة العلمية اصبحت سلعة إنسانية، فأننا يمكن تلخيص ما تقدم على شكل اسئلة تصبح اجاباتها ضرورية قبل الشروع في تأسيس جامعة من الطراز العالمي (
جمال سلمي، البنك الدولي، 2005):
1- ما هو تكاليف المشروع وكيف يمكن تمويله؟
2- ما هو دور الدولة في تأسيس المشروع؟
3- ما هو افضل اسلوب: جامعة جديدة او تطوير جامعة راسخة؟
4- هل تتوفر قيادة ادارية واكاديمية متمرسة؟
5- ما هي رؤية الجامعة والاهداف التي تسعى لتحقيقها؟
6- ما هي المواضيع التي تسعى الجامعة لتحقيق الصدارة والتميز فيها؟
7- كيف يمكن للجامعة ان تصبح عالمية؟
8- كيف يمكن قياس نجاح الجامعة وما هي انظمة التقييم وقياس النوعية؟


 

free web counter

 

أرشيف المقالات