| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الجمعة 20/1/ 2012

     

مسارات التفكير
(1)

فهيم عيسى السليم

من المعروف أن الإنسان يمتلك القدرة على التفكير وهذه الملَكَة التي يجري تطويرها من خلال الحواس والتعليم والتجربة والخبرة المتراكمة ذات مسارين أساسيين

1. التفكير المنظم وكمثال واضح عليه هو حل المسائل الرياضية كالمعادلات وإثبات نظريات الهندسة المستوية فهناك فرضية مطلوب إثباتها وهناك برهان على أساس محكوم بخطوات متسلسلة وكذلك حل المعادلات الكيمياوية وغير ذلك.

في مثل هكذا تفكير لا يمكن للعقل الخروج عن المسار المنظم المرسوم لأن النتيجة يجب أن تكون هي هي سواء كان الإنسان القائم بالحل أذكى إنسان في الكون أو إنسان عادي فكلاهما سيثبت أن مجموع زوايا المثلث 180 درجة مثلاً وأن مزج حامض مع قاعدة ينتج ملحاً وماءً وهكذا وسنعطي لمثل هذا الشكل من التفكير مائة درجة

2. التفكير العشوائي أو غير المنظم وهو الذي يمثل الغالبية من افعال البشر والذي يحصل بالاعتماد عادة على الحواس فالمشي في حقل مفتوح أو الإستماع الى الأغاني أو تذوق الطعام أو الذهاب للنوم لا يحتاج عادة الى عناء التفكير أو إعمال العقل فالحواس تقوم بالمهمة وتنقل الأوامر الى العقل الذي ينفذ عادة بأقل جهد فكري ممكن. وسنعطي لمثل هذا التفكير العشوائي 10 درجات.

من الواضح أن حياة الإنسان العادية مثل العمل المتخصص والقراءة والتعلم والمناقشة والتحليل والتركيب تقع بين هاتين الدرجتين وتقترب وتبتعد عن المائة درجة والعشر درجات حسب طبيعة الحالة فالهندسة كتخصص وكعلم تطبيقي تكون أقرب الى التفكير المنظم ويمكن أن يكون عمل المصمم الهندسي مثلاً بدرجة 85 في حين أن المهندس العامل في إنشاء طريق بدرجة 75 وفي حالة العلوم الإنسانية تكون الدرجة متفاوتة أيضاً فمدرس اللغة العربية محاصر بقواعد صارمة وقارئ القرآن محاصر أكثر بطريقة قراءة صارمة جداً ومتوارثة وثابتة .

والحاسبة تؤشر بالأحمر حين نغلط بطبع كلمة فلا يجوز أبداً التحوير في إملاء الكلمات والكثير من الأفعال يمكن تأشيرها بهذه الصورة.

هل يمكن للإنسان أن يجعل تفكيره وأفعاله منظمة بشكل كامل ؟

أنا متأكد أن الجواب كلا لإستحالة ذلك من الناحية العملية ولكن محاولة الاقتراب من الكمال المثالي تستحق الوقوف عندها بل وتستحق الوقوف المطول وهذا هو موضوع مقالنا هذا.

صحيح أن الطفل يجري تدريبه وتوجيهه في البيت كجزء من العملية التربوية وبشكل تدريجي على فعل الأشياء من الشكل العشوائي الى المنظم وكذلك في المدرسة حيث أن تحصيل العلوم واللغات وغيرها من الدروس بما في ذلك الرياضة البدنية والتمارين المنتظمة يؤهل الطالب جزئياً لنوع من النظام الفكري وعند الصعود الى الجامعة يجري التركيز على تخصص ما ويعطى للطالب مناهج محددة تؤهله أن يصبح متخصصاً في مضمار معين ويمنح شهادة جامعية اولية وربما يحصل على شهادات أعلى ولكن المحزن والمريع أنه لا البيت ولا المدرسة ولا الجامعة ولا المكان الذي تعمل فيه ولا الشارع ولا العلاقات الإنسانية ولا حتى الحاسبة الألكترونية تعلمك وبشكل منهجي وتفصيلي كيف تفكر بشكل منظم وكيف تستأصل بشكل تدريجي التفكير الحسي العشوائي .

أهم درس في حياة الإنسان لم يدرّس ولن يدرس كما أظن أبداً ولهذا أسبابه وسأضرب لكم مثلاً عن كل سبب :

· أنت تعيش في غرفة المعيشة في بيتك منذ 10 سنوات. إغمض عينيك وعدد بالتفصيل موجوداتها ستجد بسهولة أنك لم تتعرف على جزء كبير جداً من الموجودات وما تعرفت عليه لا تعرف تفاصيله وأتحداك أن تتعرف على أكثر من 20% من تفاصيل لوحة المفاتيح أمامك ومواقع الحروف والأرقام . لقد سمعت نشرة الأخبار قبل نصف ساعة فهل تستطيع تذكر الاخبار الرئيسية.

· أنت تعود من السوق محملاً بالأغراض هل تفعل نفس الأفعال كل مرة ؟ 95% من الناس لا يفعلون ذلك وكل شيئ يعتمد على الظروف والصدف .

· الكثير من الناس ينسون أشياءهم في محطات القطار وينسون أين وضعوا سلسلة مفاتيحهم وينسون بالطبع أين حفظوا الرسالة الفلانية في الحاسبة وبريدهم الألكتروني وحاسبتهم عبارة عن فوضى شاملة. بمقارنة سريعة وتحقق بسيط سنعرف أن الرجل الذي يرمي ملابسه على فراش النوم ويهرول كل صباح بدون حلاقة ذقنه آملاً أن يلحق القطار ذهاباً الى عمله والمرأة التي تضع الأشياء في خزانة المطبخ كيفما إتفق هما نفسهما اللذان حاسبتهما تعيش الفوضى الشاملة.

· أغلب الناس يرون في (كلمة السر) أو (كلمات السر) معظلة كبرى لتعددها فواحدة أو إثنتان أو ثلاثة للمصرف ورابعة وخامسة وربما سادسة للبريد الالكتروني الشخصي وفي العمل وسابعة لصندوق التقاعد وثامنة للفيس بوك وهلمجرا فهل تتذكرون كل كلمات السر؟ ومن منكم لديه نظام لتذكر كلمات السر؟

الحقيقة أن التفكير المنظم ومساراته الثابتة هو سلسلة من العلاقات الجدلية المنطقية المترابطة المبنية على شكل منظومة يجري بناؤها داخل العقل الإنساني تتكون من :

1. البديهيات الإقليدية
2. الثوابت الرياضية
3. الثوابت العلمية
4. التجارب الناجحة والدروس المستخلصة من التجارب الفاشلة لك وللآخرين
5. وضع الخطط للأفعال إبتداءً من المواضيع البسيطة وكتابة الخطوات ومحاولة تطبيقها وتعديلها حسب المطلوب ومن ثم التوسع الى خطط أطول ذات خطوات أعقد وتقييم النتائج
6. التدرب على حساب الزمن الذي تستغرقه الأفعال بكل انواعها ووضع زمن لفعل معين ومحاولة تحقيقه وتصحيحه
7. التدرب على حساب المسافات والأبعاد وحسن تقديرها وتصحيحها كلما أمكن ذلك
8. التدرب على تحليل شخصيات الناس الأقرب المحيطين بك لا على أساس الإنطباعات العابرة ودرجة الميل وإنما على أساس الحقائق والتجارب الثابتة التي لا تقبل الشك وإخضاع ذلك التحليل للإختبار العملي الناجح وتوقع التصرفات وردود الافعال وتصحيح نتائج تحليل الشخصية بناء على ذلك.
9. التدرب على التحليل الرياضي والتوسع الى التحليل المنطقي وربط المعلومات ببعضها
10. التدرب على التركيب الرياضي والتوسع الى التركيب المنطقي وبناء الهياكل والمرتكزات الأساسية للقضية موضوع البحث فبناء قضية قانونية وبناء جسم لرياضي للعبة معينة لا يختلف عن إنشاء عمارة فهناك دائماً مكونات للبناء وأساسات وأعمدة وسقوف لكن بأسماء وأشكال مختلفة.
11. والمهم الأهم التدرب على طريقة خزن المعلومات المهمة داخل العقل الإنساني في مكان معين مع معلومة أخرى ستحتاج الى ربطهما معاً في المستقبل
12. التدرب على محو ومسح المعلومات التافهة غير المفيدة من الدماغ وعدم نسيان أن الدماغ لديه طاقة خزن محدودة وهذه واحدة من أهم الآفات التي تؤخر الإنسان .
13. التدرب المستمر على فصل الهواء والأحلام والهواجس والأوهام وأشباه الأوهام وهي كثيرة عن الحقائق الباردة والتدرب على بناء القناعات على أساس الحقيقة.وأهم من ذلك التدرب على قبول النتائج المترتبة على ذلك وعدم إنكارها. كم من الناس دخلوا الجامعات لأنهم يحبون موضوع التخصص وتخرجوا دون أن يجدوا أي فرصة عمل وكم من الناس فشل زواجهم لأن إختيار شريك الحياة كان فعلاً عشوائياً غير محسوب.
14. التدرب على تطويع الحواس لفعل منظم فيجب أن تتدرب كيف ترى وتفحص وتلتقط وتطبع الصور حين تنظر وأن تنصت وتفهم وتحفظ حين تسمع والمهم أن تستعيد ذلك مع نفسك فيما بعد وتخزن ما تريد وتمحو ما لا تريد.

أي مدرسة وأي جامعة ستدرس كل هذا؟

وسيسأل القارئ أن هذا سيحول الإنسان الى آلة

أبداً

لا تتصوروا كم أن هذا الفعل العظيم الذي يحتاج الى سنين وسنين من العمل المضني والتدريب المنظم سيحول الإنسان العادي الى إنسان آخر أرقى وأذكى وأعلم وأنجح والأهم من كل ذلك سيجعل حياته أسهل وأكثر إنسيابية وأقل عناءً .

وللموضوع بقية

 

أوكلاند نيوزيلند

 

free web counter

 

أرشيف المقالات