| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

                                                                                 الأربعاء  20 / 8 / 2014

     

مفاهيم سيئة السمعة

وفاء البوعيسي (*)
wafaalbueise@gmail.com

(6) الإسلام صالح لكل زمان ومكان

الجزء الأول

مقدمة:
هذه المقالة لا تصلح لأصحاب القلوب الضعيفة، ممن لا يحتملون إعمال الفكر في أي شيء يخص الإسلام، أو يعتقدون أنّ الإسلام يجب ألا يُمس ولا يجوز الاقتراب منه إلا من طرف الفقهاء المتخصصين فقط، لأنني أنوي وبكل وضوح أن أوجّه النظر من خلالها إلى ضرورة انتزاع الإسلام من يد السدنة والمفتين والمشائخ وأئمة المساجد وشُرّاح القرآن وعلماء السيرة النبوية، الذين بتفاسيرهم وبقراءاتهم له قد دمروا أوطاننا ونشروا فينا الفتن والانقسامات والطائفية والقتل، وقراءاتهم له بالذات هي التي صنعت من شباب المسلمين قنابل بشرية وجنسية موقوتة انفجرت في غيرما مكان، حتى حدث ما حدث بالعراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان وأفغانستان والصومال والسعودية ونيجيريا ومالي والجزائر ومصر والباكستان والفلبين ..الخ.

إنني أدعو هنا ومن دون وجل، إلى أن نُسند لأنفسنا ـ كنخب ـ وبشجاعة ـ مهمة إلغاء ما يُعد امتيازاً قداسياً للإسلام، وذلك بإعادة قراءته من جديد قراءة علمية وبشرية خالصة وموضوعية، بأن نسلِكه في مجرى العلوم الإنسانية والتطبيقية الحديثة، وأن نضعه في مختبرات التاريخ، والجغرافيا، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والفيزياء، والفلك، والأنثربولوجيا، والهرمنيوطيقا، والثيولوجيا، والمثيولوجيا، والأركيولوجيا، والإبستمولوجيا ... إلخ، ببساطة لأن الإسلام لم يعد شأناً خاصاً بالمسلمين وحدهم اليوم، ولأن كثيرين جداً قد تأذّوا منه ومما جاء به من أحكام، وعلى رأسهم المسلمين أنفسهم عدا عن بقية الأديان والملل كالمسيحيين والأزيديين، حتى صارت الناس تفر منه أفواجا عوض أن تدخل فيه أفواجا.

وبدايةً يتعين عليّ تقديم التعريف السائد عن الإسلام والذي يرفعه كل من يقول بصلاحيته لكل زمان ومكان، ثم تحليل هذا التعريف، وأخيراً المضي في بيان بعض الأمثلة لما أعتقد أنه لم يعد يصلح للتمسك به بالقرن الواحد والعشرين وأسباب ذلك من وجهة نظري.

أولاً: تعريف الإسلام :
اعتاد المسلمون (فقهاء وغير فقهاء) على تقديم تعريفين للإسلام عادةً، تعريفٌ لغوي وآخر موضوعي، فمن حيث التعريف اللغوي للإسلام وكما يوحي بذلك اسمه فإنه: "مُطلق الاستسلام لله والانقياد له بالطاعة والخضوع، والقبول تبعاً لهذا بما أمر به الله من تكاليف وترك ما نهى عنه من معاصٍ"، وينطوي التعريف عادةً على إيراد أركان الإسلام الخمسة التي يجب على المسلم الالتزام بها، وبيان المعاصي التي يحرم عليه مقاربتها.

أما التعريف الموضوعي للإسلام فإنه يعرّفه من حيث عالمية رسالته بكونه: "الدين الخاتم لكل الأديان السماوية السابقة عليه، والشريعة التي ختم بها الله وحيه الإلهي للأرض، حين اشتمل على بيان كافة المسائل لتنظيم حياة الناس في الدنيا والآخرة، بأن سنّ لهم ما يوافق فطرتهم ويدرأ المشقة والفساد عنهم، فحَقَّ أن ينطبق على جميع البشر بكل مكان وزمان".

حسناً، إن ما يعنيني هنا ليس هو التعريف اللغوي للإسلام، من حيث كونه التسليم لله وآداء الطاعات وترك المعاصي والتعلق بأركانه الخمس المعروفة، فهذا حقٌ للمسلم لا ينبغي بحال النقاش فيه من جانبي، بل إنّ ما يعنيني هنا هو التعريف الموضوعي له، والذي يتأسس على أنه هو ما يوافق فطرة الناس وشؤونهم، وبأنه يدرأ المشقة والفساد عنهم، لأنها مسألة بات فيها الكثير من النظر الآن، وهي تستحق المغامرة بالنقاش فيها قليلاً.

ثانياً: تحليل التعريف الموضوعي للإسلام :

نظرة في مسألة الفطرة
إن مسألة الفطرة التي يُقحِمها المسلمون دائماً في كلامهم عن الإسلام، قد وردت الإشارة إليها بالقرآن الكريم والسنة النبوية على أنه لا محيص عنها ولا تبديل لها، فقد جاء بسورة الروم (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) أي أن الله قد فطر عباده على معرفته وتوحيده والعلم به مبدأ خلِقهم، مذ أنزل الوحي على نبيه إبراهيم تواتراً حتى تلقّاه محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وأنه لا تبديل لهذه الخِلقة في معرفتها به سبحانه حين خلقها أول مرة مهما حدث، وهذا ما يؤيده أيضاً حديث أبي هريرة عن النبي الكريم قائلاً "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسانِهِ..."، كما جاء بسورة الأعراف قول الله أيضاً (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ).

وقد قُدِمت فطرة الإنسان بالآيات والحديث، كما لو أنها مرآةٌ خالصة الصفاء بالغة النقاوة حتى يخالط سطحها كَدَرٌ ما خارجٌ عنها وعن مادتها الأصلية، فإذا وضعت أمامها صليباً عَكَسته لك كما هو، وكذا إن وضعت أمامها نجمة داوود أو طاووس مَلَك أو بقرة أو تمثال بوذا، المهم أنها تتخلّق صافيةً شفافةً تعكس المعرفة الداخلية بالله لا محالة، وهذا بالذات لأن الله تعالى في عالم الأمر (كن فيكون) قد أخذ ميثاقاً غليظاً على ذرية آدم حين ابتدأ خلقهم، بأن أشهدهم على أنفسهم بأنهم يعرفونه وأنهم يقرون بربوبيته، فآدم وحواء قد شهِدا خلقهما وعرفا ربهما بالجنة، لكن ذريتهما التي وّلِدت على الأرض لم تشهد على ذلك ولم تعرفه، وكان حقاً على الله العادل ألا يتركهم نهباً للجهل به حتى يُقيم عليهم الحجة يوم القيامة، لكن ما حدث بعالم الفعل (الواقع المعيش عياناً) كان خلاف هذا على النحو التالي :

1- حضارات شعوب ما قبل التاريخ في الشرق الأدنى بالعراق وبابل وسومر وحضارة مصر الفرعونية واليونان القديمة والهند ...الخ، رصدت عدداً هائلاً وبالكاد يُحصى لآلهة عبدها كل شعبٍ على حدة، والكتابات الهيروغليفية والسانسكريتية ومنحوتات التماثيل ونقوش الكهوف والمعابد القديمة، التي تحتضنها مئات المعارض بأوربا وآسيا والعراق ومصر اليوم، تُصور لنا بما لا يدع مجالاً لأي تشكيك من أن الشعوب القديمة قد عبدت عشرات الألهة دفعةً واحدة وبوقت واحد، حتى صار للريح إلهاً وللإخصاب إلهاً وللمطر آخر وللبحر وللشمس وللأمراض وللموت والحرب والسلام والحب والكتابة والشعر والمرأة، وهي للآن محفوظة بحالة جيدة مع تعاريف لها بكل مكان تدلل على فترات عبادتها والشعوب التي عبدتها، حتى يبدو أن ظهور عبادة الإله الواحد كانت متأخرة جداً ربما ـ إن لم تخني الذاكرة ـ في الألف الثالث قبل الميلاد على أكثر تقدير.

2- منذ القرون الوسطى وحتى يومنا هذا، نجد قبائل الهنود الحُمر بأميركا الشمالية، التي داهمها الأوربيون الذين أُرسلوا إليها لاحقاً حين اكتشفها كريستوفر كولومبوس، وكذلك الحال مع الهنود الحُمر بأدغال الأمازون، وغيرهم بمجاهل البيرو والبوروغواي وجزر أندامانيرا الهندية وقبائل البابو في غينيا الجديدة وقبائل جزر تيكوبيا بالمحيط الهادي، هذه كلها أعراق بشرية تقدّر أعدادها بالملايين، لم تتحدّر من أُسرٍ مسيحية أو يهودية أو أزيدية أو بهائية أو دورزية، فبيئتها خالية تماماً من أي معتقد ديني سماوي أو وضعي، لكن بالاقتراب منها ـ من قِبل الحكومات المركزية المتاخمة لأراضيهم وأعضاء الإرساليات المسيحية التي أرسلها الفاتيكان لهم لضمهم لقطيع المسيحيين ـ وُجِد أن أكثرهم لا يؤمون بأي إله، وأنهم لا يعرفون الله رغم خلوص فطرتهم ونقاوتها التي لم يخالطها شيء منذ آلاف السنين، أما البعض الآخر فقد كان يرتجل طقوساً بدائية متواضعة وقت اشتداد مظاهر الطبيعة وقسوتها ليتقي غوائلها.

وهنا أريد أن أتساءل أين هي معرفة شعوب الحضارات القديمة الفطرية بالله؟ وأين هي معرفة قبائل الهنود الحُمر وغيرها التلقائية بالخالق وربوبيته في مجتمع لم يعرف مكون الدين مذ خلق؟ وماذا حل بالميثاق الذي أخذه الله على سلالة أدم حين أخرجهم من صلبه؟ ولماذا لم يظهر منهم ولا واحد وقد عرف توحيد الله أو أقر بربوبيته كما جاء بالقرآن والسنة؟

3- وقائع القرآن الكريم نفسها، تقول بأن الله ظل يرسل رسله للبشر طوال الوقت وعلى مدى آلاف السنين لهدايتهم لعبادته وتوحيده، فمن الواضح أن الشعوب كانت تجنح دائماً وطوال الوقت للكفر به ولا تثبت على فطرتها، حتى يأتي نبي ما فيردهم إليها رداً عنيفاً في أغلب الأحيان، والقرآن يرصد لنا قصصاً كثيرة لأنبياء اضطروا للاستعانة بجبروت الله على شعوبهم، فصب الله العذاب عليهم أشكالاً وأصنافاً، ليؤمنوا به كرهاً إن لم يؤمنوا به طوعاً وهم غالباً لا يؤمنون به إلا كرهاً، فأهلَكَ الله من أهلك منهم تارة بالريح وطوراً بالزلازل أو بالحشرات كي يقحم الإيمان به في رؤوسهم إقحاماً، وقد كانوا يؤمنون به لفترة من الزمن ثم يعودون لدأبهم من الكفر به، حتى ليبدو الأمر وكأن الكفر بالله هو الأصل، والإيمان به هو الاستثناء.

4- الله الذي فطرنا على معرفته والإيمان بربوبيته ذكر أيضاً أنه يُلهم عباده التقوى تماماً كما يُلهمهم الفجور حين يسوي أنفسهم ابتدأً بيديه الكريمتين إذ قال بسورة الشمس (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)، وجاء الحديث الشريف منسجماً مع المسلك القرآني في التصريح بأن الإنسان مُلهمٌ بارتكاب الشرور مقرراً أن "النفس أمارةٌ بالسوء"، أي أنها مجبولة (مفطورة) على هذا السوء لأنه مركّبٌ فيها لا يمكنها الفكاك منه فهو قدرها، وإن كان المقصود بالفجور هنا هو المعصية ما دون الشرك بالله وإنكار وجوده، فإنّ من حقنا أن نتساءل هنا عن حكم قيام مسلم يؤمن بأركان الإسلام كافة بقتل مسلمٍ آخر يؤمن مثله بأركان الإسلام لاختلافه معه بالطائفة فقط، كما يحدث من قتال اليوم بين السنة والشيعة بالعراق والسنة والعلويين بسوريا، بل وكل واحد منهما يقتل الآخر بقصد الذهاب لذات الجنة التي يريد الآخر قتله لأجلها، فما ما موقف الفطرة هنا من تحقق العلم بالله والإيمان بربوبيته من مسلمٍ ما مع قتل مسلم آخر مثله يقتله تحديداً لأجل الإيمان به؟!

.... يتبع


(*) كاتبة ليبية مقيمة بهولندا
 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات