| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 20/3/ 2010


في عيد الأم

تحية وفاء الى أمي التي رحلت قبل أن أقبلها ..

فرات هادي صالح

في هذا اليوم الأذاري الخالد تبتهج الطبيعة بعيد الأم أذ تتزين بحلتها الربيعية الخضراء تتراقص على وريقات اشجارها قطرات الندى كبلورات ذهبية تعكس اشعة الشمس الدافئة التي تبدد غيوم الظلام الى رشقات من المطر الخفيف عبر نسيمات من تيارات الهواء العذب تبعث بالكون الطاقة والحيوية والنشاط وتغادر العصافير اعشاشها تغرد بأجمل الحان الفرح تتراقص الصغار تحت اجنحة امهاتها تتعلم كيف تطير في أروع لوحة جميلة بصورها غنية بمعانيها تجسد أزلية الحياة عبر قوانين الخلق والأبداع تتمركز حول الدور الريادي والقطب المؤثر في صنع الحياة ونمو المجتمعات الذي تتشرف به الأم عبر عملية المخاض الصعب وألام الوضع التي تزول بصرخة الوليد والتي تفسر سر الأبتسامة التي تطبع على شفتيها. ما أروع أن تتداخل دموع فرح الأم مع دموع صراخ وليدها الجديد المنتزع من احشائها يتغذى من دمائها وتوفر له الأمان في جوفها لكنها لا تملك الحق أن تنسبه ألى نسبها ولا تقدر أن تتدخل في اختيار أسما له بسبب تسلط المجتمع الذكوري الشرقي وقوانينه المنافية لقيم وأخلاق التطور الأنساني الناكرة لحق الأمومة . الحق الغريزي الذي منحته الطبيعة لأدنى الكائنات الحية. لفهم هذا الحق علينا أن نراقب كيف تتصرف أنثى هذه الكائنات مع صغارها في توفير البيئة المناسبة لحمايتهم وقد تضطر احيانا الى نقلهم الى اكثر من مكان عندما تشعر بالخطر يهددهم فكيف بالأنسان الذي يمتلك عقلا متطورا وفيض من المشاعر والأحاسيس.وفي وادي الرافدين احتلت الأم المكانة المقدسة وكانت تعبد وجسدت على شكل دمى طينية يطلق عليها( الألهة الأم)

فليس مصادفة أن تحتفل الأم بعيدها في أذار الربيع .لأنها الربيع الدائم المتجدد تصنع الحياة بكل معاني الخير والفرح والأمل بمستقبل أفضل .أنهما مترادفان خرج أحدهما من رحم الأخر في أروع أسطورة للخلق تحكي قصة التفاعل بين الأنسان والطبيعة منذ الأزل. في صباح هذا اليوم الخالد الذي تحتفي به الأمهات قفزت من ذاكرتي صورة أمي مع كل ذكرياتي معها التي تعيش معي وبها اتنفس هواء حياتي والتي تأبى أن تفارقني والتي غيبها القدر المحتوم في ديار الغربة بعيدا عن الوطن الذي عاش بين اضلاع صدرها وفي سويداء قلبها والتي زادت من لوعة حزنها وأكلت سنوات عمرها وحالت دون تحقيق أعز أمانيها بالعودة الى أحضان الأهل وجلسات سمر الجيران والناس الطيبين التي تفتقر اليها في ديار الغربة .ديار العلاقات الثلجية الباردة. لقد حاولت عبثا أن يتحقق أملي برؤيتها بعد اكثر من عقد من سنين الفراق الأضطراري التي جعلت من الصدفة تتحكم بمصائرنا وصارت حياتنا أشبه بالمستحيل لكن القدر العابث لا يعرف الأنتظار وغير قادر على صنع المعجزات وكيف لي أن ألتقيها وجواز سفري العراقي لا يمتلك الشرعية بعبور مطارات العالم الا بأرادة المهربين! أو التخفي بجوازات الدول الأخرى لأن جوازنا مهما تعددت حروفه وأختلفت طبعاته موسوم بأرهاب النظام السابق وطائفية ديمقراطية الأحتلال .

أمي خواطر الأمس تقفز الى رأسي وتقودني الى دوامة من التفكير في غيبوبة تتجلى فيها لوحة مصبوغة بكل ألوان الحب الذي يفيض به قلبك وبكل معاني الحياة المعبرة بالأبتسامات الدافئة التي ترتسم على شفتيك المليئة بروح الأمل والتفاؤل الصادق بغدا افضل التي تشيع السعادة في كل زوايا بيتنا المتواضع وتجعل منه جزيرة أحلام تطفو على بحر من الحنان .وكان وجهك يفيض فرحا ومحبة في أحلك وأصعب الظروف وكم حرصتي أن تخفين احزانك وتضغطين على جراحك عندما يتعرض والدي أو احد أخوتي الى الأعتقال وتواجهين الموقف بروح الأصرار والتحدي والمفاخرة بقضيتهم التي أعتقلوا من أجلها قضية الوطن والناس الفقراء .كم تحملتي وأنت في حراك دائم من سجن الى سجن أخر بحثا عن احدهم تواجهين السجان بكبرياء وصلابة لا تلين يفتخر بها الأصدقاء ويندهش منها الأعداء فتعلمنا منك كبرياء التواضع وحب الوطن والناس الطيبين وبك نشعر بالامان والأطمئنان ونزداد عزما وقوة أمام الأخرين . فمع كل مرارة الألم ومحاولات كسر عزيمتك لم يعرف الأنهزام طريقه اليك.

أمي بالرغم من أنني بعدك لم أعرف للفرح مذاقا ولا للحياة طعما غير أن أرادة الصمود والتحدي التي تأصلت في نفسي بهدى تربيتك تجعلني اعبر على أحزاني وأسير على ذات الدرب الذي سلكتيه وعلمتني أمومتك كيف أكون أما وأسس مع بقية الأمهات لزمن مستقبله أفضل تنقشع فيه غيوم التخلف وكل أفكار الظلام وينهزم فيه الأرهاب تزدهر فيه الأمومة الصادقة من أجل جيل مشبع بحب الوطن .فلك وكل الأمهات الطيبات أكاليل الفخر والأعتزاز فأنتن راياتنا الخالدات وعلى هداكن نسير.

 

20 أذار 2010

 

free web counter

 

أرشيف المقالات