| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 1/6/ 2009

 

قطار خرافات الألفية الثالثة

توفيق أبو شومر

بمَ نُفسِّر هذا التقدم التكنلوجي السريع، والتطور في مجالات الاتصالات، والاكتشافات العلمية الحديثة التي تمكنت من (تفكيك) النُطف البشرية إلى جينات، ووضع شيفرات لمجموعات الجينات، واستنساخ الجينات لعلاج الأمراض، وعزل الجينات المسببة للأمراض؟

وكيف نفسر (بودرة الجينات) الجديدة التي تساعد على استنبات الأعضاء المفقودة في الجسم من جديد ؟ والغريب أنه في الوقت الذي تتسارع فيه هذه الابتكارات، تتراجع الثقافات، وتزدهر الخرافات والأباطيل، وتنتشر جيوش التجهيل والترهات ، ويصبح أتباعُ الدجالين في بلد واحد أضعاف أعضاء كل المنتديات الثقافية في عدة بلدان !!
وقد أصبحت عربات قطار الألفية الثالثة تُقلُّ نقيضين عجيبين :
التكنلوجيا فائقة السرعة ، والخرافات فائقة الانتشار !!

شاهدتُ عرضا لبرنامج تلفزيوني قالت مقدمة البرنامج :
إن مشاهديه جاوزوا المليون، بحساب رسائل (الإس إم إس) حاولتُ أن أعرف السبب، فتابعتُ البرنامج ، فكان السبب ببساطة وجود أحد الدجالين في البرنامج ممن يدعون القدرة على تفسير أحلام النائمين والنائمات، وهم طائفة من العوالق البشرية من إنتاج سلالات التجهيل في الفضائيات، برعوا في تفسير أحلام الوجبات الدسمة المرعبة في الليل، وجعلوها رؤية مستقبلية تشير إلى الأخطار والمصائب التي تعترض طريق الحالمين، وهذه التفسيرات تدعو أصحابها المساكين إلى (انتظار) ما سيحلُّ بهم ، وتُقعدهم عن العمل المنتج ، وتجعلهم ينظرون إلى الآخرين، بعيني مفسّر الأحلام.

وفي هذا البرنامج الشعبي الكبير ! سألتْ امرأةٌ هذا الدجال عن شبحٍ مُرعبٍ في صورة وحشٍ هائل الجسم ، بشع الصورة، يطاردها في أحلامها مراتٍ عديدة خلال شهر، مما يجعلها تستيقظ فزعة مذعورة ، ففسّر المفسر المغوار الشبح المخيف بزوجٍ طمّاعٍ يُطاردها ليحصل على ثروتها، أو بوريثٍ ينتظر موتها ليحصل على ما بيدها من مال، وما إن تلقّى المفسّر أول إيماءات ضحيته حين سمعها تقول:
صدقت يا شيخ فقضية الأملاك هي التي تشغلنا في العائلة، حتى استطرد في الشرح معتذرا عن الاختصار والشرح، لحجم المكالمات الواردة على فضيلته ! ونصحها أن تأخذ حذرها، وتستعين بالناصحين الأوفياء، والعلماء الأتقياء ( ممن هم على شاكلته) بالطبع !!

وأنا أتخيل مفعول (أن تكون حذرة) على المرأة نفسها، إن كانت المرأة صاحبة الحلم ليست من ممثلات المحطة التلفزيونية، ممن يقمن بتلك الأدوار لمنفعة المحطة نفسها ، فهي إن كانت غير ممثلة – وأنا أشك في ذلك- فإنها سوف تمضي بقية حياتها في رعبٍ وخوف، تنتظر المجهول !!
تلك إذن إحدى صور الترهات المربحة التي توزعها فضائيات كثيرة بين الناس ، وتكسب من توزيعها ملايين الدولارات !

إن حجم مكاسبها من هذه الخزعبلات يفوق بالطبع ميزانية مراكز أبحاث علمية في جامعات عربية ، ويفوق أيضا الهبات والمنح والجوائز والمكافآت التي تمنحها الدول العربية للمبدعين والمبدعات !!
ولكن ما سبب ازدهار الخرافات في عصر تكنلوجيا المعلومات؟
هل يعود السبب إلى أن التطور السريع في علوم الدول المتقدمة قد أصاب العمود الفقري للدول الهزيلة في فكرها وإبداعها مُصادفةً بالعطب ، مما أقعدها وشلّ حركتها، وتركها تقتاتُ على خزعبلات تُبشرها بمستقبل مشرقٍ آتٍ؟
أم أن غياب الثقافة والمثقفين وقرب اندثارهم، وقربٍ انقراض آخر سلالات المفكرين والمبدعين، ما جعل عقولُ أبنائنا خاوية من أي فكر نهضوي، جعلهم مصابين بنقص المناعة الثقافي، وأصبحوا يلجؤون إلى المهرطقين والدجالين والمشعوذين؟!!

أم أن هناك خطةً يجري تطبيقها على قطار عالم الألفية الثالثة بحيث لا يجرُّ من العربات، إلا نوعين منها فقط :
عربات الدرجة الأولى الفارهه، وهي المخصصة للمخترعين وتجار شنطة المخترعات وسماسرة الإدمان، إدمان الدواء والغذاء والكساء، وهم أباطرة العالم وسادته وقادته ومخططو السياسات، ودول الصناعات والإنتاج .

أما عربات القطيع المكشوفة ، فهي المخصصة لمن تخلصوا من آخر العقول وبقايا الأفكار وثمرات الإبداعات قبل ركوب عربات القطار عربونا لقبولهم خدما لركاب القطار، لكي يظلوا من مستوردي الأفكار، مستهلكي الثقافات ، حتى يظلوا عاجزين عن إنتاج الأفكار، يؤجرون عضلاتهم فقط ،بعد أن يُدمنوا الاستهلاك ؟!!


 

free web counter

 

أرشيف المقالات